وعندما يبقى خيارٌ واحدٌ،فلا يعد خياراً… الإنتخابات الفلسطينية بقلم ميشال جبور

صدى وادي التيم – رأي حر بأقلامكم/

لكل من يظن أن الإنتخابات الفلسطينية هي مجرد عملية إنتخاب أو إقتراع داخلية فهو مخطئ، فالإنتخابات الفلسطينية هي انتخابات عربية مركزية ستحدد بنتائجها مصير القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني ونضاله من أجل وطن سيد وحر ومستقل وعيش كريم.
ولمن لا يعرف فقد تم تأجيل هذه الإنتخابات مراراً نظراً للخلاف بين ف ت ح  و ح م ا س ومحاولة كل منهما السيطرة على القرار مما أفشل الجميع، لكن بروز التيار الإصلاحي في حركة ف ت ح بقيادة محمد دحلان أدى إلى إعادة تصويب المسار واستنهاض الجهود الفلسطينية القومية من جديد.
لكن الرئيس الفلسطيني الحالي محمود عباس وقع على ما يبدو في ورطة إثر إعلانه عن إجراء الإنتخابات، فهو لا يستطيع أن يستمر بالتسويف والتأجيل لأنه محاصر دولياً وأوروبياً، فالعملية الديمقراطية إن لم تستديم فهنالك مصداقيته على المحك أمام كل الأمم، وهو أيضاً يعاني خسارة عربية هائلة نتيجة سياساته العشوائية التي أبعدت عنه أصدقاء القضية الحقيقيين وجعلت الإستمرار استحالة في نهجه ناهيك عن قطاع غزة الذي انفصل عنه نهائياً، أي ببساطة، محمود عباس مضغوط أوروبياً ودولياً وعربياً. وما لم يكن بالحسبان لا عند محمود عباس ولا عند حماس الإنطلاقة القوية التي أظهرها التيار الإصلاحي في ف ت ح، فهذا التيار بفكره المتجدد ونظرته القومية المتعمقة في أساس القضية الفلسطينية قد إنعكس تماسكاً على الأرض واحتضاناً للشعب من خلال البرنامج الوطني الذي يقدمه قائد التيار الإصلاحي محمد دحلان ومعه كل القيادات الإصلاحية التي بدأت بزيارة غزة ولاقت كل ترحيب وحفاوة من الشعب والآن يتحضر القيادي سمير المشهرواي لزيارتها أيضاً وبالتأكيد ستكون لحظة ساطعة تؤسس لمرحلةٍ جديدةٍ،والذي يزيد من ورطة عباس ومعه ح م ا س، التي تجمعهما المصيبة أكثر مما تفرقهما السياسة، هو الثقة العالية لمحمد دحلان الذي لم يتراجع قيد أنملة عن دعم كل فلسطيني ففي خطابه وضع الحجم المناسب لكل فريق وفصيل وشجّع كل أخصامه على خوض الإنتخابات بشكل ديمقراطي ووقف على مسافة واحدة من الجميع برقي سياسي ولم يتوانى ولو للحظة عن رفد الشعب باللقاحات والدعم الغذائي والدراسي والصحي وهذا ما أخاف الجميع وجعلهم يعيدون حساباتهم الإنتخابية ويضربون الأخماس بالأسداس.
إذاً ولكي يحل محمود عباس هذه المعضلة التي ترتابه وتقض مضجعه ومعه تتفق ح م ا س، بدأ باللجوء إلى بث الرسائل إلى المجتمع الأوروبي والدولي بأن الإنتخابات يجب أن تؤجل مرة أخرى بسبب الأوضاع الصحية غامزاً من قناة جائحة الكورونا ومعتمداً على الترويج بأن الفوضى ستعم إن حصلت الإنتخابات بسبب الأجواء المشحونة بين الفصائل، وبالطبع ليس هنالك أفضل من اللعب على التناقضات.
ومن الواضح لأي قارئ في الملف الفلسطيني رغبة ح م ا س بتعطيل الإنتخابات أكثر من فتح وذلك لارتياحها على وضعها في غزة فهي تمسك بزمام الأمور على الأرض ولا تريد لها منافسة فعلية تُظهر ضعفها في الاستجابة لمتطلبات الشعب المعيشية والصحية، اذاً وفي المحصلة، ف ت ح و ح م ا س ستتوحدان في لحظة مؤاتية لتعطيل الإنتخابات أو لترحيلها بحيلةٍ ما بالتزامن مع أطماع دول مثل قطر وتركيا لوضع اليد على الورقة الفلسطينية واستخدامها كعامل ضغط إقليمي في أية مفاوضات أو تسويات أو اتفاقات ستجري في المنطقة وتتقاطع أطماعها مع ضعف الرؤية السياسية لكل من ف ت ح  و ح م ا س، فوضع العراقيل والتنصل سياسة تُمارس بين ف ت ح  و ح م ا س منذ سنين وهذا ما أوصل الوضع إلى المأساة التي يشهدها الشعب الفلسطيني.
لا شك في أن التيار الإصلاحي في حركة ف ت ح قادر على المواجهة الديمقراطية وقد أكد محمد دحلان بأن اتكاله الأول والأخير هو على الشعب الفلسطيني ورغبته بمستقبل أفضل وبالتأكيد خطابه الثابت المقرون بالإنجازات يخيف كل أخصامه، فهل ستجري الإنتخابات في فلسطين وإن جرت فهل سيقتنع الفرقاء بنتائجها لأنه من الواضح والجلي أن التيار الإصلاحي في حركة ف ت ح سيكتسح الإنتخابات رغماً عن أنف الجميع ورغم ممارسات محمود عباس القمعية التي لجأ إليها عقب الإعلان عن إجراء الإنتخابات وكان من آخر فصولها الرديئة فصل الدكتور ناصر القدوة من اللجنة المركزية في حركة ف ت ح وإيقاف كل تمويل لمؤسسة ياسر ع ر ف ا ت التي يرأسها وبالتأكيد يأتي هذا القرار من صلب تخوف محمود عباس وتوجسه من ترشيح الدكتور القدوة لمنصب الرئاسة كمرشح توافقي يوافق عليه الجميع، حتى أعداء عباس، نظراً لحيثيته وكونه قادر على تأمين مرحلة انتقالية سلسة وهذا ما دفع بالرئيس الفلسطيني الحالي لمهاجمة كل من يهدد رئاسته حتى لو تطلب ذلك التعدي على إرث ورمز ياسر عرفات السياسي والمعنوي والقومي ، فعندما لا يبقى سوى خيار واحد لمحمود عباس فذلك لا يعد خياراً بل هزيمة في كل الأحوال، إن جرت أو لم تجري الإنتخابات.

المحلل السياسي والخبير في الشؤون الفلسطينية ميشال جبور

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى