الموحِّدون الدروز في بلاد الشام إلى أين ؟.  في ذكرى وفاة سلطان باشا الأطرش. 

المُقدِّمة التي لا بُدَّ منها :
إذا ما ألقينا نظرة في هذا القرن الجديد على جميع الدول العربيةمن الخليج الثائر إلى المحيط الهادر سواء كانت هذه اللفتَّة أوالنظرة،  سياسية أو ثقافية أو علمية أو حضارية أو فكريَّة  أو تقدمعلمي.
لا نستغرب  ولا نسأل عن سبب تأخرنا وتشرذمنا وإنقسامناومماحكات بعضنا البعض لأن :
الإسلام العربي،  وجمهرة  من بعض الفقهاء هم الذين قضوا علىالفكر والفلسفة والعلم في الأندلس.
الإسلام العربي،  وبعض غُلاة الفقهاء  هم الذين نحروا العقل منالوريد إلى الوريد  في مصر أثناء خلافة الحاكم بأمر الله.
الإسلام العربي، مع بعض المُتزمتين هم الذين أوصلونا إلى خواتيمفتاوى إبن تيميَّة التي يتصلَّى بنارها الجهنمية  الإسلام اليوم  تكفيراًمن هنا ولعنةً  من  هناك  إلى أفراد  أو جماعات  من ذات الدينالإسلامي الواحد.
الإسلام العربي، هو مَنْ غضَّ الطرْف عن قول النبي صلى اللهعليه وسلم  :
( يبعث الله على رأس كل مائة عام من يجدد لهذه الأمة أمر دينها )
وكما إنشغل كهنة القسطنطينية أثناء حصارها (هل الملائكة ذكورأم إناث) ؟
هكذا ينشغل الغباء العربي اليوم ( هل أنت شيعي أم أنت سني ).
كما إنشغل العرب بالماضي  فضاعت الأندلس وفلسطين.
وجاء دور القدس والجولان السورية الأن.
ويأتيك المتنبي قبل ألف عام عندما قال :
نامَت نواطيرُ مِصرَ عن ثعالِبها *** فقد بَشِمنَ وما تُفنى العناقيدُ…
وهذا هو حال العرب والعروبة الأن.
في هذه المُقدِّمة  أشير إلى زيارة وزير خارجية أميركا ( بومبيو )إلى لبنان، ذلك الرجل العسكري خريج الأكاديميَّة العسكريَّةالأميركيَّة ويست بوينت الذي نقل رسالة دبلوماسيَّة عسكريَّة في آنإلى كل من يهمه الأمر في لبنان.
ما نقله للإدارة اللبنانية وزير خارجية أميركا ليس موضوع مُقدِّمتيالأن.
بل الذي يُهمني القصد من الزيارة التي قام بها وزير خارجية أقوىدولة بالعالم إلى وليد جنبلاط ( بصفته زعيم درزي من لبنان ليسإلا ) أمَّا بيت القصيد الأخر مِن قصد الزيارة، معروف لدى شيخعقل طائفة الموحِّدين الدروز في فلسطين الشيخ موفق طريفويتعلق ( بالجولان  السورية ).
نصيحتي لأهلي وأبناء عشيرتي ( الموحِّدين الدروز في بلاد الشام) لا تستعجلوا الحِكم على هذه الزيارة ولا تبنوا إفتراضات أوحلول، لأن الآراء تضاربت  ولم تعد واضحة بسبب أنَّ المنطقةالعربية  إختلط فيها الحابل بالنابل.
لذلك نأمل من الزعيم وليد جنبلاط أن يجري مُقابلة تليفزيونيَّة معمُقدِّم  برامج رصين  لا يُجيد فن الاستعراض التلفزيوني ولا يُتقنالقهقهات البهلوانية، بل يُحسن فن سبر غور أفكار هذا الزعيم ليستنبط بعض المكنون الذي يُقلق دروز بلاد الشام خاصة أهلنا فيسوريا وفلسطين وبالأخص الجولان.
هذا ما عندي.
والله ولي التوفيق.
في المُدونَّة سلطان باشا الاطرش يقف جنباًالى جنب مع عُظماء العالم.
تاريخ ولادته : ٥ آذار ١٨٩١م.
تاريخ وفاته : ٢٦  آذار ١٩٨٢م.
قائد جيوش الثورة الوطنية السورية،
كاتب أهم وثيقة في التاريخ العربي الحديث، تتألف من ٤ كلمات :
الدين لله، والوطن للجميع.
