الاستقلال الثاني يكون ببناء الدولة الوطنية
تعددت التوصيفات والسمات والألقاب التي منحها اللبنانيون لمثلث الرحمات الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير.
لست في صدد مناقشة هذه المواقف التي جلها قيل وأطلق على الطريقة اللبنانية.
لكن استوقفتني واحدة من هذه الألقاب: “بطريرك الإستقلال الثاني”.
الحقيقة أن البطريرك كان فعلا أحد أهم الشخصيات المحلية التي تماهت وغيرها من الشخصيات والقوى اللبنانية مع الضغط الأميركي – الأوروبي لفك الإرتباط السياسي بين لبنان وسوريا لا سيما فيما يتعلق بموضوع المقاومة ضد الإحتلال الإسرائيلي وبموضوع الموقف من الصراع العربي – الإسرائيلي، وربما اعتبر أن مصلحته ومصلحة لبنان الذي يريد كانت في ذلك التماهي.
وأتى إغتيال الرئيس رفيق الحريري في لحظة سياسية خدمت هذا المشروع بصورة جلية، فجرى تجييش مذهبي شكل رأس حربة المشروع السياسي لمحور “فك الإرتباط”، وتوظيف الدم البريء في لعبة قذرة.
إن “فك الإرتباط السياسي” هو القضية وليس الوجود السوري في لبنان، بحيث أنه شكل بداية مرحلة التطبيع المباشر مع دولة الاحتلال ونقطة تحول في قضية الصراع العربي الإسرائيلي، حيث لم يعد من دولة عربية بشكل عام ودول الطوق بشكل خاص غير سوريا ولبنان من الدول الرافضة للتنازل عن الحقوق السيادية لمصلحة الاحتلال الإسرائيلي.
إن الوجود السوري في لبنان طالما كان من الضمانات لتوازن كاد إختلاله أن يقضي على الوجود المسيحي بذاته، منذ دخوله العام 76 والى قانون الأقضية الذي قدمه الوزير سليمان فرنجية إرضاء لرغبات الراحل البطريرك صفير، مرورا بتواطؤ الترويكا ( هراوي، بري، الحريري) على تطبيق كامل البنود الإصلاحية التي نص عليها اتفاق الطائف لا سيما مسألة إنشاء للجنة الوطنية لدراسة الغاء الطائفية السياسية وإقرار قانون انتخاب خارج القيد الطائفي واعتماد الكفاءة في التوظيف، ما دون الفئة الأولى الخ، وكل ذلك كرمي لرغبات البطريك الراحل.
لقد حقق البطريرك إنجازا استثنائيا تجسد بتعليق بناء الدولة الوطنية التي تحدث عنها اتفاق الطائف الذي هو اتفاق ميثاقي – دستوري، وتمكن البطريرك من تجميد بناء الدولة الموعودة الى حين إستعادات القوى السياسية المسيحية، في هويتها وبرامجها، من العودة الى الحكم ومواصلة نهج البطريرك الراحل من الداخل.
الغالبية العظمى من اللبنانيين يتطلعون الى الإستقلال الثاني الذي يقودهم الى هدم بقايا موروثات سلطة طائفية مرتهنة موضوعيا الى الخارج، وهذا لا يكون بغير الدولة الوطنية وتطبيق الدستور بالكامل.
أين نحن من هذه المهمة وأين هي القوى الحقيقية المؤمنة بالدولة الوطنية؟