صفقة القرن… صفعة القرن
كثُر الحديث في الآونة الأخيرة عن اتفاقات تجرى بالسر بين بعض دول المنطقة وبين اسرائيل… فاحت الرائحة العفنة التي تخوف الكثيرون منها… رائحة الدولارات النجسة، مغمسة بسواد النفط الملعون… هذه الرائحة التي يعبدها البعض ويقدسونها ويبجلونها… هذه الرائحة التي لطالما خضّت الشرق الأوسط وتحكمت بمجريات السياسة الإقليمية والدولية على بلاطة المذبح الصهيوني…فمنذ ان بدأ التاريخ الحديث ومنذ وعد بلفور… بدأت الدول الراكعة بالسجود امام الجبروت الإسرائيلي المدعوم بدون اي شك من الإدارة الأميركية التي تمده بالسلاح والعتاد وقرارات الفيتو والمواربة في المجالس والمحافل الدولية والتي لا تتخذ قراراً دون ان تكون مصلحة اسرائيل العليا هي في صلب هذا القرار….ولا حياء في حب وخدمة اسرائيل… لأنها تسيطر على معظم اموال ومصالح ووسائل الإعلام الأوروبية والأميركية… والآن تصوب نحو الدول العربية بتقديم نفسها على أنها الصديق المظلوم الذي لطالما فُهِمت تصرفاته بشكل خاطئ… ونعم صديق تريده الدول العربية لها…وكما جرت العادة… تتأثر الدول العربية… ولكن بطريقة سلبية… فيأتي ممثل الإدارة الأميركية حاملاً معه طلبات اسرائيلية فيجتمعون في مطبخ الأزمات… ويبدأ النفخ وبخ السموم الى ان تنفجر الفتنة حرباً… وفي كل مرة، تظن الدول العربية ان اميركا ستربت على ظهرها وإذ بها تطلب منها المزيد من الخنوع وتبتزها بمزيدٍ من الأموال… قصة ابريق الزيت…وتلك القصة… هي بالتأكيد قصة لبنان… فلبنان ساحة للصراعات منذ استقلاله… وتتالت عليه وفيه… الصفقات… والصفعات… لأن لبنان بطبيعته الديموغرافية والسياسة منقسم على حسب اهواء جماعاته…
اكثر من ثلاثين عاماً من الحروب… الأهلية والإقليمية… في ملعبه ولم نتعلم… اتت اميركا وذهبت وباعتنا لمن دفع ثلاثين من الفضة… وفي كل مرة وجدت لها من تمتطيه لتحرك الفتنة، وفي كل مرة جندت لها اناساً وصوليين جاهزين للتصفيق والتلفيق… وللأسف جاهزون لبيع الوطن مقابل اطماع سلطوية… كم من مرةٍ اتتنا اميركا حاملة مشاريع صفقات اولى اهدافها التقسيم والشرذمة لصالح اسرائيل وذهبت مهزومة… لكننا لم نتعلم… لأننا ما زلنا سذج او على البعض منا ما زال يصدق اطروحات الحرية الأفعوانية التي تحشرها اميركا في عقول البعض… فتتغذى الفتنة ويبدأ ضعيفو النفوس بالتهويل والترهيب على فئات من الجمهور…وجدت الإدارة الأميركية من يمتطي امواجها التي غالباً ما تكسرت على صخور الصمود وبُعد الرؤية التي يتحلى بها الوطنيون الذي يؤمنون بأن لبنان أبيّ عن الفتن…
اتكلت بمطالبها على تكالب طالبي السلطة والأموال وعرضت عليهم الكثير الكثير من الصفقات… صفقات ملتوية تخدم اسرائيل وتعطيها مكاسب أحلام اليقظة…
واتى الحديث عن صفقة القرن وكأنما ما سبقها لم يكن من صفقات… دهاليز الحرب الأهلية، استباحة بيروت، تدمير البنى التحتية والإحتلال… كلها كانت صفقات تلقت اميركا فيها ومن وراءها اسرائيل اقوى الصفعات…نفضنا الغبار بعد خروج اسرائيل سنة ٢٠٠٠ فتركت من تركت… لكنها كالحية الغدارة عادت لتعبث… ٢٠٠٥… علامة استفهام كانت هذه السنة… لكن وصل الجواب سنة ٢٠٠٦ واعتداء غاشم اسرائيلي الوجه اميريكي العقل يناشد الأهواء الفتنوية لدى البعض…
