تموز ٢٠١٣…مرحلة جديدة في المخيمات الفلسطينية… قصتي مع محمد دحلان بقلم ميشال جبور

 

صدى وادي التيم – رأي حر بأقلامكم

تبدأ القصة بالملف الفلسطيني الذي كان بارتباطه وتفاصيله بيد السوريين، وبعد خروجهم من لبنان،أجمعنا مع مدير المخابرات في الجيش اللبناني آنذاك العميد جورج خوري،أن الملف الفلسطيني والمخيمات يتطلب وجود سفير،وكنا نعتبر أن حركة فتح هي الممثل الشرعي للفلسطينيين في لبنان نظراً لتاريخ منظمة التحرير الفلسطينية وتمثيلها القوي عربياً. على أثر هذه الوقائع، توجهت إلى الأردن والتقيت الرئيس محمود عباس على مرتين،فكان لنا السفير عباس زكي.

داهمتنا أحداث مخيم نهر البارد،فكانت الحدث الذي غيّر في رؤيتي للأمور،إذ خسرنا في حينها خيرة الضباط والعسكر بعد أن تحول المخيم إلى مرتعٍ لجماعات وخلايا إرهابية ما لبثت أن خرجت إلى العلن وانفجرت تطرفاً وكبدتنا شهداء من العسكر كانوا من أفضل الرجال،

والغريب في الأمر،أنني أذكر في حينها كلام السيد  ن ص ر ا ل ل ه  عن أن المخيم خط أحمر مع أن الشعارات دائماً كانت رافضة للإرهاب ونهجه،ولكن ما أن تقترب لمحاربته يصبح،خطاً أحمر.في تلك الأحداث قام عباس زكي بوضع كل امكاناته بين أيدي الجيش اللبناني،فهو تجاوب إلى أقصى حد وكذلك تجاوبت الفصائل الفلسطينية بشكل جيد،

إذ جميعهم دون استثناء وقفوا ضد الإرهاب، لكن تشرذم الفصائل الفلسطينية وقيادات فتح كان واضحاً، فما أردناه من تقوية لوجود فتح في المخيمات أتى سلبياً بفعل خلافاتها الداخلية، مما كان يسمح للإسلاميين بالتوسع والتغلغل في المخيمات.

وفي زيارتي الثالثة للرئيس محمود عباس لتدعيم المخيمات الفلسطينية،رأيت اصراره على استبدال عباس زكي،فكان السفير عبد الله عبد الله مروراً بالكثير من المسؤولين الفتحاويين وصولاً إلى السفير أشرف دبور، وفي كل مرة كنت أزور الرئيس محمود عباس كي أضعه في الصورة، فحالة فتح كانت تزداد تدهوراً، وضعفت سيطرتها على المخيمات بسبب خلافات القادة والإنشقاقات،

وأصبحت الأمور على قاب قوسين من إنهيار كامل،كل تلك العوامل دفعتني للقيام بمبادرة فردية،دون قيد أو شرط،فمنذ البدء كنت متنبهاً للتوترات الأمنية والسياسية التي يمكن أن تزج المخيمات عبرها لبنان في آتون معارك متنقلة وتجاذبات في الشارع اللبناني،فالمخيمات قنابل موقوتة ولمن لا يعرف فليراجع التاريخ.

رؤيتي كانت بموازنة القوى في المخيمات الفلسطينية،وخاصة في مخيم عين الحلوة،أي خلق حالة من الإستقرار على الأرض بطريقة تنكفئ كل الفصائل عن التقاتل على بقعة واحدة ويذوب التطرف في مفاعيل هذا التوازن.
صيف ٢٠١٣،في شهر تموز،كان اللقاء الأول بيني وبين محمد دحلان في منزله في الإمارات ليلاً، فقد اتخذت القرار بزيارته وتأسيس علاقة معه لأنه جزء مهم من المشروع الفلسطيني وحيثيته كبيرة على الأرض وتأثيره كبير على المستوى العربي والدولي.

لقائي بمحمد دحلان كان لإقناعه بالدخول على الخط في لبنان،مانع في البدء لأنه اعتبر أن الساحة اللبنانية الفلسطينية متشعبة جداً وتشكل بحد ذاتها فسيفساء متشابكة،غير أنني استطعت إقناعه على الرغم من صعوبة ذلك،وكانت فكرتي الأساسية تقوم على دعم فئة معتدلة مؤلفة من فريق سياسي وعسكري وخدماتي يحضن الأهالي أمناً وأماناً،

والجميع دون استثناء من وزراء ومسؤولين أمنيين ومسؤولين ل ل ح ز ب  أثنوا على خطوتي وعلاقتي بدحلان وأبدوا اهتمامهم بمتابعتها وتثبيتها.وبالفعل،ولست هنا في معرض الدفاع عنه،

محمد دحلان كان صادقاً وشفافاً ومقداماً إلى حدٍ كبير في العلاقة، فهو لديه عداوات دون شك،لكنه دون أدنى شك،مترفع وجريء بمقاربته للأمور ولا يناور وقد انعكست العلاقة خيراً للبنان،فمروحة علاقاته الواسعة والمتينة عربياً ودولياً انعكست ايجابياً على كل الأصعدة،ورصانته وصدقه في علاقاته أفضت إلى خدمة لبنان في الكثير من الملفات الشائكة دون ضوضاء،

ونتج عن دخول التيار الإصلاحي دعماً ورفداً للمخيمات بكل مقومات الحياة الكريمة من غذاء ودواء وخدمات اجتماعية وصحية،فالتيار الإصلاحي زاد من قوة فتح وعزمها في المخيمات بالوقوف بوجه الإسلاميين والحركات المتطرفة. ودعم دحلان لبنان أمنياً عبر علاقاته المتينة،فقد سهّل الكثير من المهمات الأمنية لإعتقال مطلوبين على مستوى المخيمات وفي الدول العربية،

أما زوجته السيدة جليلة ساهمت بإنشاء جمعية “فتا” بمجلس إدارة كنت أنا أحد أعضائه،وقد عملت الجمعية على الدعم الإجتماعي والصحي للمخيمات ولعبت جمعية “فتا” دوراً ملحوظاً وإيجابياً أثناء الحرب على غزة في مساعدة الأهالي على كافة الصعد.

هذه العلاقة ما تزال متينة وقد أفضت إلى خلق توازن قوى في المخيمات إنعكس راحةً وهدوءاً على كافة المستويات،ومحمد دحلان لم يمس لبنان يوماً بكلمة في خطابه بل ساعدنا في كثير من المحافل الدولية والعربية وما فعله في السر من أمور لنا حجمها أكبر من أن يقدر أحد غيره على فعلها فكانت له الأيادي البيضاء ودون تبجح وسيأتي يومٌ نكشف فيه عن مدى دعمه للبنان في الكثير من الأمور الهامة والمفصلية ومن هنا ينبع عمق علاقتنا وتمسكنا به على صعيد لبنان ،

وأدعو كل من يكتب عنه أن يتعرف عليه شخصياً ويحاوره كي يتأكد بنفسه أنه خدم لبنان وساهم في ارساء الطمأنينة في المخيمات وبخلق حالة متقدمة اجتماعية وثقافية وقومية لكل فلسطيني على أرض لبنان،وباختصار شديد،هذه قصتي مع محمد دحلان، الذي حافظ على إيقاع المخيمات وضبطها بما يخدم المصلحة اللبنانية والفلسطينية دون أن يخدش يوماً سيادة لبنان.

ميشال جبور

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى