في معالم صراع جديد هل وضع تركيا إردوغان يدها على القرار العربي في المنطقة…بقلم ميشال جبور
صدى وادي التيم – رأي حر بأقلامكم
ما حدث في لبنان مؤخراً من تحطيم وتكسير وإضرام نار وإشتباكات بين مخربين والقوى الأمنية ليس بريئاً، وليس بالتأكيد وليد الساعة،وكلام رئيس الحكومة عن غرف سوداء تحيك المؤمرات غير شافٍ، فاللبنانيون ينتظرون منه الحقيقة المجردة وتسمية من يريد العبث بأمن الوطن باسمه، ومهما كانت هذه الحقيقة مُرّة فالشعب يريد أن يثلج صدره، فمرارة الحقيقة ومهما كانت حدتها لن تكون بمرارة ما نعيشه ويعيشه لبنان اليوم،والمطلوب من رئيس الحكومة أن يكشف هذه المؤامرة على الملأ وأمام كل اللبنانيين وذلك لدرء خطر الفتنة فعلاً. وهنا يبرز إسم إقليمي بات يمسك بأوتار تجاذبات المنطقة العربية ويتغذى من تناقضات عمرها مئات السنين ويغذي صراعات جديدة عبر تأليب النفس الطائفية والحنين إلى أيام الخلافة،الخلافة العثمانية.يُطل رئيس وزراء تركيا داعياً لتطبيق النظام الإقتصادي الإسلامي واصفاً إياه بمفتاح الخروج من الأزمات ويدعو لجعل اسطنبول مركزاً للإقتصاد والتمويل الإسلامي بعد أن كانت السعودية وبانفتاحها العربي الجامع وتقف إلى جانبها مصر بعروبتها التي ظللت المنطقة تمسكان بتوازن الوضع العربي وتضعان حلّ للقضايا بأقصى درجات الدبلوماسية الممكنة، وعلى ما يبدو فإن تركيا تطمح بأن تستولي على هذا الدور وتأخذ مكانة السعودية ومصر إقليمياً وعربياً.ومن ناحية أخرى فإن رئيس الوزراء التركي الذي يجهد في خطابات جماهيرية ليظهر كالمدافع عن دار الإسلام وحامي الإسلام المنتظر تمكن في الآونة الأخيرة من خلق استفاقة طائفية مشبوهة في دول عربية تسلل إليها عبر تجييش مشاعر الحرمان من القرار وحقوق المسلمين، تمكن من إيقاظ الحنين إلى الخلافة العثمانية التي كرست نفسها على مدى قرون كحضن الإسلام ولم نذق منها سوى الطغيان والتجنيد الإجباري والقتل والإجرام.تارة يغمز من قناة القضية العربية المركزية ومعاناة الفلسطينيين، وتارة يحشر أنفه في ليبيا عبر حكومة الوفاق الليبي ويطلق التهديدات حتى بوجه أوروبا ويتوعدها بفتح الباب أمام المهاجرين بإسلوب ترهيبي.تركيا إردوغان بحزب العدالة والتنمية، الذي وعلى إثر وصوله إلى سدة القرار التركي والحكم، عادت معه خلايا الإخوان المسلمين لنشاطها، وبالتالي فإن تركيا تعبث في لبنان وسوريا وليبيا وفلسطين، ففي سوريا لها تواجدها العسكري بفعل إقامة مناطق العزل، في ليبيا تغلغلت بفعل سياسي لحكومة ما يدعى الوفاق الليبي وقد تبنتها وتدعمها، في لبنان لها من يرفع العلم التركي ومؤيدون في مختلف المناطق، أما في فلسطين، تصب كل دعمها على غزة، فحركة حماس هي حليف أساسي في مشروع اردوغان وهي المرتبطة ارتباطاً مباشراً بالإخوان المسلمين منذ أواخر الثمانينات ويبقى الحلم بإعادة خاتم الخلافة إلى تركيا.لكن كل ذلك يحتاج إلى تمويل، والليرة التركية كانت شبه منهارة إلى أن تدخلت،صغيرة الخليج بمفعولها الكبير وأنقذتها، فدعمت قطر تركيا بثلث حاجتها لوحدها وأعلنت دعمها للخيار الأمني والإقتصادي التركي الإردوغاني في ليبيا، وبصماتها في كل مكان في ما يجري في الداخل السوري، ولها كلمتها على أعلى مستوى في القرار الإخواني، قطر وإن غاب اسمها عن الساحة إنما هي الرأس الممول وهي التي تسعى جاهدة منذ إنقلاب الحكم فيها للتحكم بخيوط اللعبة على الصعيد الإقليمي والعربي.كل ذلك وما زالت السعودية ومصر تقفان مكتوفتا الأيدي ومشهد سرقة القرار العربي من قبل إردوغان مستمر، الذي على ما يبدو أنه يؤسس معادلة إردوغان-إيران، بعد أن ظهرت اتصالات واتفاقات الدعم إلى العلن وتكريس التحالف بينهما بقوة، فإيران تستحصل على موارد استمرارها عبر تركيا التي تصطاد دائماً في الماء العكرة،وربما امتعاض الجامعة العربية من التحالف التركي الإيراني الممول قطرياً أتى نتيجة شعور عربي بأن معالم صراع عربي مع تركيا وإيران بات يأخذ أبعاده وحجمه على الخارطة العربية، وعلى ما يبدو فإن تركيا ذاهبة إلى النهاية ومعها إيران وقطر لإزاحة المملكة السعودية التي لطالما حبّذت التوافقات بين العرب وشجعتهم على إيجاد الحلول ضمن البيت العربي الواحد، كما أن التحالف التركي والإيراني والقطري يحاول اطفاء شعارات العروبة ورموزها عبر الإلتفاف على مصر رمز العروبة، التي وعلى مدى عقود، حاربت الإخوان المسلمين ومنعتهم من السيطرة على عقول العرب عبر تصديها لهذا الفكر في ارتقاء ثقافة شعبها ال١٣٠ مليون نسمة الذي قال كلمته ورفض حكم الإخوان، وهي عادت لتتفاهم وتتفاوض مع اليونان وقبرص لدرء أخطار التوسع التركي الذي يحمل في طياته كل بذور الفكر الإخواني، فنرى بأن التاريخ يعيد نفسه، وهذا الصراع الذي لطالما وُجد ولطالما نجحت المملكة السعودية ومصر بالتصدي له يعود لينطلق من بعض أوكار الفتن العربية والطائفية، فلا وقت للبقاء على الهامش بل آن الآوان لكي تستعيد السعودية ومصر دورها القيادي الذي سيوازن القضايا في المنطقة العربية ويضع حداً لاستغلال تركيا وإيران لقضايا العرب والقضية الفلسطينية لتحقيق مآربهم والسيطرة على القرار العربي وبسط سيطرتهم على كل المنطقة والمتاجرة مع شريكتهم قطر في بازار الصفقات العالمية.
ميشال جبور