تخيّل لو… كنت مستأجراً ….
أب الكل وسيد العهد،
الرئيس الجنرال ميشال عون،
لطالما قيل عن لبنان… “سويسرا الشرق”… لطالما قيل عن لبنان… “اكبر من أن يُبلع… أصغر من أن يُقَسّم”…وأعتقد أنكم أصحاب هذا القول، وقد وقفتم يوماً ودافعتم عن كل لبنان بوجه اعتى الصعاب والأزمنة.
لطالما عانى لبنان من تبعات السياسات الإقليمية، فكانت الحروب تلتصق به… إلى أن تفجرتّ حروباً داخلية بين الأشقاء… ورغم كل ذلك بقي لبنان منيعاً واستطاع لملمة اشلاء جبله وساحله وواديه لجمع الشمل بين أولاده وتأسيسهم من جديد على العيش المشترك…
سيدي الرئيس، أذكر جيداً عندما تحول القصر الرئاسي الى قصرٍ للشعب، لجحافل الناس المتبعة والفرحة فيكم…وأذكر دفاعكم عن شرعية الدولة التي تريد احتضان أولادها لكي تحميهم من التوطين وفقدان الهوية، أذكر إصراركم على عدم الخنوع للفاسدين واعطاء الحق لكل من له حق…كم كانت قاسية تلك الأيام… في لحظاتٍ… فقدنا الوطن… فقدنا الحضن الدافئ… اصبحنا كأغرابٍ… حتى داخل جدران منازلنا…
آمن الشيّب والشاب بكم ونزلوا الى الطرقات، افترشوا الأرض في مظاهراتٍ دفاعاً عن لبنان العظيم في انتظار عودتكم…والرجاء كان بالإنصاف لكي تعود الدمعة إلى من حيث أتت…
أيها الرئيس العماد، عدتم بعد طول انتظار، أنتم الذين أوجاعكم كانت أوجاعنا…أنتم عماد الوطن وعاموده الصلب… فالحرب أتت على الناس بأمراضٍ مزمنة…فتهجّر من تهجّر… وبقي على الأمل من بقي له أمل… ربما بعهدكم… وطأة الحرب اللبنانية كانت شديدة ووطيسها اصاب الجميع… بعض الخسارات كانت بالأكباد والفلذات… وبعضها الآخر كان بالعمر والأوراق…
أب الكل، تخيّلوا أنفسكم،أنتم الذين مر عليكم العقد السابع من العمر، وأكلت منكم الحروب وشربت إلى أن بقي لكم نقطة إيمان بولدكم الذي يقطن معكم هو وزوجته، ومعكم زوجتكم، تلك المرأة الأم، الكهلة والمتعبة والمناضلة في تربية أحفادها… تخيّلوا أنكم كلكم في بيتٍ واحدٍ… “إيجار قديم”… كما يسمى… وإبنكم غير قادر… بل عاجز عن شراء مسكن له بسبب الظروف الإجتماعية القاهرة…ضعوا انفسكم في هذه اللحظة، تناسوا لبرهة من الوقت أنكم رئيس جمهورية لبنان، وأمعنوا النظر في ذلك المشهد السريالي وترقّبوا الدقيقة التي يأتي فيها وزير العدل بسوط قوانين غير انسانية عبر شاشة التلفاز ليخبركم أن نقطة الأمل التي بقيت لديكم لتستروا انفسكم قد قضت عليها مفاعيل “مرور الزمن”…من سيتشفع بكم؟… من سينتشلكم من الخوف والإرتجاف وأنتم تسمعون قرار إسقاطكم معيشياً؟
أستتحملون هول تلك اللحظة وإنزالها البائس عليكم؟
تخيّلوا لو أنكم مجرد “مواطنين كادحين عاديين”، لا كرسي رئاسة ولا بذة جنرال، فقط لكم “إيجاراً قديماً” وبعض العمل في زمن العمل الضئيل… وبعض الأمل في زمن الأمل الشحيح… ماذا سيكون شعوركم عندما تتساقط امامكم، بفعل “مرور الزمن”، جدران منزلٍ عشتم فيه اربعين عاماً ونيفٍ… فتتشلع ابوابه وتختفي نوافذه لتجدوا انفسكم في العراء يبتسم في وجهكم شرهاء وذئاب العقارات… هل سترتضون أن تضعوا رأسكم تحت مقصلة الإيجار الجديد الذي لا رجاء فيه ولا استطاعة لكم؟
ماذا عن العجوز الأرملة التي كل ما بقي لديها في الدنيا ذلك “الإيجار القديم” وبعض الأولاد المتزوجين الكادحين هم ايضاً بدورهم من أجل صغارهم… فيدق المحامي باب بيتها الشعث ليتحفها بهذا القانون المعلول…ملاقاة حتفها ستكون نزهة أمامها على أن تسمع هكذا مصيبة…
سيدي الرئيس، ماذا عن رفاق السلاح؟… الذين غدر بهم الوقت ولم يستحصلوا على قروض سكنية لا لأنفسهم ولا حتى لأولادهم … أهم أيضاً سقطوا بفعل “مرور الزمن” أم الحق عليهم… كان يجب أن يسقطوا خلال الحرب…
هل ستتحمل قلوب الناس المزيد من الحسرة على اربعة حيطان…هل يا ترى سيبقى لهم اي جدار لتعليق صور نضالهم عبر الزمن لينتظروا عهدكم…صور ربما بدل ان تملأها التجاعيد…ستزال بيدين تمسح الدموع تارة وتتوب الى الرب تارة…ترى الى من سيتضرعون عندما ينظروا بقلبٍ يتخبط إلى السماء… على من سيصبون جام غضب دعواتهم؟…
حضرة الرئيس ،هذه المشاهد التي أرسمها لكم إنما هي غيض من فيض… وكل شخصيات هذه المشاهد سينتهي بها الأمر مشردة في الشوارع لأنها لن تكون قادرة على تأمين مسكن لها في ظل ما نعيشه اليوم…فاليوم وأنتم أكثر العارفين، بات الخبز والقوت اليومي أغلى من الحياة نفسها… اصبحت الناس تحرق نفسها من الظلم والذل والهوان… ألا يخبركم مسؤولو إدارتكم عما يجري في الشارع؟… فالإنسانية الكبرى هي أن لا ترتضي لأخيك ما لا ترتضيه لنفسك… ونحن كلنا أخوة أم…
ميشال جبور