لم تعد بسيطة…آن الأوان لضربٍ من الجنون – بقلم ميشال جبور
لنعد ثلاثين عاماً الى الوراء او أكثر قليلاً لتتذكروا أيام البركة في لبنان…أيام البحبوحة…أياماً عرف فيها لبنان الوفر وراحة البال…الى أن أتى أمراء الحرب وأستجرّوا كل مصائب العالم وزرعوها في هذه البقعة الصغيرة. التي في دروس الجغرافيا ، لا تزال رغم كل التنكيل التي تعرضت له، لا تزال بوابة الغرب الى الشرق…
اتت موضة الحرب واستفحلت عبثاً وعبثيةً…جبابرة حربٍ نهمون ولا يشبعون…اوهموا الناس بالحرية والتحرير والتحرر وباعوا واشتروا بفلذات كبد الأمهات والآباء…فتحولت الحرب الى نهجٍ لهم مهّد الطريق امامهم لكي يحكموا ابتسامات الناس بويلاتهم وبأسهم…
أمراء الحرب امتطوا الموجة الشعبية وعلٌقوا جرائمهم على شمّاعات الآخرين وأمسكوا بخناق البلد الى أن أصبحنا نعيش الهّم بالّهم ونشعر باليأس من اليأس…فدخلنا في غيبوبة ال”بسيطة” وال”معليش” وغصنا في غياهب الموت المؤجل…اصبحنا مكسورين ومغمورين…سيف الطائفة مسلطٌ على رقابنا ومخرز الأحزاب يهدد نور عيوننا…ظننا ان يدينا بقيتا حرتين وإذ بقيود المعيشة والخوف من الغد تكبّلهما…
تحولت الهجرة إلى نزهة…واستلم هؤلاء السارقون مرافق الدولة عن سابق اصرار وتصميم…استولوا على القرار الوطني بنشر السموم الطائفية والأحقاد بين ابناء البلد الواحد…سرقتهم للدولة مقوننة…وهم يسرقون دون كلل او ملل ولهم في كل شارع مناصرين قادرين على التخريب والتهديد…
ندفع الكهرباء والماء مثنى وثلاث ونأخذ الدواء لأجل الدواء الذي لم يعد شافياً…ولا حتى كافياً…بترت قراراتنا واستشرى فسادهم ويريدوننا ان نجده…ونحن مشغولون بلقمة عيشٍ…يراكمون الديون فوق رؤوسنا ويحملوننا وزر ديونٍ لم نعرف كيف ولدت بالأصل…
يريدوننا أن نشير إلى الفساد وهو يعشعش في جلبابهم…فكيف لنا أن نحارب جهنماً فُصّلت على مقاسهم…
لم يعد هنالك أمل،لا بالأمم المتحدة ولا بالدول العربية ولا بثورة فكرية ولا بنهضة…بقي لدينا ورقة اخيرة نلعبها فإما الخلاص منهم وإما الذل والهوان…والزوال…أما سئمتم من منظرنا كمتسولين على أبواب الدول الأوروبية والعربية الذين وللشهادة يغدقون علينا ولكن…ولكن كما للقبر حجر…تختفي الأموال ويتصاعد الدين العام ولا حياة لمن تنادي بالإصلاح…
أما طفح الكيل من زعامات تتقاتل عند كل استحقاق وطني وتقسم الشارع اشكالات وحرق دواليب وشتائم وتشهير على وسائل التواصل الإجتماعي حتى بات الأخ يكره أخيه…
ما الذي ننتظره؟حكام وحكومة؟كهرباء ومياه؟معيشة وطرقات معبدة؟…لهم الجرأة ان يبكوا على الوطن بعد أن نهبوه حتى العظم…الشيطان لهم تلميذ وديع…ينادون ببناء الدولة وهم يسرقون الأساسات…يفاخرون بحرية الرأي ويحركون مخربيهم كالدمى لمقارعة الرأي الآخر…يتبجحون بمحاربة الفساد وهم الذين اوجدوا نواته وباعوا الوطن الى اكثر من شارٍ…
أما مللتم من الصراخ الى دولٍ تحبنا وتقدرنا لكن ما باليد حيلة والجواب يكون بالفراغ الدستوري وفراغ الجيوب…
أفشلونا بديمقراطيتهم الجهنمية على عدد عقود تاريخ هذا الوطن…
منذ أن وجد لبنان وهم يتربصون به وما أن أخذ استقلاله حتى انقضوا عليه باسم الحرية والسيادة واوهام واوهام واوهام…حتى عندما اقترب لبنان من الحرية والسيادة الفعلية تكالبوا عليه وقتلوا عزته وكرامته وتواطئوا مع بعضهم على بعض… تدفعهم شهوة المال و الدماء…
…وهذه هي قصة إبريق الزيت التي تتكرر كلما اقتربنا من استحقاق…بلدٌ يتخبط بين ايادي صعاليك في السياسة غير قادرين على اتخاذ القرار الحاسم والوقوف بوجه من يستعبدهم شر استعباد…رحم الله عندما وقف الرئيس شمعون بوجه اميركا عندما اتت البواخر للتهجير…ورحم الله الرئيس الهرواي عندما قال وبكل جرأة اننا في بلد غير ناضج ولا نستطيع ان نحكم انفسنا…لامه الكثيرون وامتعضوا…لكن النتيجة امامكم…كم من المرات تكلموا عن الفساد والسرقة وعلّقوا فسادهم وسرقاتهم على الشمّاعة السورية ولفّوا حول اعناقنا حبل الدين العام…نعم الوصاية ليست جيدة بحقِ اي بلد ولكن المفارقة ان السرقات والنهب ايام الوصاية كانت مضبوطة بإيقاع سوري فكان يستحون في بعض المرات، اما الآن فهم فراعنة في السرقة وكأنهم “شلّة حرامية” يسيطرون على شارع “المعترين”…يضحكون في وجوهنا بصفقات بالتراضي من “العب للجيبة” وبحصص المحاصصة الطائفية وال٦ و٦ مكرر والف مثلٍ ومثلٍ من الفسق والعهر الذي يستشري في حكمهم…
تكلموا عن الفساد وافحمونا ولحسوا عقولنا ولم نعرف من هو الفاسد ولم يُحاكموا اي فاسد على مر حديثهم عن الفساد…هم أمُّ الفساد ، تحمي ولدها الفاسد من حكم الناس وتحوّر القانون خدمةً له فيكبر ويتصلب بجبروته ويتحكم في مفاصل دولةٍ متهالكة ومقطعة الأوصال…
نتحداكم ان تكشفوا لنا فاسداً واحداً وتحاكموه…نتحداكم ان تمسكوا فقط خيطاً للفساد وتتركوه للقضاء…تجرأوا وضعوا قشةً في اعيننا وارفعوا الغطاء عن فاسدٍ على الأقل تعرفونه وقولوا للناس هذا هو “الحرامي”…ونحن متأكدون أنه سيكون “إبن حرامي”…ولكن من أنتم؟…لستم سوى حماة الفساد وحامين للسرقات ووسخ الفساد عالقٌ تحت اظافركم ولا تستطيعون التخلص منه…من أين لكم هذا؟…طبقوها وستعرفون كيف ان معاصيكم لم تعد مستورة…لم يعد لديكم الحد الأدنى من الحياء لدرجة يحرق الناس انفسهم ضيقة ويأساً فتظهروا على المنابر تعظون بإحترام الناس وحقوق الناس ومعيشة الناس وانتم…غربان سوداء تسرق قوت الناس وتبكي عليهم…كان لنا زعماء في التاريخ آمنوا بدولة تحفظ حقوق الناس وحاربوا لأجلها وكانت الدولة في ايامهم حاضنة للمواطن وكريمة لمعيشته ومؤسسات الدولة ومسؤوليها كانوا كعقارب الساعة لا يخطئون الثانية والبلد كان يفوح بالعزة والكرامة…واتيتم لتجعلوه وكر دبابير تنخزون بعضكم البعض وتبطشوا بالمواطنين…حولتم مؤسسات الدولة الى مغارات لصوص ومرتع للمرتشين واصبحت قيمة البشر عندكم بحسب واسطته ورشوته…
ماذا فعلتم بالليرة؟…او علينا ان نهنئكم بأنكم أفقرتم ليس فقط الشعب بل مسحتم الأرض بالليرة وبالقدرة الشرائية للمواطن…معاشات أقل ما يقال فيها حقيرة ومعاشاتكم خط أحمر…الحد الأدنى للمواطن وانتم تلهفون خزينة الدولة برواتبكم وسياراتكم ومخصصاتكم ومعاشاتكم التقاعدية…ما ان تتثبتوا بالحكم حتى تمتد ايديكم الى جيوب الناس بالضرائب التصاعدية والفوائد الشاذة…المسؤول الصغير فيكم يضمن لولد الولد الراحة المادية وبعدكم فلتحل الكارثة…على مبدأ أنا ونفسي ولا أحد آخر…كيف ستشعرون بالعيب وأنتم لا تشعرون بالإنتماء للوطن أموالكم كلها في الخارج تبنون بها امبراطوريات على مقاسكم لأنكم تعلمون أنه في يوم من الأيام ستطردون…من أنتم؟…حثالة السارقين…ضباع هائمة…ولكن…ولكن حذاري…
حذاري بعد ان اخذتم عقداً لإجراء الإنتخابات النيابية وما يقارب التسعة اشهر لكي تشكلوا حكومة وهي من نفس طينتكم وعطلتم البلد لأجلها وكأنكم ستخترعون الذرة…نحذركم انها آخر فرصة لكم لإصلاح الأمور ولكن ليس على حساب الشعب كما كل مرة خاصة وانكم مهتمون بلعبتكم الجديدة “سيدر” وخاصة ان الأموال مشروطة بمكافحة الفساد والحد من الهدر أو بزيادة الضرائب وهنا…بيت القصيد…
ان كنتم في باطنكم تضمرون زيادة الضرائب وشد الحبال على رقاب المواطنين…خسئتم…لأن معظم الفعاليات الإجتماعية والأحزاب التي يهمها الشعب وفي مقدمتهم حزب الله لن يرضوا بذلك ولن تمر خطتكم المتلهفة للأموال والحصص مرور الكرام…هذه المرة ليست كغيرها لأنكم هذه المرة انتم تعتدون على لبنان وقد تخطيتم كل حدود ممكنة،نذكركم للمرة الأخيرة…إن هذا الوطن هو وطن الرب الذي عصيت جيوش العالم ان تكسر رأسه…هذا الوطن الأبي الذي قدم خيرة شبابه عندما دق الخطر ابوابه كان ناسه يجتمعون في الساحات بالعصي وبما حملت ايديهم ويطلبون فقط ان ندلهم على مكان وجود العدو…نحن شعب حاربنا كل من سولت له نفسه ان يمدَّ يده على شبرٍ من لبنان…حاربنا بوطقة من الأعداء اجتمعوا مع بعض وساندتهم جملةٌ من الدول وانتصرنا…
تعلموا من التاريخ آن لكم الآوان…تعلموا من التاريخ الحقيقي ليس الذي تلوحون به وهو مبني على شهادة ابطال نكروكم ونكروا افعالكم واقوالكم…تمعنوا في التاريخ تذكروا ان الإمبراطورية الرومانية بكل عظمتها وفي اوج جبروتها سقطت…عندما رفعت الضرائب على الشعب…واعرفوا ان الحل الوحيد لن يكون الا بتوجيه جهودكم نحو تأمين المعيشة الكريمة والطبابة والإستشفاء للناس…الحل لن يكون الا بإعادة تأهيل المدارس الرسمية لكي يثق المواطن بها من جديد بعد ان كانت تخرّج الأجيال تلو الأجيال…كما ونذكركم بالجامعة اللبنانية الصامدة مصنع العلماء والأطباء وذوي الإختصاص التي رغم كل اهمالكم لها ما زالت الى اليوم الأولى بين الجامعات تحتضن كل طالب علمٍ وشهادة فهي تؤمن العلم لكل طبقات المجتمع