إلى زاهي، ريّان و إميلي نصرلله
هلا نجاد – الكفير
إلى زاهي، ريّان و إميلي نصرلله
كنت قد قرأت يوماً عن انه لو لم يكن هناك موت لما كانت النتيجة؟
لكان الانسان لا يخاف من شيئ ، يفعل ما يشاء، لا يهاب
دين و لا دنيا و لا آخرة.
الانسان مهما علا شأنه و كثر غروره، وزادت عنده “الأنا” يبقى دائما خائفا من تلك الساعة التي قد يختاره القدر فيها ليصبح من الراحلين.
لأن الموت حق لا بد من تحقيقه و كأس سيشربه الجميع مهما تفارقت أعمارهم و مقاماتهم و اختلفت أعراقهم و تعددت لغاتهم، ودرب محتم الكل عليه سيسير.
يحكى ان الاسكندر المقدوني الملك الذي ملك مشارق الأرض ومغاربها حين ادركته المنية أدرك حينها أن انتصاراته وجيشه الجرار وسيفه البتار وجميع ماملك سوف تذهب أدراج الرياح ولن تبقى معه أكثر مما بقت، حينها جمع حاشيته وأقرب المقربين إليه ، ودعا قائد جيشه وأمره بأن لا يبنى أي نصب تذكاري على قبره بل طلب أن يكون قبره عادياً ، فقط أن تظهر يداه للخارج حتى إذا مر بقبره أحد يرى كيف أن الذي ملك المشرق والمغرب، خرج من الدنيا خالي اليدين ولم يبقى منه سوى ذكرى أعماله وأفعاله.
عام بالتمام على رحيل زاهي : شاب ذهب قبل ان يتم اعوامه التسعة عشر ، رحل بعد صراع مع مرض عضال أهلك قواه وأضعف كاهله، هو الذي كان كإسمه زاهياً مميزاً يرسم الضحكة لكل من رآه و يعبق بالحب و الحياة و الفرح. رحل زاهي دون ان يخبر احد كم المعاناة الذي عاشها وهو يتألم من ألم المرض وألم الأمل .
بعد مضي تسعة أشهر لحق ريان ب زاهي: ذاك الشاب الخلوق الذي كان دوما مستعجل على الحياة، قضى ريان بحادث سيارة في جدة في المملكة العربية السعودية؛ رحل بذكرى وفاة أبيه الرابعة وكأنه يقول : “ها أبي اشتقتك كثيراً، وعدت اليك عند موعد الرحيل”. ريان الشاب الطموح الذي انهى دراسته الجامعية في هندسة الاتصالات غرّد خارج سرب الوطن طمعاً بعملٍ بمستوى مهاراته، ولكن الموت كان أطمع فسرقه من حضن أم مفجوعة كفكفت بالأمس دموع الزوج الحبيب ومن بين أخوة كانوا ينتظروه ليزفوه عريساً مع زغرودة و فرحة فزفوه عريساً مع دمعة و حسرة.
وقبل أن يكتمل العام رحلت عنا و عن وطن الأدب الراحلة الأديبة املي نصرالله بعد صراع مع مرض عضال عن عمر يناهز ال٨٦ عاماً، تلك الأديبة الجنوبية التي غردت خارج سرب الكفير و حرمون نحو المدينة جسداً، ولكنها حاكت بنول حبرها روايات محبوكة بمشاعر انسانية سامية،طرزتها املي نصرالله من ذكرياتها في ضيعتها الكفير وكأنها بقت هناك في بيتها المتواضع عند التون،جالسة عند المصطبة تنثر أدبها على طرقات طفولتنا لننثر و نغرف.
و رحل غيرهم كثر، وبكت الضيعة على كثر رقدوا تحت السنديانات هناك، سمعتُ عويل النسوة وهن يرددن مزايا الراحلين، وتفاجئت بهذا الكم الهائل من المحبة والدموع التي تنهمر في المآتم، تذكرت حينها جبران حين قال:”المحبة لا تعرف عمقها الا ساعة الفراق”.
نحن نحب بعض ولكن لا نعترف بذلك، نكن الحب والكراهية، البغض والأنانية ولا نسامح، لو فكر كل منا بأقوال الرسل والديانات السماوية التي نتمسك بها ونمارس حروب الغاء لبقائها لما حمل في داخله مثقال ذرة كره او حقد او انانية
أما قال السيد المسيح ع :”أحبوا بعضكم كما أحببتكم”.
وقوله تعالى: {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي} (طه: 39) وقال: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَـنُ وُدّاً} (مريم: 96)
خلاصة الكلام، حياتنا قصيرة دعونا لا نمضيها حقداً و حرباً وإهانة لبعضنا البعض، فلنزيل الدال من الحقد ونساعد ان يأخذ كل ذي حق حقه، ونلغي الراء ليعم الحب بين الجميع ولنستبدل الهاء بالميم حتى تطغى الأمانة على حياتنا و لنعش بسلام و أمان واطمئنان.