عنــــدما يصبح الاعلام فرساً بلا لجام

 

د.حسين عزالدين

ثمة متغير يعصف بالمجتمعات دون استثناء ويغزو بيوتنا الكبيرة والصغيرة، وهو ما بات يُصطلح عليه بالكونية الاعلامية.  

ولكن ما يستوقفني في لحظة مواكبة التطور الاعلامي وانتاجه هذا المد من تجاوز الخطوط الحمر دون هوادة او مراعاة للقيم المتفق عليها كعرف عام بين كل المجتمعات على تنوعها الوجودي. آخذين من ثقافة الغرب نمط الاستنساخ وتاركين ما حققه من علم وتقدم ومعرفة.

من هنا وانطلاقا من كوني مشاهد في الدرجة الاولى، احد افراد الرأي العام واعلامي يفترض بي ان اضع النقاط على الحروف. هالني ما بات يعرض على شاشات التلفزة من انتاج اردى اعلامنا صريعا تحت مسمى حرية التعبير. لتتحول مساحة الابداع المفترض إلى مرتع يفيض بالتفلت من قيم التهديف والترشيد نحو تحصين مجتمعاتنا من غزوات الثقافة الخارجية التي تضع نصب اعينها ارثنا القيمي والاخلاقي لتحولنا الى سلع رخيصة ونواة مستقبل آيل للانكسار والتقهقر. ليغدو بعض هذا الانتاج عنوانا لمرحلة محفوفة بالخطر نتيجة ابتذال بعض اصحاب المؤسسات الاعلامية ومن يديرها واستباحتهم لكل محرم ومحظور مقصدا وغاية لا تخلو من الشبهة التي توازي الجريمة بحق الانسانية. 

وما طالعتنا به احدى المحطات اللبنانية مؤخرا من تسويق للرذيلة وتوهين لقيمة الانسان وكيانه بقناع انتاج جديد وزعم مجاراة الواقع ليس سوى فصلا من فصول الانحطاط والجهل بمشهدية حاول اصحابها ذر رمادهم في عيون المشاهد على خلفية مواكبة تطور الوسائل وتجريد الصورة وتمكين النفوس الضعيفة من تقبلها والتأثر بها ..

نعم لم ولن يكون الاعلام يوما ممرا للعابثين بجوهر الوجود الانساني بعدما كان وسيلة التغيير نحو الافضل وأحد صناع الثورات على مدى التاريخ حتى يومنا هذا. ولكن اذا ارتأى منتجو ومالكو هذه المؤسسات ان يعبروا نحو تأمين المكاسب والربح المادي على حساب الانسانية فهنا تكمن مسؤولية الجميع في وضع حد لهذه المهزلة العمياء لما تسببه الانتاجات الوضيعة من جريمة بحق مجتمع بأسره.

لقد تجاوزنا ببدعة الحرية كل الخطوط ووضعنا الغرب خلفنا في استغراقنا باسترخاص الجسد والعبث بحياء الروح. فالى متى سيبقى هذا الفضاء الاعلامي دون رقيب او حسيب؟ والى متى سيبقى اندفاع البعض نحو تفريغ مجتمعاتنا من جوهر وجودها الانساني هدفا لمراهقاتهم وتطفلاتهم وهواياتهم المتدنية؟ والى متى ستبقى الدولة بمؤسساتها المعنية بموقع المتفرج عاجزة عن وضع حد لهذا الانفلات في تشجيع البغاء؟ كي لا تضع نفسها بموقع المتآمر على المجتمع والمتنفع من اصطياده بسلاح الاعلام المشبوه وغير البريء .

هذه القضية ايها الحريصون يجب ان تتحول الى قضية رأي عام كلنا من موقعه يرفع الصوت، يعترض، يشهر ويكتب لنكسر قيد اغلالنا ولنضع لجاما صارما على الفرس الاعلامي لاحتواء صهيله ومنعه من استباحة بيوتنا ومجتمعاتنا واغراق اجيالنا بعفن الدنيا التي يروجون لها بكل امكانياتهم وتقنياتهم المسخرة لاغراض دنيئة.. 

الاعلام مهنة مقدسة يجب ان يبقى فوق كل شبهة وارتهان. والانسان كائن اجتماعي لا يجوز توهينه والدفع به الى الدرك الاسفل من الوجود. فلننافس بانتاجات ترقى الى مستوى اخلاقنا وتمهد الطريق لتكوين جيل سوي ومستقبل آمن، كي لا نصل الى مرحلة يصبح فيها الحيوان اغلى قيمة من بني البشر …

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى