ورحل الفارس… بقلم كريم حمدان
صدى وادي التيم – رأي حر بأقلامكم /
ورحل الفارس…
منيف حمدان؛ الدّكتور، والقاضي، والمحامي، والكاتب، والأديب، والشّاعر، والثّائر.
بعد مسيرة صاخبة من العطاء اللّامحدود في مجال القضاء والمحاماة لعقودٍ من الزّمن حيث كان قاضيًا لمدّة سبعة وعشرين سنة، ومدّعيًا عامًّا ورئيسًا لجميع المحاكم الّتي يسمح بها التّوزيع الطّائفي في لبنان، وكان آخرها رئيسًا لمحكمة جنايات بيروت، ومحاميًا بالاستئناف منذ عام 1992 وحتّى يومنا هذا.
أمضى ما يزيد عن ستّة عقود نصيرًا للحقّ والعدالة، نصيرًا للمظلوم بوجه كلّ ظالم. كان يمتلك من الجرأة والشّجاعة ما لا يمكن تصوّره، وكان دائمًا يردّد: “لا أخشى قول كلمة حقّ في وجه سلطان جائر، ولا أخشى بالحقِّ لومة لائم”.
منيف حمدان بشخصه لم يكن متمسّكًّا بمنصب، بل المناصب تمسكت به نظرًا لما أضاف إليها.
*-حين استشرف النّائب العام الاستئنافي الدّكتور منيف حمدان الوضع القضائي في لبنان، وجّه كتابًا عبر جريدة الأنوار بتاريخ 25/6/1986
إلى مجلس القضاء الأعلى تحت عنوان: “لبنان ينتظر إطلالة البطل وإليكم ثلاث
محاكمة الكبار الكبار – أو الاستقالة – أو إطلاق الثّورة”.
أي الإستقالة الجماعية لمجلس القضاء الأعلى .
*- كتب في جريدة الدّيار وقال: “قضاة الظّن، وقضاة الحكم يسعون إلى هدفٍ واحد وهو تحقيق العدالة”.
*- حين رأى ظلمًا بحقّ رئيس مجلس إدارة شركة أوجيرو آنذاك، الدّكتور “عبد المنعم يوسف”، توجّه بكتاب مفتوح إلى دولة رئيس مجلس الوزراء عبر جريدة النّهار، بتاريخ 10/10/2000، حين لم يوفَّق بما كان يسعى إليه، ورأى أنّ العدالة قد اختلّ ميزانها، وليس بإمكانه إصلاح الخلل، قرّر الاستقالة من منصبه كرئيسٍ لمحكمة جنايات بيروت، غير آبه بالمناصب والألقاب لأنّه أكبر منها، تقدّم باستقالته لمعالي وزير العدل آنذاك، القاضي “نصري المعلوف” عبر مجلس القضاء الأعلى بشرحٍ مسهب ودقيق وعنوانها:
“خفت على العدالة أن تشيخ فاستقلت”.
لأنّ مايجري في قصر العدل اليوم يجعلني غير قادر على العطاء، وغير قادر على البقاء فيه كقاضٍ ولو للحظة واحدة، وعدّد صفات القاضي كما ورد في استقالته بتاريخ 7/10/1992:
غزارة في العلم
نظافة في الكفّ
صدق في اللّسان
طهر في السّريرة
قدوة في السلّوك
ترفّع عن الصّغائر
مجافاة للتّزلّف
صبر على البحث
نقّاب في الاجتهاد
حياديّ بين الخصوم
شجاعة في إعطاء الحكم
علو كعب في كلّ مأثرة.
أيّها العزيز؛ رأيت فيك فلاسفة الإغريق، وتسامح السيّد المسيح، وشجاعة وحكمة الإمام علي، وعدل عمر بن الخطاب (رضي الله عنهم).
*- أيّها الفارس المقدام الشّجاع؛ هيهات أن تأتي العدالة بمثلك!! ستبقى المثل والمثال والقدوة الصّالحة، وستبقى سيرتك الحسنة مشعلًا لنا نهتدي ونقتدي بها على مرّ الأجيال.
عمّي منيف، الأب الرّوحي، وداعًا….
كريم حمدان
في 3/12/2024