سلطان باشا الاطرش شخصية عربية فذَّة، لم يُنصِفها التاريخالعربي الحديث، بل بقيث صفحة غير مكتوبة من مجلَّد عربيضخم، يتضَّمن قصص عدم الوفاء وما أكثرها.
في ليالي سوريا المكفهرَّة هذه الأيام، حيث  يُخيِّم الظلام الدينيوالدنيوّي على أرضها التي تشهد وتسرح  وتمرح في مُدنها وقُراها، ودساكرها، جماعات مُسلَّحة  تعيث بطول البلاد وعرضهاتخريباً  ونهباً وتدميراً.
تارةً باسم الدين، وطوْراً  باسم الحُريَّات، فأُستبيحت الحُرُماتالاسلامية والمسيحية على حد سواء، وطاولت دور العبادة والمقامات الدينية، وأشتعلت الحروب الطائفية والمذهبية دون وازعمن ضمير أو أخلاق.
في هذه الظروف المؤلمة، حيث تغطي سماء سوريا  طائرات مندول الكون، ترمي الحمم والاحقاد وتُغذِّي النعرات دون هوادة.
أتذكَّر سلطان باشا الأطرش كما يتذّكر أهالي جبل العرب السوري( جبل الدروز ) اليوم قائد جيوش الثورة الوطنية السورية، الذي لوجرى تطبيق جزءاً من إعلان  الثورة التي نادى بها والقائلة :
( إلى  السلاح، إلى السلاح ) بتاريخ ٢٣ أب ١٩٢٥، والمتضمنهمبدأ :
( الدين لله والوطن، للجميع )
في الدساتير التي تلَت الاستقلال، كانت سوريا  وغيرها من البلادالعربية، قد تجنَّبت هذه الحروب الأهلية الطاحنة.
هذا الإعلان الذي نادى به سلطان الاطرش، يماثل في عنفوانهإعلان الاستقلال الأميركي الذي كتّبه :
Thomas Jefferson  في وثيقة الاستقلال :
 Declaration of Independence،  في ٤ تموز ١٧٧٦م.
هذا الإعلان، طبَّقته الولايات المتحدة الأميركية، في دستورهاالصادر بالعام ١٧٨٧م، حفاظاً  وتكريماً لشهداء استقلال أميركا.
وحتى أكون صادقاً، أستأنست في دراستي عن سلطان باشاالاطرش بالمراجع العربية، ولم أجد ما يُشبع نهمي، لأنَّ  بعضالمؤرخين العرب الذين كتبوا سيرة هذا البطل، كانوا من المرتزقةالمأجورين.
وحتى أصل الى خواتيم بحثي، إعتمدت على المؤرِّخين الفرنسيينوالانكليز أكثر من أقرانهم العرب، نظراً للمصداقية المبنية  علىحقائق تاريخية أغفل عن تدوينها مؤرخوا تلك الحقبة من العرب،بإعتبارهم مؤجورين لطمس الحقائق عن هذه الثورة، ومبادئها.
في الغرب، لكل ثورة بطلٌ واحد، يُساعده رجالات عظام، فهذاجورج واشنطن بطل الاستقلال وأب الولايات المتحدة الأميركيةدون منازع، ومنذ وفاته تعْمَدْ حكومات الولايات المتحدة علىتعظيمه، دون إشراك أحد في زعامته المطلقة.
وحتى لا تضيع مبادئ الثورة، يجري تقنينها بمواد مُضيئة بالدستور الذي يُعتمدْ، حتى يجري تطبيقها بعد الثورة، لان الأرواحالتي زُهقَت والشهداء الذين سقطوا على مذبح الحرية، يجب تكريمأرواحهم  وتضحياتهم بمواد تحفظ استمرارية وزخم الثورة.
أمَّا عند المؤرخين العرب، فإنَّ بطل الاستقلال  يعتمد في كل دولةحسب معايير تناسب الحاكم، الذي إستولى على  الحِكٓمْ  بعدالاستقلال.
من المعايير التي طُبِّقت في تأريخ  وتدوين الاستقلال عند بعضالدول العربية الآتي :
 -/ إعتماد التوازن الطائفي لتحديد أبطال إلاستقلال.
 -/  إعتماد المكان الجغرافي لإنتقاء أبطال الاستقلال.
وبسبب هذه المعايير الفضفاضة في تحديد بطل الاستقلال دونسواه، تضيع المبادئ الحقيقية للثورة التي أعلنها في وقتها القائد اوالبطل، كما ضاع هذا المبدأ ( الدين لله والوطن للجميع )الذي أعلنهسلطان باشا الاطرش في الدساتير المُتلاحقة والمتعدِّدة في سورياوحتى في غير بلد عربي.
