إنعزالي… كونفدرالي… لكن أشرف من العيش لقلة الموت… بقلم ميشال جبور
صدى وادي التيم – رأي حر بأقلامكم
في زمنٍ ليس بالبعيد، كان هنالك حالة مسيحية تحولت على يد قائد اسمه بشير الجميل إلى حالة وطنية، فهذا الكتائبي الرصين والمثابر قد اتُهم بالإنعزالية والصقت به تهم الفدرالية والتقسيم في حين كان هنالك من يريد تقسيم البلد لغاياته الإحتلالية. لم يرضى الموارنة يوماً بالتقسيم كما لم يرضى الشيخ بيار الأب بمطار حامات الذي لم يعتبره آنذاك مطاراً وطنياً وأمر باقفاله بالرغم من قوة ونفوذ الكتائب حينها لأنه لم يريد أن يسلخ المناطق اللبنانية عن بعضها عبر مطارات تكرس التقسيم، وعندما تعرضت المناطق الشرقية لأعتى الهجمات في السبعينات، كانت الكتائب تضم في نواتها مقاتلين من كل الأطياف اللبنانية ايماناً بالعيش المشترك ودفاعاً عن لبنان السيد الحر المستقل وليس لبنان التابع لذمة غيره، لم يرضى الموارنة التقسيم لكنهم لم يكونوا يوماً ذميين.سجل هذا الزمن الممتد من السبعينات إلى أوآخر الثمانينات اهم انتصارات للحالة المسيحية في وجه أشرس الأعداء،وعندما وصل بشير إلى سدة الرئاسة، رفض مجدداً التقسيم وحسم أمره بصيغة العيش المشترك، فكان رئيساً لكل لبنان ولكل اللبنانيين رافضاً كل اغراءات التقسيم والإنعزالية، حينها أثبت للجميع أنه أتى لأجل الدولة الجامعة للكل والوطن للحضن للجميع، فتم اغتياله.
مُسحت كل الإنتصارات عبر الطائف الذي كرّس نهجاً جديداً فقد المسيحيون فيه كلمتهم وقرارهم،ومن ثم أتى مؤتمر الدوحة لكي يبتر الحالة المسيحية بتراً نهائياً، فأصبح المسيحيون على هامش دولة يصفها معظم المحللون في السياسة والشأن العام بالمزرعة، ولربما هذا سبب اغتيال بشير، لأنه اراد أن يُخرج لبنان من قوقعة المزرعة والصفقات على حساب الوطن تحت عناوين رنانة لا تحمل في طياتها إلا الضعف والتدهور.واليوم، وبعد مرور كل تلك السنين،لا زلنا ضد التقسيم، لكننا نرى أن الدولة لا تتنفس كدولة ومؤشراتها الحيوية ما زالت كمؤشرات مزرعة، دولة لها مئة رأس يديرها ويملي فيها ما يريد، دولة اصبح العيش المشترك فيها متنازعاً عليه وليس فيها سوى العراقيل تلو العراقيل، اصبحنا نعيش من قلة الموت، وإن كان الموارنة قد أسسوا لبنان الكبير ونحن على مشارف مئويته، وعلى الرغم من خلافاتنا الكبيرة كلبنانيين وكأطياف، لا بد لنا من تأسيس حالة جديدة لإنقاذ الجميع، مسيحيين ومسلمين، لا بد من لبنان كبير جديد تحت مظلة دولية، لبنان كبير فيه كونفدراليات على غرار النموذج السويسري لكي نرتاح لأن البلد لن يستمر بالطريقة التي هو عليها،فكل ما نراه هو دويلات تتخابط وتتنازع وتتناحر ويرزح تحت تخبطها قرار الوطن ومصير شعبه، ففي زمن الوصاية السورية وللمفارقة كان وضع البلد أفضل حتى بكل السرقات، أما اليوم فهو نهب دون حياء، عصابة تسرح وتمرح وتلعب بمصير البشر والوطن، وفي ظل ما نعيشه اليوم من قهر وذل لا بد من أن يقوم اللبنانيون بدورهم الحقيقي والحضاري والتأسيس للبنان جديد بموافقة دولية،فلنتفاهم على هذا الحل جميعاً كي ننقذ الوطن، فلتكن كونفدرالية توافقية تلغي شرذمة المزارع والدويلات، فبدل أن نعيش في ظل فوضى الدويلات،نستكبر بعضنا ولا نستطيع الغاء بعضنا البعض، فلننظم انفسنا في كونفدراليات تخضع لنظام رئاسي متداول، فينصرف كل في منطقته إلى العمل عليها وترتيب وضعها الإجتماعي والمعيشي والإقتصادي،فتصب كل جهود هذه الكونفدراليات لمصلحة وخدمة الوطن وتعزيز نموه بدل النموذج الفاشل الذي نعيشه اليوم، فالإنعزال والعيش في كونفدرالية اصبح أشرف من العيش في مزرعة.
ميشال جبور