وبين ثنايا الخطاب،خطاب آخر …بقلم ميشال جبور

 

صدى وادي التيم – رأي حر بأقلامكم /

وُفقت يا سيد ا ل م ق او م ة بإطلالتك البارحة،وُفقت أمام جمهورك طيلة الخطاب وكان الحشد قد بدأ منذ يومين والتأويلات كثرت والتعويلات أيضاً ولا أحد ينكر أننا كلنا ترقبنا كلمتك لأننا كنا نريد أن نشعر فعلاً بأننا جيرانكم وأحبابكم وبأنكم عامل إيجابي في لبنان.
كان الجزء الأول من خطابك عالي المستوى ومتوازن ومترفع عن الفتنة مع تشديدك على أنكم لا تريدون أخذ البلد إلى الفتنة وهذا بالفعل قمة الوعي والأخلاق لأن لا أحد فعلاً يرغب بأخذ البلد إلى الفتنة بالرغم من التهديد بها عند كل لحظة مفصلية تداهمنا وخاصة في ملف تفجير مرفأ بيروت،فلم نرى أحداً يشعر بالفتنة وتهديد السلم الأهلي غير ناسك وأهلك وبعض من حلفائك،لماذا لا تدعوا القضاء يأخذ مجراه في قضية المرفأ فيما طالبتم بتحقيق سريع وناجز بما حصل يوم الخميس وبدأت التهم تنهال من كل حدب وصوب على القوات اللبنانية بالرغم من عدم وجود أدلة كافية تدينها أو تدين رئيسها.
طبعاً لسنا هنا في معرض الدفاع عن رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع فأنت يا سيد جهدت منذ اللحظة بالإنقضاض على القوات ورئيسها وإعادة لكئ الجروح عبر التذكير بأخطاء القوات في مرحلةٍ ما وتكثيف حجمها ولكن فاتك أن سمير جعجع وميشال عون كلاهما أخطأ بحق المسيحيين وخسرنا بسببهم أفضل الرجال وخيرة الشباب من جيش وكتائبيين وقواتيين ومواطنين فدمروا مناطقنا وانحدرت الحالة المسيحية إلى الدُرك الأسفل.نعم،نحن نعلم ما هي مصيبتنا ومن سبب كبوتنا ونريذ أن نحاسبهم ولن نقبل بأن يحاسبهم غيرنا،فإما يكون حسابهم على أيدينا في هذا الزمن وإما حسابهم بئس المصير في جهنم على أفعالهم، والصلاة رفيقة الصابرين.
لكن أنتم أيضاً كمقاومة أخطأتم في حق بعضكم البعض في أكثر من حقبة، ففي ١٩٨٢ ارتكبتم المجازر بحق بعضكم البعض ولم يعايركم أحدٌ منا، وطبعاً لسنا بوارد القيام بجردة حساب على المواقف والأخطاء لكننا بالطبع كمسيحيين نترقب وننتظر يوم الحساب ضمن بيتنا المسيحي الواحد دون أن نتدخل في بيتكم الداخلي والحساب الأكبر عند الرب ولكن للجميع أخطاء.
أما بعض الأخطاء ما زال يُرتكب يا سيد حسن،فقد أطلت يا سيد ال م ق ا  و م ة الحديث عن أخطاء القوات وارتكاباتها ولكنك لم تتمنع ولم تقاوم الوقوع في أكبر خطأ ممكن في الجزء الثاني من خطابك فعدت إلى لغة الإستعلاء والإستكبار مستحضراً المائة ألف مقاتل الذين سيزلزلون الجبال وكأنك تفرزنا بالقطعة فتسهل عليك العملية بالجملة، فلما عدت للحديث عن الإجتياح للمناطق والتهويل والترهيب بالتفافك على الكلام.ما الذي تغير في خطابك،فالقسم الأول من خطابك يا سيد ن ص ر ا ل ل ه كان خطاب شراكة وطنية حقيقية تدور الزوايا وتحاول إيجاد الحلول المقنعة كي يرتاح الطرف المسيحي إليكم،أما القسم الثاني فقد كان تهويلياً للتذكير بقوتكم الضاربة وقوامها من الرجال والتأكيد على الحسم العسكري مع أننا كنا جيران وأحباب وأهل.
هنا مسيحيو لبنان وليس مسيحيو سوريا أو أي بلد آخر وخاصة ليس العراق،مسيحيو لبنان دافعوا عن أنفسهم ضد من حاول تهجيرهم من لبنان منذ ال١٩٧٣ وإلى اليوم وحافظوا على أنفسهم بالسلم والحرب وتاريخنا يشهد. لم نعرض يوماً للحديث عن مرحلة كان القتال والقتل على أوجه في المخيمات فكانت أيضاً حقبة سوداء في تاريخ لبنان والقضية الفلسطينية ولم نناقش يوماً ما جرى في بيتكم الداخلي وما فعلتموه ببعض فهذا ليس من شأننا وما هو من شأننا ليس في بُعده وأبعاده من شأنكم.
لكن كُتب على المسيحيين ربما أن يكونوا عرضة للإنتقاد على تاريخهم أكثر من غيرهم، فسلاح المسيحي سلاح إرهاب موصوف لكن سلاح غيره سلاح مصمود على الرفوف.
عذراً يا سيد ح س ن،فليكن حساب كل واحد في بيته،ولا طائل من التحريض الطائفي وخاصة داخل الطائفة المسيحية ويوم الحساب كالغد لناظره قريب،نحن قادرون على المحاسبة سياسياً وقادرون على المحاسبة بالقوة وإلا فلن نكون الشعب المسيحي الذي نريد أن نكونه. التحريض سيعود بردة فعل عكسية،فما لزوم الحديث عن الإجتياح وعديد عسكرك،وليعلم الجميع أن لنا من الرجال ما ومن الإيمان ما يكفي ولا يظنن أحد أن يوماً ما ستكون أية حركة عبور وحتى ولو كانت اجتياحاً مجرد نزهة في مناطقنا فلماذا عندما يمر جمهورك في أي شارع مسيحي الطابع يبدأ بالصراخ العالي “شيعة، شيعة” وهل نحن نفعل ذلك في شوارعكم،الإستفزاز يا سيد حسن يبدأ أحياناً، من هتاف.
قد كان القسم الأول من خطابك موفقاً وجعلنا نشعر بالوجود الإيجابي وترك الأمور للتحقيقات والقضاء ومن ثم أتى القسم الثاني لينسف كل إيجابية وتقارب وليعيد لذاكرتنا أيضاً خطابك في الثمانينات،فمهما كان الأمر،لا يجوز تحت مسلمات العيش المشترك والسلم الأهلي ودرء الفتنة أن يكون بين ثنايا الخطاب،خطاب آخر.

ميشال جبور

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى