انقطاع الكهرباء يغيّر أسلوب طعام اللبنانيين.. واللحم يختفي من الطبخات
صدى وادي التيم – لبنانيات /
تبدل أسلوب الغذاء اليومي لدى اللبنانيين في ظل انقطاع التيار الكهربائي، لفترات طويلة. فقاموا بإجراءات طارئة على مطابخهم وثلاجاتهم وحتى على شهيتهم المفتوحة. ففي ظل عدم توفر الكهرباء، في طقس حار، دخلت تغييرات على طريقة عيش مرفهة كانوا يمارسونها في الماضي القريب. فاستغنوا عن الأطباق المحضّرة مع اللحوم على أنواعها. كما راحوا يفكرون في تدبّر «كل يوم بيومه»، عند رغبتهم في شراء مشتقات الحليب من جبن ولبنة وغيرها.
فالثلاجة أصبحت شبيهة بخزانة يحتفظون فيها بالصحون الفارغة، أو بكميات قليلة من الزعتر مع زيت الزيتون. وإذا ما خطر على بالهم تحضير طبق طعام يمكن أن يتناولوه ليومين متتاليين، فعليهم أن يستعينوا بلائحة «طبخات ستي». وهذه اللائحة تتألف عادة من أطباق ترتكز على الطعام المحضّر مع الزيت كمكوّن أساسي. وبذلك غابت أطباق الملوخية مع اللحم والدجاج مع الأرز والمغربية وغيرها، لتحل مكانها أكلات المجدرة والمدردرة (تصنع من العدس والأرز) والفاصولياء المتبلة والبرغل بالزيت، وغيرها. بعض الأشخاص عمدوا إلى إدخال مكونات طعام جديدة لم تخطر على بالهم من قبل، ودائماً تبعاً للائحة المذكورة. فهم أضافوا إلى مونتهم الكشك والبرغل الأبيض ونوع الفاصولياء «عايشة خانم» الطازجة. فهذه المكونات تعيش مدة أطول، من دون وضعها في الثلاجة ليوم أو أكثر إذا ما تم خلطها مع زيت الزيتون للحفاظ على سلامتها بعد سلقها أو طبخها. وبدل اللبنة التي ما عادت متوفرة طازجة في المحال؛ لأن هذه الأماكن تعاني بدورها من انقطاع التيار فقد تم استبدالها بالكشك. في حين الحبوب من لوبياء وفاصولياء خضراء، وكذلك الخضراوات من كوسى وباذنجان، فقد احتلت المساحة الأكبر من مائدة اللبناني. فهي لا تتطلب وقتاً طويلاً لطهيها في ظل ندرة توفر مادة الغاز. كما أنه يليق تقديم الأرز إلى جانبها مما يؤلف طبقاً كامل الغذاء.
وتقول نائلة التي فرّغت ثلاجتها من كل أنواع اللحوم بعد أن غدر بها التيار الكهربائي وغاب عن منزلها لـ24 ساعة متتالية «لقد صدمت بحالة الأغراض التي كنت أحتفظ بها في الـ(فريزر) أي في الطبقة العليا الأكثر برودة في ثلاجتي. جميعها كانت تفوح منها رائحة كريهة، فاضطررت إلى أن أرميها في مكب النفايات من دون أسف. فإن أصاب بحالة تسمم أنا أو أحد أولادي، لهو أمر خطير جداً، خاصة في لبنان حيث نفتقد عدداً كبيراً من الأدوية».
بعض ربات المنازل اللاتي كن يتسوقن مرة في الأسبوع ويشترين الأسماك ولحم الدجاج والبقر، كي يكون بمتناول يدهن في كل مرة قررن تحضير طبق ما، استغنين تماماً عن هذه العادة. وتشير ليلى لـ«الشرق الأوسط»، «لقد صرت أنزل السوق يومياً وأشتري حاجتي من لحوم بالغرامات. أطبخ الطبق كي يكفي عدد أفراد عائلتي الأربعة لا أكثر ولا أقل».
وفي ظل الخيارات الضيقة المتوفرة لدى اللبناني في هذه الأحوال المتردية، كان لا بد أيضاً من الاستغناء عن خدمة طعام الديلفري. وتقول مارلين، إحدى السيدات التي التقيناها في السوبر ماركت «من هنا أشتري أصغر قالب جبنة ومعه 100 غرام من اللبنة. لقد تخليت تماماً عن التبضع بكميات كبيرة، وكذلك عن خدمة الديلفري. فالمطاعم أيضاً تعاني من أزمة انقطاع التيار الكهربائي، فلماذا أخاطر بصحتي؟».
انقلب أسلوب العيش عند اللبناني رأساً على عقب، وهو بات لا يثق في شراء أي شيء من المحال والدكاكين التجارية. فما يعانون منه في ظل إيقاف المولدات الكهربائية وعدم توفر مادة المازوت لدورانها، يعاني منه أيضاً أصحاب المحال والتعاونيات الكبرى. حتى أن بعض تلك المتاجر الصغيرة أقفلت أبوابها، أو اكتفت ببيع المعلبات ومساحيق الجلي والغسيل. الجزارون بدورهم اتبعوا دواماً جديداً للبيع. فاختاروا أياماً محددة، في الأسبوع لبيع اللحوم. ويقول الجزار جان «كل عملنا يتعلق بتأمين التيار الكهربائي. وجميع الخدمات التي كنا نقدمها في السابق لربات البيوت من (كبة مدقوقة) ولحمة مفرومة توقفت. واختصرنا الدوام ليكون من التاسعة صباحاً لغاية الظهر. فبعد الظهر تتوقف المولدات الكهرباء في الأحياء عن العمل، وصرنا نداوم فقط يومي الثلاثاء والسبت؛ كي نؤمّن كمية قليلة من اللحوم لزبائننا الذين قلّ عددهم بدورهم».
وتحاول بعض النساء تدبر أمرهن في حين لو اكتشفن بقايا طعام عندهن. بينهن من تحول كمية الحليب التي اشترتها من القرية إلى جبن. وأخريات تتخلصن من كمية من اللحم المفروم من خلال قليه مع قطعة دهن على طريقة القاورما (لحم مقدد)؛ إذ يمكن الاحتفاظ بها خارج الثلاجة. في حين لجأت بعضهن إلى تحضير أنواع مخللات كوكتيل تتألف من بقايا خضراوات وجدتها عندها كاللوبياء والجزر والقرنبيط والملفوف، وغيرها.
الحاجة أم الاختراع قول ينطبق اليوم على ربات المنازل في لبنان. فهن أيضاً فقدن شهيتهن على تناول الطعام، في ظل عدم توفر ما يحبونه من أطباق تعودن عليها. وتختم فريدة «لقد أصبت بحالة تسمم من جراء تناولي طبق الكفتة الجاهز من أحد المطاعم. ومنذ ذلك الوقت بت لا آكل ولا أشرب، إلا قليلاً؛ إذ نفرت من مختلف أنواع الطعام حتى إشعار آخر».
فيفيان حداد – الشرق الاوسط