الانتخابات وجرس الانذار للكتائب… بقلم بيار عطاالله

صدى وادي التيم – رأي حر بأقلامكم :
قرأت ان رئيس حزب الكتائب اللبنانية النائب سامي الجميل يقوم بعملية اعادة تقييم شاملة لما جرى في الانتخابات النيابية الاخيرة، وخصوصاً في قضاء المتن حيث تمكن مرشح حزب “القوات اللبنانية” ملحم رياشي من الفوز حاصداً مجموع اصوات فاقت اصوات النائبين الكتائبيين سامي الجميل والياس حنكش…
الخبر عادي بالنسبة للبعض في إطار مقاربة مرحلة ما بعد الانتخابات بالنسبة الى اي حزب أو مؤسسة، ومثير للبعض الاخر ممن يجدون فيه سبباً للتشفي والتنمر على الكتائب ورئيسها الذي تسلم قيادة الحزب ورئاسته على قاعدة “تحديث” الحزب والانطلاق به نحو مستقبل افضل، وهذا كان رهان “مفكر الحزب وعقله” الاستاذ جوزف ابو خليل رحمه الله والذي ردده امامي مرات كثيرة متحدثاً بصوت عال عن آماله بالشاب الصاعد سامي الجميل. والامر لم يكن حكراً على ابو خليل فحسب، بل على كثيرين من الناشطين والكتاب والمفكرين المقربين من الكتائب وسامي الجميل ومنهم على سبيل المثال لا الحصر الزميل العزيز والمعني جداً بـ”القضية” عنيت أيلي الحاج الذي توسم الخير في انطلاقة الابن الاصغر للرئيس الجميل، وكان يراهن ايضاً على كلام سامي الجميل عن تطوير العمل الحزبي وتوسيع آفاق الكتائب ورؤيتها وعلاقتها مع القوى الاخرى ومع “القضية اللبنانية ككل”. لكن نتائج الانتخابات في بيروت وكسروان وزحلة والمتن تحديداً جاءت مخيبة للامال على ما يبدو، رغم انها كانت معروفة سلفاً لمن يعرف شؤون الحزب والمسار التراجعي الذي تعانيه المؤسسة الحزبية الكتائبية منذ استشهاد بيار امين الجميل ذلك الشاب المندفع الذي اعاد احياء الحزب وشعبيته في غضون فترة قصيرة جداً بفضل حضوره وتواصله مع جماهير الحزب في شكل شبه يومي، وإحاطة نفسه بفريق عمل ديناميكي وفاعل من قدامى المحازبين المحنكين الى جانب الشباب الجدد ومن كل الاعمار.
عندما تتراجع شعبية الكتائب في المتن (عرين الكتائب) فذلك يعني وجود مشكلة كبيرة في العمل الحزبي وفي طريقة اداء الكتائب بدءاً من القيادة الى اخر خلية طالبية في ثانويات ومدارس تلك الناحية. والمشكلة ليست في تقدم حزب “القوات” باصواته على اصوات الكتائب، بل في عدم الاقرار بوجود مشكلة وتجاهلها ونكرانها.
كنا نقوم في “حركة الارض” يوماً بزيارة العماد ميشال عون في منزله في الرابية قبل ان يصبح رئيساً، وعرض عليه رئيس بلدية القاع “القواتي” الرفيق بشير مطر مشكلة ما، فما كان من عون إلا ان امسك الهاتف وطلب من مساعده الاتصال بمسؤول القاع في “التيار الوطني الحر” مسمياً اياه بالاسم للتحدث اليه ومعالجة المشكلة. في المقابل هل يعرف سامي الجميل أسم رئيس قسم المعلقة او الدامور او راس بعلبك و صغبين او القليعة او كوكبا او رميش و الرميلة ؟ لا ادري ! والأمر يحزنني جدا، وما يحزنني أكثر هو تفشي روحية الولاء للزعيم على حساب القضية النضالية بكل موجباتها….