طُلب من اسرائيل انهاء حزب الله فانقضت على كل لبنان ولم توفر قصفاً… دمرت وشردت وشرذمت لكنها لم تنجح لأن من حاربها كان صاحب الأرض مؤمناً بسيادة الوطن ترفعه عقيدته عالياً فوق كل اغراء… فذهبت الأبواق التي نادت هاتفة باسم اميركا تتباكى على اكتاف الإدارة الأميركية ترجوها ان تتشفع بها… فباعتهم لكن الفرقاء المنتصرين كانوا اصيلين ووضعوا يدهم بيد من طعنهم بظهرهم وكان مستعداً لخيانة البلد من اجل اطماعه السياسية ونشوته بالقضاء على حزب الله…
عادت بيروت ست الدنيا اقوى مما كانت عليه… وانكفأت ابواق الفتنة… فقولوا لي ألم تكن هذه صفقة تحولت الى صفعة؟…
لكن هذه المرة استدارت اسرائيل من جديد وعبق بصدرها دخان الغيرة… إيران اصبحت دولة عظمى تعترف بنديتها الصين وروسيا… سوريا بدأت بالتعافي بفضل جهود الأفرقاء المتضامنين على عكسنا، اصحاب الرؤية الواحدة إلا نحن والمدركين لأساليب اسرائيل ومن خلفها اميركا… والبعض منا غارق في ابتسامات ترامب…
عادت ابواق التخلي يحركها الشعور الحاقد الذي اوقده الطمع وحب السلطة وبدأ المزاد عند اقدام اسرائيل… ترامب اعطاها الجولان، البعض منا يفكر بعدم لبنانية مزارع شبعا… يلهث لخدمة المطامع الإسرائيلية متناسياً مصلحة الوطن وكرامته…
رهانات غبية على اناس اغبى… فلا احد منهم تعلم من التاريخ.
تأتي اميركا… تهول علينا… يرضخ البعض اما خائفاً… وفي اكثر الأحيان حاقداً على شريكه في الوطن، فلا مانع لديه ان يتكسر الوطن على رأس من فيه لكي يرضي غروره بالإنتصار… ولكن هيهات…
هيهات ان تقدموا لإسرائيل ما لا تملكونه… الوطن لرجاله والأرض لنا… هيهات ان تنتصر اسرائيل أولم تتعلموا بعد… اساطيل اتت واساطيل ذهبت… جيوش اتت وجيوش ذهبت… وصمد الوطن… نعم، يمكن لهم ان يؤذونا لكن الكلمة الأخيرة هي للشعب، هذا الشعب الذي رغم كل مصاعبه وجروحاته ما زال يؤمن بأن الوطن للجميع… هذا الشعب الذي يرفض الفتنة الدينية التي يروج لها البعض…
حذار من امتحان هذا الشعب وحذار من امتحان لبنان لأنه سيريكم العجائب وكل ما يقدمه ترامب من سحر في الكلام لهو مجرد كلام عند لحظة الحقيقة… كل ما يريده من منطقتنا هو ابتزازنا لسحب المال واخضاع ارادتنا كرمى لعيون اسرائيل…
واجهناها من قبل وبإمكاننا مواجهتها من جديد… الكرامة اهم من الحجر… في سنة ٢٠٠٦ كنا على قاب قوسين من توجيه الضربة القاضية… لكن تباكى البعض واعلنوا ان بيروت منكوبة بعد ان تآمروا عليها…
والآن تلك النفسيات المريضة تريد ركوب الموجة من جديد لإشباع رغبتها بالدمار بعد ان نهبت اموال الوطن ولكن… لن تجد امامها سوى الطرد والهوان…التفتوا الى الصورة الكبيرة… التفتوا الى الصين التي تريد احياء طريق الحرير، التفتوا الى ايران بتقدمها العلمي النووي، وقارنوا بين خنوع البعض وبين الجبين العالي للبعض… وتعلموا…
تعلموا ان تعملوا من اجل الوطن ومن اجل الأخوة في الوطن وكل المشاكل يمكن ان تحل داخل الوطن دون وساطة احد… تعلموا ان تضعوا يدكم بيد من يريد لكم الإزدهار وليس من يذلكم لكي يرمي لكم الفتات…
لماذا نعود في كل مرة الى احتقار بعضنا البعض… نحن شعب جميل متنوع تنقصه الألفة التي فقدت في الحرب وحاجته للتضامن يمكن ان تكون مفتاح عظمته من جديد… ولا شيء سيوقفنا…
ميشال جبور