فرنسا وتركيا والملفات الإقليمية نقاط تحليلية جيوسياسية لمزيد من التعمق في الإحتدام الفرنسي-التركي بقلم ميشال جبور
صدى وادي التيم – رأي حر بأقلامكم
إلى الآن الكيمياء مفقودة بين فرنسا وتركيا، وذلك بسبب الأزمة التركية-اليونانية فالملف بات ملحاً إنهاؤه والقمة الأوروبية باتت قريبة وعليه فإن هذه القمة ستحدد علاقة الإتحاد الأوروبي بتركيا.
*الملف الخلافي هو مطالبة تركيا بحق استغلال النفط والغاز في منطقة بحرية متنازع عليها بينها وبين اليونان.
*فرنسا تدعم اليونان وقد أبدت دعمها عبر نشر سفن حربية وطائرات مقاتلة وهو ما لم يعجب إردوغان الذي هو بدوره انتهج نفس الإسلوب.
*التشابك التركي-الفرنسي في مناطق عدة أهمها شرق المتوسط وليبيا دفع بفرنسا التهديد بفرض عقوبات على أنقرة،وكذلك يجدر الذكر أن اليونان وقعت اتفاقيات لترسيم الحدود البحرية مع مصر مما سيعقد الأمور أكثر على تركيا.
*إردوغان صّعد بوجه ماكرون وحذره من أنه سيواجه مشاكل شخصية معه، في حين أن ماكرون قد دخل على الواجهة السورية من باب الثناء على قادة الوحدات الكردية المسلحة وهذا ما أزعج إردوغان إلى حد كبير.
*في السياسة الداخلية، فرنسا تضيّق الخناق على الأتراك الذين يعيشون على أراضيها بسبب مواقفهم المؤيدة لإردوغان حيث تعتبر الإدارة الفرنسية أن علاقة حزب العدالة والتنمية بالإخوان المسلمين مقلقة نظراً للعداوة التي تظهرها تركيا تجاه مصر والإمارات والسعودية، كما أبدى المسؤولون الفرنسيون إنزعاجهم من إرسال تركيا المدرّسين لتعليم الأطفال الأتراك لديها.
*التنافس التركي-الفرنسي على الملفات الدولية والإقليمية يعود إلى ما قبل ولاية ماكرون، فعندما انهار نظام معمر القذافي بدأ السباق التركي-الفرنسي بزيارة فجائية لنيكولا ساركوزي قبل أن يسبقه إردوغان،وبعد انفجار بيروت عاجل ماكرون وباغت إردوغان بزيارة فجائية للبنان قبل أن يحظى الأخير بفرصة ليرسل نائبه فؤاد اقطاي ووزير خارجيته مولود أوغلو إلى بيروت.
*طبعاً التخوف أن يتحول لبنان إلى ساحة صراع تركي-فرنسي وملعباً للفتن المتنقلة، والخوف أيضاً يصب في خلق بؤرة جديدة للصراع الإقليمي في حال انتقال النشاط التجاري والإقتصادي من مرفأ بيروت إلى مرفأ طرابلس.
*اذاً فرنسا الأم الحنون عادت إلى احتضان لبنان عبر خارطتها للإنقاذ خوفاً من التقاط تركيا للبنان عبر بوابة الفقر والعوز والإسلام الإخواني السياسي. فرنسا لديها مخزون عاطفي وثقافي واجتماعي ولغوي في لبنان وهي تنظر بعين الريبة إلى مطامع إردوغان في المنطقة برمتها، انطلاقاً من ليبيا مروراً باليونان وصولاً إلى لبنان.
*فرنسا تخشى التمدد الإخواني على الجاليات المسلمة على أراضيها مما يؤدي إلى استنهاض أفكار التطرف والإرهاب، وهذا ينعكس على مواقعها التاريخية في مناطق جنوب المتوسط وبالتالي هي تشعر بأنها مطوقة وهذا ما يفسر هروع فرنسا إلى لبنان،فالتقارير الفرنسية تشير إلى سعي تركيا لتجنيس أكثر من ٥٠ ألف لبناني بينهم ١٧ ألف تركماني.
ما يقلق أيضاً هو توغل التصريحات التركية في الشؤون الداخلية للبنان، فتركيا تعرض خدماتها مثل ميناء “مرسين” ريثما يصطلح وضع مرفأ بيروت، ولا ينسى أحد تصريح رئيس الحكومة التركي الأسبق أحمد داوود أوغلو حين قال أنه ” *حيث يرفرف علم فرنسي ستجدون قبالته علماً تركياً”.
*تعتبر تركيا أن التواجد الفرنسي في أي منطقة هو مناهض لها فكيف إذاً بلبنان.
*وقد يتفاقم الخلاف التركي-الفرنسي ويظهر احتداماً على الساحة اللبنانية في حال صدقت بعض المعلومات التي تقول أن الإدارة الأميركية تدرس الإستغناء عن قاعدة إنجرليك والإستعاضة عنها بقاعدة في اليونان تكون مقراً جديداً ل٥٠ رأساً نووياً.
*لبنان يمثل جزء من الخاصرة السورية لتركيا،وسياستها التوسعية الطموحة ستصطدم بالمجال الحيوي الفرنسي في لبنان خاصة مع كل الإشارات التي توحي بأن لبنان عاد ليكون قاعدة فرنسية في الشرق الأوسط وقد أتت وزيرة الجيوش الفرنسية بنفسها لكي تشرف على الملف الفرنسي-اللبناني بعد رئيس بلادها ماكرون.
*الدبلوماسية الفرنسية التي اتخذت شكل الضغط على كل الأطراف السياسية في لبنان بعد انفجار بيروت لتشكيل حكومة جديدة والقيام بإصلاحات ملموسة كي يأتي الدعم المالي للبنان لن يكون موضع استساغة للأتراك بعد أن نجحت فرنسا إلى الآن بالتضييق على تركيا في سوريا وليبيا والعراق واليونان والآن لبنان الذي قد يعتبر البعض أن فرنسا لها أفضلية الأرض والعامل البشري الإنساني فيه، وقد اعتبرت الخارجية التركية أن فرنسا تسعى لإحياء إرثها الإستعماري ويكرس دورها ك”حامية وراعية لمسيحيي الشرق”.
*كل تلك الأحداث والعوامل المتراكمة إنما تنذر بكباش حتمي في المنطقة بين فرنسا وتركيا وبخاصة على المستوى اللبناني حيث أن كلا الدولتين تضعان ثقلها ونفوذها السياسي في مصب تصدر الصالون السياسي اللبناني،وعليه فإن تركيا تتربص بفرنسا في أكثر من مجال مثل ملف اللاجئين والملف الفلسطيني والملف التركماني وعلى المستوى السياسي والعسكري والإقتصادي وتناقضات التحالفات.
المحلل السياسي ميشال جبور