دون تفريق ودون صرف آلاف الدولارات الأمر الذي ينهك الأهالي ايماناً بحق الإنسان في العلم والمعرفة…ايضاً عليكم بدعمها وتجهيزها بكل التجهيزات العصرية والمختبرات لأنها وجه لبنان العلم والثقافة فبدل مؤتمراتكم الضائعة ساندوا الدكاترة والأساتذة فهم يبنون الوطن من براعمه الى ثماره …الحل لن يكون الا بتأمين الكهرباء والدواء للفقير قبل الغني،فالوضع مزرٍ لدرجة ان مواطناً كجورج زريق احرق نفسه من اليأس واطلق صفارة الإنذار تجاه حكمكم الفاشل…أتعتقدون أن جورج سيكون الأخير؟…كل سيحرق على هواته عندما تستفحل الحالة وهذا تعلمونه وبدأتم بضرب الأخماس بالأسداس…
وكما انتم مسؤولون…الكنيسة ايضاً مسؤولة وبقدركم…رحم الله بطاركة كانت تبيع صلبانها لإطعام جياعها وكانت مدارسها الخاصة متخصصة بتعليم الكل والفقير ايضاً قبل الغني ولم تكن حكراً على من يملك آلاف الدولارات…كانت للبنان رجالات لا تهمها السيارات الفارهة والسفريات الفادحة…فليتمثلوا ببابا الفاتيكان ذلك الوالد الحنون المتواضع الذي لا يرضى الا ان يطعم حراسه بيده بدل موائدهم التي تمتد الى ما لا نهاية…ارجعوا الى الأساس ارجعوا للشعب…وارحموا انفسكم امام الرب…
انتم مطالبون هذه المرة بتسخير كل جهد لإعلاء مستوى المعيشة والوطن والا سنطالب هذه الحكومة بما لا يرضيكم…سنطالبها بأن تتمثل بولي العهد السعودي محمد بن سلمان فتحول اوتيل فينيسيا الى ريتزٍ ثانٍ فتقبض عليكم جمعياً وتضعكم بالإقامة الجبرية الى ان تردوا أموال الدولة المنهوبة والتي تفوق اضعاف اضعاف الدين العام الذي خلقتموه…فهل تتحملون ذلك؟…هذا البيان الوزاري الذي تمنوننا به لن تنفذوه على رقاب المواطنين…سينفذّ من جيوبكم هذه المرة…
لن نرضى هذه المرة ان تحولوننا الى جورج زريق آخر ولن نسمح بأن تضيق الدنيا علينا بل سنضيق الخناق عليكم وإن لم تحكموا بعدل سنطالب بوصي يضع يده على البلد ويلجم جماح سرقاتكم.لقد قدمنا الغالي والنفيس وزهرة شبابنا دفاعاً وايماناً بالسيادة وبوطن ال١٠٤٥٢ كلم٢ فقدمنا عمرنا بخورٌ على مذبح الوطن لكي نرى غداً افضل لأولادنا…هرمنا ونحن ننتظر ان “يرجع يتعمر لبنان” ولكن ما جبرنا على المرّ هو الأمرّ منه…
نعم سنطالب بوصي ونحن على مضض وشاعرين بخسارتنا لحلمٍ سعينا لأجله وحاربنا الأربع جهات لأجل تحقيقه…سنطالب بوصي مهما كانت جنسيته لأنكم إن لم تتواضعوا امام شعبكم فأنتم حكام بحاجة لمن يحكمكم ولن تستقيم الأمور الا بذلك…فإما ارادة الشعب واما زوالكم…
واتعظوا من كتب السماء يا من نسيتم مخافة الله، لبنان تلك القطعة الصغيرة، تلك المساحة الضئيلة قد ذكر في سفر ذكريا ١١ وسفر الخروج لكرامته وكرامة ارزه عند الرب…لا تنسوا هذا البلد المقدس الذي قام به السيد المسيح بعجائب ما زالت الأحاديث تتناولها الى اليوم…هذا الوطن المضطهد هو جنة الله الصغيرة على الأرض وقطعة من السماء.
ميشال جبور