عن مؤرخ النبطية علي حسين مزرعاني ..كتب لطفي فران
صدى وادي التيم – رأي حر بأقلامكم/
كتب لطفي فران عن مؤرخ النبطية علي حسين مزرعاني ما يلي :
لطالما كانت الصورة تساوي ألف كلمة…..
(كم من منزل في الأرض يألفه الفتى ….. وحنـينـه أبـداً لأول منـزل)
انقطعت زياراتي إلى النبطية لفترة جاوزت خمس عشرة سنة، عند عودتي قمت بجولة “التنقل بالتذكر واختبار الذاكرة” في أرجائها، لأن المعالم العمرانية تتغير عبر العقود، تندثر وتنمحي أو يتم هدمها، وفي ذلك دلالة للتطور والنهضة العمرانية. مما لاشك فيه بأن الأحداث لعبت دورها العشوائي السلبي، لكن العتب لا نفع منه، فالأوضاع العامة في جميع انحاء لبنان ما زالت في حالة عدم الإستقرار والأسباب متعددة، لا أحد يَدّعِي الكمال في التصرف، فالكل عنده هفوات وأخطاء، لأن الظروف والأحداث المحيطة تجذب إلى الهفوة، والتغاضي والتساهل في الكثير من الأمور، وكل أرض عزيزة على أهلها وسكانها، فإذا أحببت أرضي يكون ذلك اعترافاً صارخاً مني لمحبتي أرض غيري، وما كل منزل قديم هو من التراث، ولكن كل شبر من الأرض له محبُّوه، إن جعلنا منه قميص عثمان نحمله على أكتافنا، صار تجنياً على محبة الغير لشبر أرضه، والفرد منا ليس وحيداً في مجتمعه، له ما له وعليه ما عليه، شريطة أن لايصيبه الغرور ويجعل من نقصه في ذلك التبخيس لما يحبه غيره..
في غربتي أتابع ما يجري في وطني وبلدتي، وعندما ينتابني الحنين أجلس خلف نافذتي، تسرح مخيلتي وتطفو ذاكرتي بشتى الأمور، وكم من مرة كنت ألجاء فيها إلى تصفح مجلد الأخ العزيز علي مزرعاني ( النبطية ذاكرة المكان والعمران)، كلما امسكت المجلد بين يدي، استعيد قراءة فقرة صارت عندي كاللازمة، وما كتبه في مقدمة التعريف الأستاذ المهندس رهيف فياض: (تُحفّـزُ الناس على الكلام وإعطاء ما استقر في وجدانهم من ذكريات، تسأل عن البيوت والمطارح، عن الناس عن التواريخ والسِيَر، تزور المقابر لتتأكد من تاريخ الولادة أو الوفاة، تبحث عن الصور المنسية في الأدراج أو في الأقبية أو في الصناديق، تنفض عنها الغبار وتعيدها إلى مكانها الطبيعي، تحاول أن تستنطق وتتصل بالأبناء والأحفاد، في مسعى لِلَمّ شمل العائلات المتفرقة بين لبنان والمهاجر، تحاول جمع ذاكرة البيوت والعمران، وتُركّب هذه الذاكرة من جديد، فتجمع الأضداد وتقرّب المسافات، تحاول وصل ما انقطع من العادات والتقاليد، في ظل هذه المدنِيّة المتوحشة التي زرعها الغرب فينا، محاولاً طمس هويتنا ولصق هوية جديدة في أجيالنا، لا طعم لها ولا لون، لإبعَادنا عن تراثنا وجعْلِنا أدوات في آلته المادية)….
ألف تحية من القلب، مع فائق التقدير، أتوجه إلى الأستاذ المهندس رهيف فياض، فتلك اللازمة التي ذكرتها، أزالت عن كاهلي عبء الإثبات والتوصيف بزخمِ صوابٍ،”لربما أعجزعنه”، بما قلته للأخ العزيز علي مزرعاني: المؤرخ، الموثق بالصورة، المبدع بجدارة وعزيمة لاتعرف الكلل والملل.
لكل زمان رجاله المبدعين بما يقومون به من إنتاج ثقافي وأدبي وتأريخ موثق مدعوم بإثبات البينة الواضحة أو المرئية، علي حسين مزرعاني لاريب بأنه منهم، في خضم التهجير من بلدة إلى أخرى، كانت ولادته عام 1963 في جديدة المتن بعد أن تهجرت عائلته من مقرها الأساسي بلدة دير سريان في عام 1949 والأسباب معروفة، تنقل والده من يحمر إلى ضواحي بيروت وبعدها إلى المنصورية، وبعد زواجه من ابنة خاله إلى جديدة المتن وفيها ولد علي، وبعدها رجعت العائلة إلى دير سريان، والده حسين مزرعاني مناضل مكافح يسعى للقمة عيشه بكرامة ونخوة، كان يعمل في الأفران، انتقل إلى النبطية بعدها، وطفولة علي مزرعاني كانت ظروفها قاسية، لكنه كان شغوفاً بالدراسة و المطالعة، في المرحلة الإبتدائية كان في مدرسة الزهراء في النبطية.
عام 1976 تعرضت النبطية لعدوان صهيوني متكرر قصف مدفعي وقصف جوي، اقفلت المدارس، وهاجر العديد من أهالي النبطية وتوقف والده عن العمل. المناضل المكافح العقائدي حسين مزرعاني اتخذ ركناً بزاوية مدخل سوق النبطية ومارس مهنة بيع السجائر، وابنه علي كان يسانده في عمله الجديد، توترت الأوضاع في النبطية عندما اشتد القصف الصهيوني اليومي المركز عام 1978، تدمرت بعض النواحي في البلدة وتكاثرت الهجرة منها إلى البلدات المجاورة، و طيلة تلك الفترة كان علي مزرعاني يكتب تفاصيل ما يحدث يومياً في النبطية، أهداه خاله أول كاميرا تصوير ومن هنا كانت بداية شغفه لتوثيق الأحدات اليومية بالكتابة والصورة…
عام 1983 تجند الشاب في الجيش اللبناني وكان مركزه في ثكنة صيدا بعد تدربه في بيروت وتأهيله لمهمة مراسل عسكري بما يتناسب مع طموحاته ومقدرته المميزة بين اترابه، أيام عصيبة مرت على الجنوب اللبناني بأكمله إجتياح وقصف وعناقيد العضب، وانسحاب صهيوني، وإعادة إنتشار الجيش اللبناني، بالرغم من تلك الأحداث المرعبة كتب علي مزرعاني كتابه الأول:
” النبطية في الذاكرة 1860ـ 1999″ وفيه توثيق بالصورة بما يزيد عن مئات الصور، وتفاعلت رغبته بالبحث عن منازل النبطية القديمة والتراثية منها وتبلورت تلك الرغبة إلى توثيق كتاب آخر” النبطية المكان والعمران”، علي مزرعاني ابن النبطية قلباً وقالباً.
في عمله في الخدمة العسكرية في مديرية الإعلام والتوجيه، كان يواكب الأحداث على الحدود الجنوبية الفاصلة ويدلي بما يحدث موثقاً بالكلمة والصورة، وكانت همته الرفيعة تزخر بالعطاء بداخل المؤسسة العسكرية، كان ينشر توثيق نشاطاتها وساهم في العديد من توثيقاتها.
ابن جبل عامل انتج مجلداً موثقاً ” فهرست جبل عامل” يضم بين دفتيه ما كُتب عن جبل عامل في الكتب التاريخية القديمة وما كان يصدر في الصحف عن نشاطات ابناء جبل عامل الأدبية والفكرية، خاتمة خدمته العسكرية كانت تحية وفاء لذكرى ثلاث وثلاثين عاماَ في الخدمة العسكرية، قدم للمؤوسسة كتاب “الإعلام والتوجيه في الجيش اللبناني 1942- 2016″، وانهى خدمته العسكرية، مؤهل أول ( صف ضابط)..
حائر أنا في تسمية لقب يستحقه علي مزرعاني، ما بين “غوغل جبل عامل” أو “بونفيس الجنوبي”، قمت بمكالمته على الهاتف وطلبت منه صورة شخصية له يحبها فارسل لي صورة مركبة “علي حسين مزرعاني مؤرخ النبطية”…………
في الحقيقة مع كامل قناعتي، أنه مؤرخ النبطية، لأنه قام بتوثيق الخفايا من الخبايا
( ملاحظة أرغب لفت النظر إليها، بأن صفحات الفيس بوك لا تختزن “نسبياً” في ذاكرتها ما يختزنه علي مزرعاني في ذاكرته و خزنة ودائعه)………….