منظومة الصرامي …بقلم مايا إدمون نهرا

صدى وادي التيم – رأي حر بأقلامكم/
كلما جاء المطر واضطررت ان اسير على الطرقات المبلولة تعود اليّ بقوة “متلازمة الحذاء الآمن”، ربما لأنني انتمي لفترة زمنيّة كنّا نشتري الحذاء ونعرّج بعدها الى أقرب دكّان لنطلب اصبع patex من مبدأ “لا تشتري الحذاء الا والتلزيق معه، ان الأحذية لأنجاس مناكيد”. عندما أرى البعض وقد فهم لغة الماركات، أقول لنفسي كيف لنا أن ننسى ثقافة الصرامي التي نشأنا عليها كيف نتخطى عبارات “فتح تمّه” او “مدّ لسانه” او “انقبع” والتي كانت تعني ان احد اصابعنا قد اصبح خارج منظومة الحذاء وعلينا ان نعود الى البيت ونحن نعرج او نجرّ ارجلنا لنضع الباتكس ونصفّ الحذاء تحت رجل طاولة السفرة ليلصق فيما نتسلى نحن بما تبقى من تلزيق على أصابعنا. أما عبارة “بوظة” او “اجريي مي” فتعني ان المياه قد تسلّلت الى داخل الحذاء وعلينا ان ننتظر حتى نعود الى المنزل لننشر جواربنا تحت الوجاق ولنشعر من جديد بالدفء.
حاولنا مرارا التفنّن لننقذ أقدامنا من البلل قبل ان نخرج في الشتاء من بيوتنا، فارتأينا ان نرتدي أكياسا من النايلون نلف بها أحذيتنا ولكنها كانت تتمزّق بسرعة، فكان لا بد لنا من وضع الكيس داخل الحذاء وفوق الجوارب… المصيبة انه في تلك الأيام وخاصة في القرى لم يكن من الممكن ايجاد اكياس كبيرة تكفي لأعداد أرجلنا، فكان الذي يسبق يقي رجليه من الماء فنكابر ونضحك على خشخشته لننسى بلل أقدامنا.
اتذكّر ذات شتاء جاءت قريبتي الى المدرسة وفي رجلها جزمة “صبّ” متل جزمة الكاوتشوك السوداء الرجالية ولكن مقاسها صغير، كان المنظر صادما لانه عادة الفائزون بالجزامي هم الذين تخطّت مقاسات اقدامهم الأربعين كونها رجالية، ولكي لا نظهر لها غيرتنا وهي تقمّز في برك المياه بدأنا نستهزئ منها “أصلا هي جزمة ورجالية وللفلاحة”، فتبرّر ذلك بقصّة اخترعتها من خيالها وهي ان حذاءها من الجلد والملبس نايلون وهو أجنبي وآخر موضة واشترته من محل فون ايريك- وهو مكان كان مشهورا على يومنا بأحذيته المرتبة والغالية- والذي طرنت على امي اسبوعا كاملا لتأخذني لشراء جزمة الأحلام ولم أجد لها أثر. صراحة عندما درجت موضة الجزامي اللمّيعة مؤخرا كنت أعتقد ان من صمّمها لا بد انه كان يعاني مثلي من متلازمة الحذاء الآمن.
وعقدة الصرامي عندي لها فصول كثيرة، فقد درجت في قريتنا ان يجري تعريبنا حسب مشيتنا حيث كنا انا وبعض من هم في عمري نعاني من الأقدام المسطّحة، وكان لا بد لمن هن في تلك الحالة ان يرتدين حذاء طبيا لم يكن موجودا الا عند “بلعة” في زحلة. أخذتني أمي الى ذلك المكان وعاين متخصص أقدامي وصورها فاذ بها كالمستطيل فهز برأسه وقال لا بد من حذاء طبي ولعدة سنوات. اشترت لي أمي الحذاء وعدنا الى القرية، كان هذا اول حذاء محترم انتعله، ولكن ما لبث ان صغر وضاق بأقدامي، فقد كنت اكبر بوتيرة اسرع من سرعة القدرة على شراء حذاء جديد، لذا كان عليّ لزاما ان اسير بحذاء ضيّق لفترات طويلة فاصبحت أعاني من أقدام مسطحة وأصابع مطعوجة… وكانت تأتينا هبات من الصرامي، وكانت العادة تقضي بأن لا ترفض ايه هبة حتى ولو كانت غير مناسبة فلا بدّ ان يأتي دورها! وحصل مرة انه لم يكن في الهبة ما يناسب مقاس أقدامي الا صندالا من الجلد البني له نحو عشرين بكلة ويصل الى ركبتي وكان علي ان أفكها واقفلها عند ارتدائي له، هذا عدا عن ان شكله غير متناسق مع ثياب اللعب، اتمنى لو أجد صورة له عندما اضطررت لان انتعله واذهب للعب بالحارة وانقبع بشكل كامل ولم يبقى منه الا البكل معلّقة حول ساقي.
وأذكر ان مرة ذهبت أمي الى سوق الخان ووجدت هناك شحاطة اصبع ملونة وجميلة وطبعا رخيصة فأحضرت لي ثلاثة منها، كنت يومها قد أنهيت جامعتي وأقوم بفترة تديب في عدة جامعات، أول مرة لبست شحاطة سوق الخان واستقلّيت الفان بكل ثقة وعندما صلت الى مكن عملي ونزلت من الفان انقبعت الشحاطة وسرت حافية الى أقرب دكان واشتريت لاصق ولفيته حول مكان الاصبع ليثبت وأكمل نهاري…هذه الشحاحيط على كبر كانت أصعب ولبّكتني كثيرا لانني لم اكن املك ترف شراء حذاء جديد أو ترف عدم السير!
وعندما تزوّجت صديقتي كان عليّ ان اشتري صندالا رسميا، أذكر انني كنت اتمختر زوجأة فقدت التوازن لان كعب الصندال فلت، وللأمانة فقد وجدت في علبته جوز كعاب تحسّبا!
الى ان بدأت العمل، عندها حاولت ان اشتري حذاء يوصلني الى مكان العمل واعود فيه الى البيت مرارا وتكرارا وهو صاغ سليم، كنا في الصيف وبعد طول بحث ذهبت الى محل مرتب في الحمرا واشتريت من عنده صندالا جلديا صيفيا حرصت ان يكون مدروزا غير آبهة ببوزه المروّص ولا بلونه ونعله، متلازمة الحذاء الآمن تحرّكت وفعلت.
وتقدّمت بنا الحياة وها نحن فجأة علينا ان ننسى كار الصرامي العتيقة ونتنبّه الى الماركة والموديل والملمس والكعب والبوز واللون. وللأمانة فانا ما زلت وبشكل تلقائي اتفقّد كعب الحذاء لارى ان كان “مقطّب” لأن على وقتنا كان الذي يحظى بحذاء مقطّب جديد او مستعمل يعني شتاؤه بالجنّة، بعدها أحاول ان أقبع الجلد عن الكعب لأرى مدى متانته، مرة كنت بمول كبير عند ماركة مهمة اشتري حذاء صيفيا واتفحّصه فاقترب مني شاب يعمل هناك بعد ان استغرب من تفحّصي عارضا المساعدة فما كان مني الا ان سألته “قولتك بيفوّت مي”!
مايا نهرا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى