سونيا بيروتي ترحلُ قبل أن تطحنَ طواحينُها طائفيّتَنا …بقلم سلام اللحام
صدى وادي التيم – راي حر باقلامكم /
سونيا بيروتي رائدة من بلاد الأرز، شامخة كشموخها، صلبة كسنديانها العتيق الّذي يختزن في أجاجينه على “مدار اللّحظة “حكاية عشق وشغف للعمل الصحفي المُتقن الدّؤوب الّذي ينبذ طواحين الطّائفيّة بأشكالها وألوانها، فيضرب لنا “مواعيد مع البارحة “بكل تجاربه ويتركنا معلّقين على “حبال الهواء” ننتظر نسمة صباحيّة ترافق فنجان قهوتنا. إنّها إعلاميّة لا تشبه إلّا ذاتها، أديبة فذّة استطاعت أن تحفرت اسمها ونهجها الخاص في الصّحافة المكتوبة والإذاعة والتلفزيون، فكانت موضوعاتها جريئة، كتاباتها صريحة، أفكارها واضحة، أسلوبها مباشر كسرت من خلاله صورة المرأة النّمطيّة، خارقةً التّقاليد، مجتازة كل العقبات والمصاعب بجرأتها المعهودة وابتكارها الخارج عن المألوف، فكانت قدوة في مجالها.
مع رحيل سونيا بيروتي تنطوي صفحة مشرقة في عالم الإعلام، حيث كان بيدرها المهنّي مكدّسًا بغلال الثّقافة ونبذ الطّائفيّة وويلاتها، فهل ننسى «فنجان قهوتها» الصّباحيّ عبر أثير إذاعة لبنان، وهل تغيب صورتها عن أذهان ملايين المشاهدين المسحورين بإطلالتها الفريدة وحضورها الرّاقي؟
إنّها صاحبة القلم الجريء، الحرّ، اللّاذع، الّذي أضاءت من خلاله على قضايا المرأة خصوصًا والمجتمع عمومًا، حررت المقالات والتحقيقات في الصُّحف والمجلّات على امتداد عقود، تبوّأت خلالها العديد من مراكز المسؤوليّة الإعلاميّة، وجسدت نضوج تجربتها واختمارها بجرأة واقتحاميّة وابتكار وشجاعة.
بتاريخ 12أيّار2015 كرّمت إذاعة صوت لبنان سونيا بيروتي، وقدّمت لها درعًا تكريميًّا عربون محبة وتقدير، وكان لي شرف محاورتها وإعداد حلقة السّجل الّذهبيّ عنها ولها ومعها كوني كنت مذيعة في صوت لبنان في تلك الفترة. فكان الّلقاء شيّقًا مثمرًا لسيّدة تستحق كل تكريم لجهودها وعطائها. خلال الحلقة أذكرُ أنّ بيروتي” تحدثت عن محطات مشرقة في حياتها المهنيّة وتجربتها في الإعلام المرئي المسموع والمكتوب، وأكدت أنّها دخلت صدفةً في هذا المجال بعد أن كانت معلمة تاريخ. معتبرةً أنّ الصّحافي يتميّز بحسّ المسؤوليّة والأمانة والجهد المتواصل ومواكبة الأحداث والتّطورات. ولدى سؤالها عن كتابها “مطاحن الطائفيّة” الذي صدر في العام 2009 أجابت أنّها ضدّ كلّ أشكال العنف ونبذ الطائفيّة، معلنة مناصرتها المرأة في نضالها وحقها في إعطاء الجنسيّة لأبنائها.
وخلال البرنامج كانت شهادات من أدباء وأهل الصّحافة أبرزهم : الكاتبة إميلي نصرالله، الصحافيّة مي منسى، الوزير السّابق الفضل شلق والأستاذ وائل خير، ومدير تحرير صحيفة الأنوار الأستاذ فؤاد دعبول، الصّحافية فاطمة حوحو، أما رفيق الدّرب المخرج سيمون أسمر فهنّأ “بيروتي” على سجلها الذهبيّ مسترجعًا أحلى الذّكريات في برنامج “ستديو الفنّ “والجدل الذي أُثير حول إطلالتها قائلاً: ” سونيا إنت كنت البرنامج”، وكانت أيضًا محطة مع مصممة الكوريغرافيا وأستاذة الباليه جورجيت جبارة الّتي أثنت على الصّداقة المتينة بينهما.
سونيا بيروتي يا وجهًا مضيئّا لوّنَ عتمة أيّامنا، يا صوتًا دافئًا رافق صباحاتنا مع فنجان قهوة على مدار الّلحظة لأكثر من خمسة وعشرين عامًا، تركتِ لنا فيها مواعيد مع البارحة والعشق والشّغف ، سنعترف لك سيّدتي الفاضلة أنّنا لا نزال حتّى الآن في لبنان معلّقين على حبال الهواء بانقساماتنا وأهوائنا وفجورنا وويلاتنا ، وكم نحنُ بحاجة ماسّة لك ولأمثالك كي تطحنَ طواحينُك طائفيّتَنا.