دائماً  في دراساتي التاريخية لا أعتمد على سرد السيرة الذاتيةللشخصية التي أتناولها بقدر ما أهتم  الى أيام معدودات من حياةهذه الشخصية، وعمَّا إذا كان لها تأثير في مجرى التاريخ، كالايامالقليلة من حياة خالد بن الوليد لمَّا اجتاز الصحراء ما بين العراقوسوريا في خمسة أيام لنجدة جيوش المسلمين في فتح الشام.
كذلك مسيرة  General  Sherman  التي ساعدت على إنهاءالحرب الأهلية الأميركية.
كذلك، قيادة  General  Patton لأسرع جيش في العالم فيالحرب العالمية الثانية.
من هذا المنطلق يدور بحثي عن بطل الاستقلال في سوريا.
إنَّه  من دون شك سلطان باشا الاطرش، في إعلانه إلى  السلاح،إلى السلاح بتاريخ ٢٣ أب ١٩٢٥ حيث حدّد الآتي :
– وحدة البلاد السورية.
– قيام حكومة شعبية.
– جلاء الجيوش الأجنبية.
– تأييده مبادئ الثورة الفرنسية.
– الدين لله، والوطن للجميع.
يهمني من إعلان سلطان باشا الاطرش هذا المبدأ :
الدين لله، والوطن للجميع ..
أنَّه يُشبه إلى  حدٍ  كبير، ما تضمَّنه الدستور الأميركي عن الدين،والذي ما زال من يُثيره او يفاخر به الى يومنا هذا على حسابالاديان الاخرى، يُعتبر  جريمة إتحادية، Federal Crime
هذا المبدأ، لو جرى إعتماده، في الدساتير التي تلت الثورة، والتيتغيرَّت وتبدَّلت على مرّ الزمن، كانت سوريا بالذات أنقذّتها هذهالمادة،  وكان حتماً هذا المبدأ، سيّغير مجرى التاريخ.
 -/ بتاريخ ٢٥ أيلول ١٩١٨، لبَّى سلطان الاطرش نداء الثورةالعربية الكبرى بقيادة، الشريف حسين، وقام مع إخوانه المجاهدينباحتلال قلعة بُصرى الشام.
 -/ وفي نفس السنة من العام ١٩١٨، إشتبك مع الأتراك والالمانفي تلال المانع، على مشارف دمشق.
 -/ دخل دمشق في ٣٠ أيلول من العام ١٩١٨م. ورفع العلمالعربي فوق دار الحكومة. وهو أول علم عربي يُرفرف في سماءدمشق بعد احتلال دام ٤٠٠ سنة من قبل العثمانيين.
يعتبر مؤرخو الغرب أنَّ  سلطان الاطرش هو أول إنسان رفع العلمالعربي بعد قرون من الاستعمار، ولم يحظ هذا اليوم بأي قيمةتاريخية حتى في سوريا.
 -/ في ٢ تشرين الاول ١٩١٨، دخل الامير فيصل دمشق، ومنحسلطان الاطرش رتبة عسكرية ( باشا ).
 -/ هبَّ لمساعدة ونجدة الزعيم يوسف العظمة في معركة ميسلون،ولكنه لم يفلح باعتبار أنَّ  المعركة قد حُسمت قبل وصوله.
 -/ لم يتمكن من إقناع الملك فيصل بإقامة دولة عربية في سوريالمقاومة فرنسا، لأنَّ  حسابات الملك فيصل تختلف عن حساباتسلطان باشا الاطرش، وقد غادر الملك  حيفا على متن طرّادإنكليزي.
 -/ بعد إنكسار ثورة شمال سوريا بقيادة ابراهيم هنانو، لجأ هنانوالى سلطان باشا الاطرش، الذي أوصله الى عمَّان.
 قصة المجاهد أدهم جنجر :
ثار سلطان باشا الاطرش على فرنسا بنطاق واسع، عندما ألقَّتالقوات الفرنسية القبض على ادهم خنجر، ( المُتَّهم بمحاولة اغتيالالجنرال غورو )، عندما كان بضيافته  في بلدته القرّيا.
كان سلطان الاطرش وقت إلقاء القبض على أدهم خنجر خارجبلدته، لانه لو كان في بلدته القريَّا لما تجرأت القوات الفرنسية علىهذا التصرُّف.
طالب سلطان باشا الاطرش بإطلاق سراح أدهم خنجر، لكن لميُستجب طلبه،
فهاجم وإخوانه المجاهدين القوة الفرنسية، ومن هنا بدأت الثورةالاولى بالعام ١٩٢٢.
قاد الثورة الكبرى بالعام ١٩٢٥م. حيث أعلن شعاره  الشهير الدينلله والوطن للجميع، وتمَّ اختياره قائداً  عاماً لجيوش الثورة الوطنية.
عمَّت الثورة أرجاء الوطن السوري، وامتدت الى البقاع اللبناني،واستولى الثوّار على قلعة راشيّا.
أرسل قائد الثورة السورية رسلاً  الى الملك عبد العزيز آلِ سعود،وإلى الملك فيصل الاول، وإلى مصر وفلسطين للتأكيد على وحدةالكفاح العربي، ووحّدة الهدف لمتابعة الثورة.
لم يلق الرسل التجاوب، لأنَّ  الحسابات الإقليمية والشخصية تختلفعن حسابات هذا القائد، كما أشار إليها  في إعلانه المحدَّدة أهدافهومراميه ( الوحدة … الخ. )
كانت نظرته للأمور الوطنية تختلف عمَّا يُخطط لهذه البلاد العربيةمن تقسيم وتفتيت، وللأسف لم تتوقف المُخططات  الموضوعة،والتي ساعد على تنفيذها دون شك بعض من أهل الوطن.
بعد المنفى، عاد سلطان باشا الأطرش إلى سوريا، فاستقبلته دمشقفي ١٨ أيار ١٩٣٧ إستقبال الأبطال. وأُقيمت الحفلاتوالإستقبالات حيث نال سلطان الأطرش حقه منها.
وقد أقامت له الحكومة السورية في مسقط رأسه القريَّا مكتبةونصَب تذكاري.
أما غير ذلك، لم تنل مبادئ الثورة أي تدوين في الدستور، أوالدساتير اللاحقة، وبذلك ضاعت دعائم بناء الوطن وفق تصوُّر قائدالثورة في غياهب الزمن.
لو طبقَّت مبادئ ثورته في الدساتير اللاحقة، ودُوِّنت نظرتهالشمولية للأوضاع التي كانت تُهدِّد  الكيان بعد هزيمة السلطنةالعثمانية البائدة وسلطة الانتداب الفرنسية، كانت الأمور حتماًخلاف ما هي عليه الآن.
إن الفرص التاريخية لا تتكرَّر، كانت البلاد العربية قبل الثورةالسورية بقيادة سلطان باشا الاطرش ترزح تحت نير العثمانيينالبغيض، الذين وأدوا الحريات طيلة أربعة قرون متتالية، وكانتالشعوب  العربية في ذلك الوقت تطمح الى الحريات ولا تعنيهاالخلافة بالمعنى الديني الضيق، الذي كانت تمارسه السلطنةالعثمانية، والتي أرخت ظلالاً  من الفساد على جميع المستوياتالدينية والدنيوية.
والملاحظ، أنَّ  مؤرخِّي العرب زوَّروا التاريخ  بعد أنهيار السلطنةالعثمانية، بأن قالوا أنَّ العرب حينذاك، كانوا توَّاقين الى خلافةإسلامية، وهذا كذب وهراء تاريخي، لان المؤرخين الأجانب قالواعكس ذلك، كما أوضحت أعلاه.
لم تؤخذ مبادئ ثورة سلطان باشا الاطرش.
ولم تطبَّق شعاراته التي أطلقها منذ حوالي مئة عام على أي دستورمن الدساتير التي فُرضَّت على سوريا وغير سوريا من البلادالعربية.
اليوم وبعد حوالي ١٠٠ عام، ما زلنا  نرزح تحت ثقل المؤامرات،والتي كانت تُحاك سِراً  لإخفاء  الصبغة  المذهبية في الدين الواحد،وأصبحت الحرب اليوم علناً وجِهاراً بين السنة والشيعة العرب،وإستفاقت بعد ١٤ قرناً على حرب ضروس، تدور رُحاها فيالعراق وسوريا.
وأنهي بحثي بالقول، توماس جفرسون مات ولكن وثيقته لم تمُت.
سلطان الاطرش مات، ولكن للأسف وثيقته ضاعت، وهذا ماتشهده سوريا من فصول الضياع التي لم ولن تنتهي.
فيصل المصري
أُورلاندو  / فلوريدا
٢٦ أذار ٢٠١٩م.
المرجع :
المُدونَّات الفيصليَّة
كتاب ( الموحِّدون الدروز عبر التاريخ )
الطبعة الأولى : حزيران ٢٠١٨م.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى