لمن أراد التوجه شرقاً… قد أتاك العراق… بقلم ميشال جبور

 

صدى وادي التيم – رأي حر بأقلامكم

 

في ٢٢ أيار، وبعد تكليف مصطفى الكاظمي رئاسة مجلس الوزراء العراقي، أوضحنا في مقال بعنوان “من الكاظمي، إلى حسان دياب، مروراً بسوريا” عن خط جديد يُرسم بمعالم معتدلة اقتصادياً وسياسياً بعيدة كل البعد عن نهج التشنجات الذي لم يجلب إلى المنطقة سوى توليد الصراعات وتكبيد الخسائر على كل الأصعدة.

غير أن ما أشرنا إليه منذ شهرين وصل على ما يبدو إلى حيز التنفيذ، إذ أن الوفد العراقي الذي زار لبنان وحمل معه أول الغيث بإنفراج أبدى كل جدية واستعداد وقد تبلور ذلك باتصال رئيس وزراء العراق السيد الكاظمي بدولة الرئيس حسان دياب وتأكيده على استعداد العراق لتبادل الدعم مع لبنان وهذا ما يجعل تباشير الخير تلوح بالأفق شيئاً فشيئاً.

فالزراعة التي تطرق إليها السيد حسن نصر الله في إطلالته الأخيرة هي جيدة وهي مصدر إلهام للعديد ولكن هذه الزراعة لا يمكنها أن تتم إلا على الطرق المتطورة والحديثة أي أنها بحاجة لمقومات منها الكهرباء والري الحديث،ذلك وإما لا طائل من الحديث عن الزراعة،لكن السؤال يبقى عن ماهية العلاقة بين العراق ولبنان،والجواب يحمل في طياته شقين، شق اقتصادي مالي وشق سياسي.في الشق الأهم على الساحة اللبنانية وهو الإقتصادي، العراق يحتاج إلى لمسة لبنان في الزراعة والصناعة، فرغم كل شيء، الزراعة والصناعة اللبنانية قدرتان على رفد العراق بما يريده من كمية ونوعية وحتى بالأسلوب، فزراعات لبنان وصناعاته والجوائز العالمية التي يحصدها في كل سنة تجعله على مستوى عالمي يضاهي أهم المستويات، وفي المقابل، سيمد العراق لبنان بنفطه الذي نحن بأمس الحاجة إليه وبالتالي نحن أمام سوق عراقية لبنانية فيها تبادل خبرات وتبادل تجاري، أي النفط مقابل الزراعة والصناعة، يحتضنه رضى أميركي، ففي الشق السياسي الإقليمي، وقد أوردنا سابقاً، لن تسمح أميركا بأن تضع إيران يدها على لبنان من خلف الكواليس، فدون إحراجها على الساحة الإقليمية، تحاول الإدارة أن ترتب ملفات المنطقة بطريقة هادئة ودون عراضات، والكاظمي هو الشخصية العربية التي يُتكل عليها لكي تتعاطى مع إيران بشكل عقلاني، عبر تطويع العلاقات وليس خدشها إلى حد إلتهابها وخلق صراعات جديدة وخاصة على الساحة الشيعية، وقد أظهر الكاظمي قدرته على الحركة السياسية وقد أعلن أنه سينشر الجيش العراقي على طول الحدود، أي أن الرجل ما زال على قناعاته بالسيادة العراقية والسلاح بيد الدولة ولكن بطريقة ناعمة لا تخرج إيران عن طورها وتساهم في ترويض جموحها الذي زاد في الآونة الأخيرة ولم يعد للحوار مكان معها،

فالإدارة الأميركية تعلم جيداً أن ليس كل الشيعة موالون لإيران،وتحديداً في لبنان، حيث على ما يبدو أن لبنان ليس ل”قيصر”وما يجري هو عملية تهويل لزج لبنان فيه وأميركا لن تقف مكتوفة الأيدي وستلجأ إلى خلق توازن سني-شيعي غير متوتر يحفظ ماء الوجه لكل الأفرقاء، فذلك سيحول دون تراكم التوترات والهدوء سينسحب على الساحة الشيعية في لبنان. لطالما إعتبرت أميركا أن إيران هي المفصل والفاصل لحد ما في الخليج، لكن إيران تعدت دورها لكي تصبح مصدر ومصدّر للصراعات، بالتالي، وعندما تتقاطع المصالح الإقتصادية والسياسية والمالية لكل المنطقة ببعضها، ونجد أن العدو الصهيوني لا يعترض على ما تفعله الإدارة الأميركية ولا حتى السيد مقتدى الصدر في حيثيته الكبيرة، نكون أمام آوان تحجيم إيران وتهديداتها المتشعبة في كل حدب وصوب.

لا أحد يمكنه أن يجزم إن كان هذا المشروع سينجح، لكن من يرى ويشاهد ويحلل، يلتقط إشارات تكشير أميركا عن أنيابها في المنطقة بطريقة لطيفة، مع بعض الصمت الروسي الذي يعكس انزعاجاً من إيران خاصة في الملف السوري وتدخلاتها، ولبنان سيستفيد من ذلك بإنفراج سياسي، وربما على المدى الطويل، اقتصادي.هذا الدعم الأميركي لحكومة الكاظمي ربما سيدفع بزيادة عديدها في العراق لكي يستطيع الكاظمي بسط سيطرته وتمكين قيادته،وإلى الآن، لم تقدم إيران شيئاً ملموساً للبنان، فسفيرها الذي زار وزير الطاقة أتت زيارته باهتة بعد كل الدفع المعنوي والزخم الذي أنزله السيد نن ص ر ا ل ل ه  عن تضحيات إيران وقبولها واستعدادها لدعم لبنان، وقد تبين أن الصين لديها رؤيتها الخاصة تجاه لبنان ولن نستطيع أن نؤمن فرص عمل للبنانيين عبرها ولا تنشيط الدورة الإقتصادية، فلا يتباهى أحد بعد اليوم بالشرق وبإيران، ولا يحاول أحد أن يزج بلبنان في أحضان قيصر، فالفارس العراقي قد أتى بلحظة حرجة وأنقذ الموقف وعلينا أن لا نضيّع الفرصة لأن في ذلك بوادر حل إقليمي وبداية خلاص للبنان الذي يتحمل فوق طاقته أضعاف الأضعاف وباتت قدرة إحتماله تضمحل يوماً بعد يوم.

ميشال جبور

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى