قاماتٌ طاولت القمم بقلم وهبي ابو فاعور
صدى وادي التيم – رأي حر بأقلامكم /
الإحتراس واجب، عندما تكتب مؤبناً أو متذكراً قادة وأهل فكر يماثلون الصديق العزيز الحبيب الصادق.
لا يغفر لك المعرفة العميقة لنضاله ولا حفظ شعره وأغاني العزة والكرامة والوطن والعروبة، فهو كالبحر مهما علق بشباكك من صيد يبقى غناه الأوفر والأعمق…
لا بكفي تذكر العلاقة معه سياسةً أوأدباً أو أنساً أو رفعة فكل ذلك عالق في الذهن ومرصوفاً في مكتبة الآلاف من المقدرين لغزارة الإنتاج وصدق النية في تحقيق آمال التطور والتطوير، لذا فلتكن المقاربة بالعدل والقسطاط.
وفيما يزخر الجنوب بالقامات الوطنية التي تركت أجمل الآثار في الأدب والفن والنهضة السياسية يحتل الحبيب المتحدر من خيام العزة والكرامة جارة منحدرات الحولة الفلسطينية تفيض خيراً وكرامة وعروبة حيث تميز الأستاذ الغني بالأصالة بعلاقة أخوة مع المعلّم كمال جنبلاط كان أرقاها ثقة متبادلة ربيع 1972 في معركة الإصلاح، حيث كان يتم التعاطي مع الحبيب مصدراً للموروث الجنوبي الزاخر بالأدب العاملي والمتوثب بحق إلى المشاركة في اعتباره جزءاً من دولة لبنان الكبير 1920 والإندماج في كينونة الدولة بإزالة عقبات الهيمنة والإستكبار وفتح الطريق للحداثة بتزيين بلداته بالمدارس ومناطقه بالمستشفيات ومنحدراته بالطرقات وصروحه بالثقافة والتمدن، وكاد صدى صوته يهز أرجوحة الإقطاع حتى أوشك أن يقتلعها ولكن أخوة الإقطاع والفساد كانت على قدر من السفالة والبطش وحرمت أهل الجنوب من تحقيق أهدافهم في النقلة من وطن المزرعة إلى وطن الأحرار والسيادة،
الحبيب مع ثلاثة من المميزين من ديارنا نالوا ثقة القائد الشهيد كمال جنبلاط وعمروا معه كل في مرحلة أجمل قصور العمارة الفكرية والنضالية كان أولهم الشاعر الخيامي الكبير كامل عبدالحسين العبدالله بدأها بتأليف نشيد الحزب التقدّمي الإشتراكي (هللي للخير يا دنيا الغد ِ— يا هدى التائه يا غيث الصدي).
وأنهاها بزبدةٍ رائعة في أصول التربية الحديثة لأبناء الجيل الجديد في كتابه الرائع (حدّثني يا أبي).
أمّا العلم الثالث فكان المحامي اللامع إسكندر نسيب غبريل وكانت أيقونة نضاله مع المعلّم الشهيد في ثورة 1958 الشعبية ضد الحكم المنحاز إلى حلف بغداد والمعادي الشرس للأفكار العربية التقدمية للزعيم الخالد جمال عبدالناصر والتي أثمرت حكماً رشيداً للبنان مع المصلح اليسوعي اللواء فؤاد شهاب الذي أرسى نظام الشراكة الشعبية ووضع أسس بناء الدولة الحديثة، واستمر الإسكندر في الجهاد مع المعلّم محاضراً ومدافعاً عن حقوق الوطن بما جعله سحراً رائعاً في عقول الناس الأوفياء منذ دورة 1960 الإنتخابية وكان يرعب المنظومة الحاكمة بفرادته وشعارات العدالة والحصانة الشعبية والإلتزام بأفكار وبرامج الحزب التقدّمي الإشتراكي فيسقطوه في النيابة ويتوهج في عقول الناس.
ورابع الميداليات التي نالتها منطقتنا من برنامج المعلّم فكان اللامع جدّاً في القيم والرصانة والأدب والوفاء والمحاماة الأستاذ طارق شهاب الذي بكّر في حمل هم المزارعين والفلاحين في منطقته بإشتراكه في مهرجان بتخنيه الزراعي 26/9/1965 مشاركاً فعالاً مع قادة رأي وممثلي نهضة وطنية مع المعلّم كمال جنبلاط من أمثال د.حسين أبوالحسن والفاضلة السيدة نهاد سعيد ونائب المتن الشمالي اللواء الطيب الذكر جميل لحود إلى القائد الوفي للشعب والوطن محسن إبراهيم.
الرفيق طارق واكب أصعب المراحل النضالية وأخطرها حائزاً على ثقة ومحبة أهل المنبت ومرابع النضال على الساحة الوطنية.
أمّا في العودة إلى الحبيب الصادق فلا بد من التأكيد أن أحداً من الأصدقاء والحلفاء والرفاق صادقاً أو متزلفاً لم يستطع مصادرته في العقل والإرادة والفكر، وكانت محاولات الإفتراء والتهميش تزيده إصراراً على الحفر في الكنز الجنوبي الطافح قوةً وإرادةً وصلابة وتجلى ذلك في موقعين وطنيين عمر أولهما ما يزيد عن الخمسين عاماً وسيبقى وأعني به المجلس الثقافي للبنان الجنوبي أما الثاني فكان 1996 فيما عرف بالحركة الشعبية الديمقراطية التي شكلت حافزاً لتميز اليسار الوطني في زمن الوصاية وتبخر الحريات وضياع الأهداف.
أمّا على الصعيد الوطني فأحدٌ لا ينسى الرائعة الديمقراطية التي أرساها الحبيب مع شلّةٍ من قادة رأي في العمل الوطني على صعيد الساحة السياسية اللبنانية في أحلك الظروف وأسوأ مراحل الإنحدار فيما عرف بالمنبر الديمقراطي، باكورة الجهد الشعبي والوريث الشرعي لحركة كمال جنبلاط وجورج حاوي ومحسن إبراهيم ورفاقهم الوطنية.
تحية لروحك المرحة أيها القائد وثق بأن مدرستك الموغلة في أعماق الناس ستبقى حيّةً ورائدة والعزاء لمجايليك ورفاق دربك الشرفاء الأحرار والرحمة لمن لاقوا ربهم سيما الرفيقين الغاليين سعيد الضاوي وهاني عساف.
الخلود لشجاعتك والمجد لمسيرتك والنصر للأحرار.
بقلم : وهبي أبو فاعور- الأنباء