حتى الحروب لها قواعد !!! بقلم لينا رعد الحمره
بقلم : لينا رعد الحمره
في عالم لا يزداد إلا تعقيدا فلا تتزايد النزاعات انتشارا مع احتمالية امتدادها خارج الحدود الوطنية فحسب ، بل تظهر مزيدا من الاشكال غير التقليدية للعنف . ولما كان وجه الحرب الحديثة وممارستها يتغيران تغيرا كبيرا ، فان الحاجة الى احترام المدنيين وحمايتهم تعد اليوم اكثر الحاحا من اي وقت مضى.
اذ، وللاسف، فدائما ما تصاحب النزاعات المسلحة معاناة انسانية مروعة لا تقتصر فقط على الاطراف المتنازعة انما تمتد للمدنيين الذين يتحملون بصورة متزايدة وطأة هذه النزاعات .
وفي بعض الاحيان يتم استهدافهم على وجه التحديد ويتعرضون لفضائع مروعة في تجاهل صارخ لاتفاقيات جنيف الاربع( 1949) وبروتوكوليها الاضافيين( 1977) الهادفة الى حماية اولئك الذين لا يشاركون في الاعمال العدائية او الذين توقفوا عن المشاركة .
ان تحقيق التوازن بين الضرورة العسكرية والانسانية امر جد مهم .
اذ ان المهمة الرئيسية والهدف الاساسي لاية قوات مسلحة هو احراز النصر والتفوق الميداني على القوات المعادية ولكن يجب ان يتحقق هذا الهدف باقل هدر ممكن للمبادئ الانسانية التي قررتها اتفاقيات جنيف الاربع (1949) وبروتوكوليها (1977) ، فيتوجب على القائد العسكري التقيد بمبادئ تشكل بمجموعها مبادئ القانون الدولي الانساني او قانون النزاعات المسلحة. والتي تبدا بمبدا التمييز مرورا بمبدا التناسب والضرورة العسكرية .
اولا-_ مبدأ التمييز:
يعد هذا المبدأ من المبادئ الرئيسية في القانون الدولي الانساني ويقوم على التمييز بين الاشخاص والاهداف .
1_ التمييز بين المدنيين والمقاتلين :
تحظر المادة /2:13/ من البروتوكول الاضافي الثاني من جعل الافراد والسكان المدنيين بصفتهم هذه محلا للهجوم . وبمقتضى النظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية فان تعمد توجيه هجمات ضد هولاء وضد الذين لا يشاركون مباشرة في الاعمال الحربية يشكل جريمة حرب في النزاعات المسلحة .وفي مرحلة مبكرة من العام( 1948 ) اعلنت الجمعية العامة لعصبة الامم ان القصف العمد للسكان المدنيين غير شرعي ، كما اكد المؤتمر الدولي العشرون للصليب الاحمر في العام( 1965 ) وجوب التزام الحكومات والسلطات المسؤولة عن العمل العسكري في كافة النزاعات المسلحة بحظر شن الهجمات ضد السكان المدنيين ومن ثم نص قرار للجمعية العامة للامم المتحدة (1968) بشان احترام حقوق الانسان في النزاعات المسلحة على انطباق مبدأ التمييز في جميع النزاعات ، هذا وقد اعاد مجلس الامن تاكيده في قرار اعتمده في العام ( 2000 )على ادانته الشديدة للهجمات المتعمدة على المدنيين في جميع حالات النزاع المسلح.
2_التمييز بين الأهداف العسكرية والمدنية :
تنحصر الاهداف العسكرية على تلك التي تساهم مساهمة فعالة في العمل العسكري سواء كان بطبيعتها ام بموقعها ام بغايتها ام باستخدامها والتي يحقق تدميرها التام او الجزئي والاستيلاء عليها او تعطيلها ميزة عسكرية اكيدة ، على عكس الاعيان المدنية التي لا تساهم مساهمة فعالة في العمل العسكري ولا يحقق تدميرها او الاستيلاء عليها ميزة عسكرية اكيدة . لكن اذا تم التأكد من ان الاعيان المدنية (مخزن _مطار مدني _دور عبادة _مستشفيات _ مدارس …)تساهم مساهمة فعالة في الاعمال العسكرية لايواء الجنود وكمخازن للذخائر عندها يجوز اعتبارها هدفا عسكريا ما دامت مستوفية لشرط ان تدميرها في الظروف السائدة يحقق ميزة عسكرية .
ويبقى ان هناك اعيان كالطرق والجسور او خطوط السكك الحديدية او المواني البحرية او محطات توليد الطاقة قد ينطبق عليها وصف الهدف العسكري كما قد لا ينطبق عليها هذا الوصف الا اذا استوفت الشرطين معا اي ان تكون اعيانا تسهم في العمل العسكري بحكم موقعها او استخدامها وان يحقق تدميرها التام او الجزئي او الاستيلاء عليها او تعطيلها في الظروف السائدة ميزة عسكرية اكيدة.
لقد اكد النظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية ان تعمد توجيه هجمات ضد المباني المخصصة للاغراض التعلمية او الفنية او العلمية او الاثار التارخية او دور العبادة يشكل جريمة حرب في النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية شريطة الا تكون اهدافا عسكرية .ولكن متى تحولت من حيث وظيفتها الى هدف عسكري ولم يوجد بديل عملي لتحقيق ميزة عسكرية مماثلة لتلك التى يتيحها توجيه عمل عدائي ضد تلك الاهداف عندها يشترط البروتوكول الثاني (1977) بان يتخذ القرار بتوجيه عمل عدائي على مستوى معين من القادة وان يعطى في حالة الهجوم انذارا مسبقا عندما تسمح الظروف بذلك .
ثانيا-مبدأ الضرورة العسكرية :
تقاتل الجيوش الميدانية تنفيذا لمهامها وفق خطط مدروسة مسبقا ومصادق عليها من القيادات العسكرية العليا.وبعد ان صادقت على اتفاقيات جنيف 188 دولة فانه لا يجوز لاية قوات مسلحة في هذه الدول ان تخطط عسكريا لعملياتها القتالية بما يخالف قواعد القانون الذي صادقت عليه . ولضمان سلامة هذه الخطط من أية مخالفة للقانون الدولي الانساني الذي قد تغيب دقائق احكامه عن بعض القادة فان عددا من الدول تتطلب ان يوقع المستشار القانوني للقائد على خطة العمليات قبل التصديق عليها لضمان اتفاقها مع القانون الدولي وعدم وقوع انتهاكات جسيمة عند التنفيذ . الا ان هذه الصورة قد لا توجد في بعض الاحوال وقد تدور معارك ميدانية تفرضها ظروف قتال طارئة يتخذ فيها القائد المحلي قراره مثل ضرورات منع القوات المعادية من العبور على جسور مدنية او من خلال طرق في قرى او مدن اهلة بالسكان. لذا، فان اتفاقيات جنيف( 1949) قد سلمت بوجود مثل هذه الضرورات الحربية التى قد تمليها ظروف القتال وجعلت منها مبررا لبعض الانتهكات الجسيمة لاحكامها . فقد نصت المواد (50_51و17)من الاتفاقية الاولى والثانية والثالثة الرابعة على ان تدمير الممتلكات او الاستيلاء عليها يعد انتهاكا جسيما لهذه الاتفاقيات ما لم تبرره الضرورة الحربية . بينما لا نجد نصوصا مماثلة تجعل الضرورة الحربية تبرر المخالفات الجسيمة التي ترتكب ضد الاشخاص المحميين مثل القتل العمد او التعذيب او المعاملة الاانسانية او اجراء التجارب الخاصة بعلم الحياة او تعمد احداث آلام شديدة .
ثالثا:مبدا التناسب :
بمقتضى النظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية فان تعمد شن هجوم مع العلم بأن مثل هذا الهجوم سيسبب خسائر عرضية في أرواح المدنين او اصابات بين صفوفهم او اضرارا بالاعيان المدنية ويكون افراطه واضحا بالقياس الى مجمل الميزة العسكرية المتوقعة او الملموسة يشكل جريمة حرب في النزاعات المسلحة الدولية.
تعتبر معادلة التناسب معادلة صعبة ودقيقة اثناء القتال وادارة العمليات الحربية، فتحقيق المهمة القتالية واحراز النصر هدف اساسي للقوات العسكرية ولذلك يحتاج الامر الى قائد ماهر شديد المراس يكرس كل جهده وعمله لكي يستوي ميزان هذه المعادلة ويمكن اين يتحقق ذلك بما يلي :
1_السيطرة التامة على مرؤوسيه وعلى مصدر النيران لمنع الانتهاكات الجسيمة لقانون النزاع المسلح.
2_الاقتصار على العمليات اللازمة لقهر العدو وهزيمته (تدمير 60% من قدرات العدو البشرية والعسكرية يعتبر كافيآ لقهره و تراجعه)
3_عدم جواز اصدار الاوامر او التخطيط المسبق لعدم ابقاء احد من العدو على قيد الحياة .
4_الامتناع عن العمليات او استخدام الاسلحة التي تسبب آلاما واضرارا لا مبرر لها والمحظور استخدامها دوليا .
5_عدم استخدام الهجمات العشوائية غير الموجهة الى هدف عسكري .
6_عدم القيام بهجمات ردع ضد السكان المدنيين.
7_الحرص التام على توجيه كل عمليات ومصادر نيرانه للاهداف العسكرية وعدم اصابة غيرها من الاهداف الا عرضا وبشكل غير مباشر.
ختاما، نجد ان القانون الدولي الانساني قد تضمن مبادئ وقواعد اساسية تحكم اختيار الاسلحة وتحظر استعمال اخرى او تقيدها بهدف حماية المدنيين والحفاظ على شيئ من انسانية الانسان في النزعات المسلحة وانقاذ الارواح والتخفيف من المعاناة وتحقيق التوازن بين العمل العسكري المشروع والهدف الانساني . لذا ، عند وقوع انتهكات للقانون الدولي الانساني فان الدول ملزمة بمقضاة الجناة . ولذالك تلعب المحاكم الدولية دورا هاما في تعزيز هذا القانون كما تحاكم هذه الانتهكات دوليا عبرالمحكمة الجنائية الدولية .
المصدر : الضحى بقلم الباحثة القانونية لينا رعد الحمره