حصد حزب “القوات” اكثرية اصوات المتن ونجح بالفوز بمقعدين وكاد ان يحصل على الثالث لأن سمير جعجع قام ببناء مؤسسة حزبية وهرمية ولأنه يتابع الامور بشكل دقيق وتفصيلي في غالبية المناطق (رغم الملاحظات والسلبيات على مسار حزب القوات والتي ليست موضوع بحثنا)، وانا اعرف ذلك من خلال متابعتي لأمور المسيحيين وشؤونهم وشجونهم لا في الجنوب فحسب بل في كل المناطق. وفي المقابل لا اريد ان اكتب عما يرويه لي الرفاق الكتائبيين عن اهمال القيادة لهم وعدم اهتمامها بشؤونهم، سواء اكانوا في المناطق البعيدة نسبياً او في قلب جبل لبنان. وعلى طريقة “من يزرع الريح يحصد العاصفة” فإن نتيجة الانتخابات النيابية الاخيرة والفوز بأربعة مقاعد في مجلس النواب ما كانت لتتحق لولا الرصيد الهائل للرئيس الشهيد بشير الجميل في بيروت الاولى، ورصيد الكتائب التاريخي في المتن، وجهود سليم الصايغ ولباقته وتحالفاته الواسعة في كسروان. لكن كل ذلك لا يمكن البناء عليه في السعي نحو استعادة الكتائب لدورها والانطلاق نحو الحداثة التي تحتاج الى عمل اداري عامودي وجهد استثنائي افقي وشامل على مستوى القوى الشعبية في حزب يضم المئات من الاقسام الحزبية الموزعة على كل انحاء لبنان ويمتلك الامكانات المادية والكوادر البشرية المؤهلة والتي تم استبعادها عن سابق تصور وتصميم والاسماء بالالاف دون مبالغة وعلى رأسهم فؤاد ابو ناضر . ومسالة استعادة الحزب لحضوره سهلة نظراً الى الرصيد الجيد الذي راكمه الحزب في مسار المعارضة والانفتاح على القوى والهيئات والجهات السياسية والاجتماعية الاخرى من اليساريين والتغييريين والمستقلين، لكن ذلك لا ينفي العمل على بناء الراي العام المؤيد والملتزم, الى جانب العمل على مد جسور التعاون مع القوى السيادية وفي مقدمها احزاب القوات والاحرار وغيرها
اختارت الكتائب مجموعة من الامناء العامين في السنوات الاخيرة في سعيها الى معالجة الثغرات في عملها، وكان ابرزهم الشهيد نزار نجاريان رحمه الله، الآتي من تجربة ناجحة في ادارة شركات القطاع الخاص وتاريخ طويل من العمل العسكري القتالي والحزبي في الكتائب والمؤسسة العسكرية لـ القوات اللبنانية. وشكل نجاريان حالة خاصة وتفاعل مع كل الكتائبيين وزار كل المناطق وخصوصاً اقاليم الجنوب التي اولاها عنايته واهتمامه. كما التقى من جمدوا نشاطهم او قدموا استقالتهم وهم بالالاف واستمع الى قسم منهم وحاورهم، وفي لقائي الاخير معه كان واضحاً جداً في مشاطرتي همومه كرفاق سلاح ومناقشة سلبيات التجربة التي يخوضها وايجابياتها واكتفي بذلك احتراماً لذكراه، ووعد بمعالجة الامور لكن الشهادة كانت نصيبه ولم يتسنى له تنفيذ ما اراد وانا واثق انه لو كان لا يزال حياً لكانت الكتائب على نهج وسيرة اخرى لكن احكام الله هي غير احكام البشر.
دفع حزب الكتائب ثمن السياسات الخاطئة التي قامت بها قيادته في ظل الاحتلال السوري، واغلب الظن انها اقدمت على ذلك تحت وقع التهديد والترغيب، لكن الحزب عاد لينتعش مع بيار الجميل ليعود ويكبو بإستشهاده. والآمال العراض التي وضعها جوزف ابو خليل في سامي الجميل يجب ان تجد تطبيقها في مسار الحزب نحو المستقبل، ولا مجال ابداً في عالمنا للجمع ما بين الشخصانية ومبدأ تأليه الزعيم والنجاح في العمل الحزبي المؤسساتي، الذي يفترض بناء مؤسسات وانتخابات حزبية صحيحة واحترام التراتبية والنظام الداخلي والانظمة المرعية الاجراء مع تواصل شبه يومي مع القاعدة الشعبية الواسعة. ولتكن نتائج الانتخابات الاخيرة جرس انذار لكل المعنيين في حزب الكتائب ان الراي العام لا يهمل ولا يمهل بل ينتظر افعالاً واعمالاً لتصحيح الامور.
مدونة بيار عطالله

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى