الانتفاضة في الجبل: تهديد ناشطين واستقالات حزبية

 

أنور عقل ضو – المدن 
لا تزال أحزاب وقوى السلطة مربكة في مواجهةِ ما كان بعيداً من دائرة توقعاتها، يشي بذلك خطابها الملتبس القاصر عن التقاط الحقيقة الواضحة، رغم محاولات تزيين الخطاب إياه بأحقية المطالب مع “لكن” حمالة أوجه دائما، ومعها يتبدى الوجه الآخر للأزمة، بين خائف على مواقع وامتيازات من جهة، وبين عازم ومُصرٍ على تعرية المواقع إياها من جهة ثانية، بين سلطة جائرة وناس اكتووا بنار الظلم والجور.

ويؤكد الجبل أنه ليس خارج هذه المعادلة، لا بل هو جزء أساس منها، يتكامل مع بيروت وسائر المناطق، رفداً للمعتصمين والمتظاهرين في بيروت، وتاليا يؤسس ساحاته لتكون منبراً للتعبير عن مكامن الفساد في سلطة تتهاوى، ومنصة يطل منها ليفرد له مكانة في حاضرة المشهد المعترض على سياسات الدولة والطبقة المستأثرة بالدولة تقاسماً وتحاصصاً.



تمويل خارجي!
وحيال كل ذلك يستمر الحراك جبلاً، ولا يني يتطور، رغم قيود مفروضة أفضت إلى بلبلة سادت الساحات في الأيام الأولى، ليعود الناس لالتقاط الأنفاس واستعادة زمام المبادرة. لكن كان لهذا الأمر تبعات خلال اليومين الماضيين أفضت إلى تهديد ناشطين، في سابقة تثير أكثر من علامة استفهام، خصوصا على مستوى “الحزب التقدمي الاشتراكي”. ففي حين طلب نوابه في عاليه والمتن الأعلى عدم التعرض للمتظاهرين إلا أن ذلك لم يحل دون حدوث إشكالات. ما يعكس طبيعة الصراع داخل الحزب، خصوصاً أن ثمة مخاوف من أن يزداد عدد المشاركين في التظاهرات من قاعدته الشعبية، فضلا عن مناصرين ومحازبين قرروا تخطي اعتبارات تنظيمية وصاروا جزءاً من الحراك.

ولا يختلف الجبل الجنوبي عن سائر المناطق، مع انطلاق حملة شائعات تستهدف الحراك الشعبي، وأهمها “التمويل الخارجي لإحداث الفوضى”، إلى تقديم صور لناشطين على أنهم “عملاء لإسرائيل”، فضلا عن التهديد والقمع والضرب وكيل الشتائم وغيرها من الممارسات، إلى تفسير البيانات والصور والفيديوهات وفقا للميول والمصالح والأهواء. وهذه الحملات لم تقتصر على منطقة واحدة وحسب، بل انتشرت في كافة المناطق.

أبو فخر الدين: جراح 30 عاماً
وأشار الناشط رياض أبو فخر الدين لـ”المدن” إلى أن “هذه الثورة عمل تراكمي، وليست أمراً يتحقق عمل ليلة وضحاها”.

وعن آفاق التحرك، قال: “هذا أمر صعب كون التطورات على الأرض تتغير ساعة بساعة”، لافتاً إلى أن “ما يميز التحرك أن لا رأس له ولا قيادة، ما يبقيه قوياً. وقد حاولت السلطة خرقه وشرذمته، والتحكم به. لكن ذلك أضعفها وأضعف مواقفها. وقد ساهمنا بتحركنا مع الشعب اللبناني بعلاج جراح 30 و40 سنة خلفتها السلطة السياسية، باعتمادها على التفرقة العنصرية والمذهبية والطبقية للسيطرة على الناس. ونحن هنا لنكسر هيمنتها. وما تحقق من نتائج فاجأنا، وأصبح الأمر مثل كرة الثلج”.

بلبلة حزبية
ورأى أبو فخر الدين أن “أهم ما حصل تمثل في كسر حاجز الخوف، حين أخذت الجموع تعبر عن رأيها من دون وجل، وتقول قناعاتها هي لا قناعات زعمائها”، وأِشار إلى أن “هذه الحكومة ليس لديها حلول، فمن أين ستأتي بـ 5 مليار دولار، خصوصاً وأنها مبنية على نظام محاصصة. وحاولت أن تستمر بالاعتماد على جيوب الناس. وحتى لو استمرت ودفعوا من جيوبهم فلا حلول”.

واعتبر فخر الدين أن “صمودنا كل يوم يساهم بتحرر الرأي العام والمجتمع. وهذا ما نشهده لجهة الاستقالات من الأحزاب والمزيد من التضامن من قبل الرأي العام العالمي معنا، ونعلم أن للسلطة الحاكمة أدوات لتفرقة الشعب، فهي ترسل أشخاصاً إلى المنابر للتعبير عن آرائها، ومحاولة فرض لغتها الطائفية المدسوسة، ووسائل أخرى، ولكنهم أصبحوا معروفين”.

ونصح الناس “بالانتباه للشائعات من قبل السلطة الساعية للحفاظ على مكتسباتها عن طريق تقسيمهم”، وأشار إلى “أننا ما زلنا ننتظر مناصري الأحزاب لينزلوا معنا على الأرض، فنحن أهلهم، وهذا بلدنا جميعا، ولنعيد بناء بلدنا يداً بيد”.

دولة مدنية
أحد المعتصمين عند مستديرة عاليه، توجه عبر “المدن” إلى رئيس الجمهورية، قائلاً: “إذا لم يسمع صوت الشعب في الشارع، فلن يذهب أحد إليه ليخبره، وقد اتُّخذَ قرار جامع يؤكد أن أي شخص يتوجه إلى رئيس الجمهورية يقابله بصورة شخصية ولا يمثل الحراك”.

وأضاف: “يسألنا كثيرون ما هو المطلوب؟ ونقول مطالبنا واضحة، إسقاط الحكومة، ومن ثم حكومة انتقالية تقوم بالإعداد لانتخابات مبكرة وفق قانون انتخابي لاطائفي، وأن تجري الانتخابات المقبلة على أساس لبنان دائرة واحدة، فهذه السلطة استخدمت كافة الأدوات لتقسيم الناس مذهبياً وطبقياً وطائفياً. وتاريخياً، هذا الحراك بدأ في العام 2011 بعدد قليل من الناشطين، فسقف طموحنا دولة مدنية، تربي جيلاً جديداً على المواطنة الحقة، واسقاط هذا النظام بكافة رموزه”.

حلقات “اليوغا”
في تجوالنا بين المناطق نجد أن ثمة تنسيقاً مع سائر المجموعات، كما أن الحوارات مستمرة وتتواصل بين المواطنين والمعتصمين، وإلى الأجواء الضاغطة وما يتعرض له المتظاهرون من محاولات لزعزعة ثقتهم، يتبدى وجه آخر مغاير تماماً.

في مدينة عاليه، صار الناس جزءاً من المشهد، ولا يتركون سانحة لتوفير الدعم، من ضيافة القهوة وإعداد “السحلب” الصباحي، إلى إعداد الطعام وسط أجواء احتفالية، فضلاً عن مبادرات كثيرة. فعلى سبيل المثال، بدلاً من إحراق الإطارات، اقترحت مجموعة من الشابات على المشاركين أن يتبرع كل منهم لشراء “نقلة رمل” ولم يخذلهن أحد، فضلاً عن أنشطة ثقافية من المحاضرات إلى حلقات “اليوغا”.

ضو: لا حوار مع السلطة
في المتن الأعلى، أكد الناشط منصور أمين ضو “لن نخرج من الشارع”، لافتاً إلى أن “الطبقة السياسية لم تعد تستطيع حكم هذا الشعب أو التحكم به. وفي هذا الحراك ما من مسؤول. تنادت الناس وتجمعت، فهذه ثورة الناس ولا أحد يستطيع استثمارها أو التلاعب بها”.

وعن الطلب من الناشطين الذهاب إلى بعبدا للتحاور مع الرئيس، قال ضو: “نحن لن نذهب إلى أي مكان إلا إلى الساحات، لا إلى الرئيس ولا إلى أي مسؤول، سواء نائباً أو وزيراً، ولا يدعي أحد أنه يمثل الشعب مطلقاً، وهناك دعوة متداولة لاختيار ممثلي الشعب. ولا نعلم بأي آلية ستتم الدعوة والتجاوب، ولكن المهم أن تكون سلطة من الشعب وأصحاب الكفاءة، وممنوع أي منهم أن يستلم وزارة. وهذه الوزارات مهمتها وحيدة وهي تسيير أمور البلاد بسرعة، وأن تطور قانون انتخاب عصرياً يقوم على النسبية خارج القيد الطائفي، ويتشكل مجلس نيابي يعزل الرئيس، وينتخب رئيساً جديداً. وبعدها ندخل المعركة الثانية ومتمثلة بتحرير القضاء”.

وتساءل: “كيف ستدفع المصارف الآن مبلغ 5 مليارات وهو مقدار العجز. من المؤكد أن نهبهم لمئتي مليار دولار تدعهم يتبرعون بهذا المبلغ الضئيل”، وختم ضو قائلا: “الآمال كبيرة، ولو لم نحقق شيئا في الوقت الحاضر، فقد نزلنا في 2015، ووصلنا إلى مكان معين ولم نحقق شيئاً، ولكننا عدنا في 2019 أقوى”.

الدبس: لا شيء سيوقفنا
العضو في الحزب التقدمي الإشتراكي والمشارك في التحرك ومدير الخدمات في “فندق الحبتور” مازن الدبس، قال: “نحن الثوار سنظل على الطرقات ولن يوقفنا أحد، ومهما عملوا وقمعوا ودسوا “زعرانهم”. نريد تحقيق هدفنا باسقاط السلطة الفاسدة كلها، ومحاسبتها أمام الشعب اللبناني، نحن مع إرجاع الأموال المنهوبة ورفع السرية المصرفية عن كل نائب ووزير في السلطة والذين خرجوا من السلطة، ومع انتخابات مبكرة ووجوه جديدة في الحكومة ويكفي التوريث السياسي”.

وأضاف: “نريد سلاح الجيش اللبناني ولا سلاح غيره في لبنان. هذه مطالبي، ومطالب الكثير من المتظاهرين في الساحة، ولا شيء سيوقفنا”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!