أبو شادي ( قصة قصيرة )
وداد طه
وقع الرفُّ فوق الغاز ذي العيون الثلاث. اختلط السكّرُ بالدقيق والبنّ، وببقايا عصارة الحمّص المسلوق، التي اندلقتْ من الطَّنجرة بالأمس. لعن أبو شادي الساعة. وبحنقٍ حاول أن يعيد إلى المرطبانات بعضًا من المساحيق البنّيّة والبيضاء. سيكلّفه ذلك قضاءَ ساعةٍ إضافيّةٍ في التنظيف، وثروةً لشراءِ البديل. لم تعد منار تأتي لتساعدَه في أعمال البيت، منذ اكتشفتْ أنّه ينام مع صبحيّة في الأيّام التي لا تزوره فيها.
في اليوم السابق، وبينما هو يسلق الحمّص ويحلم بصحن”مشَوْشَة” ساخن، أطلّت أمّ مرعي من شبّاك بيتها في المخيّم، في ذلك الزّقاق المعتم الذي يسمّى “زقاق الواحد” لأنّه لا يتسّع إلّا لمرور شخصٍ واحدٍ فيه. قالت المرأة الستّينيّة، وهي تحاول أن تحصل على بعض الحمّص المسلوق: “شو يا أبو شادي عم تعمل مشَوْشة؟” تأفّف الرَّجل. يعرف تمامًا أنّ أولادها يرسلون إليها من الدانمارك حوالاتٍ شهريّةً تكفي المخيّمَ كلّه حمّصًا باللحمة، وهو منذ تقاعد من العمل في “المنظّمة” لا يملك إلّا معاشَه الزّهيدَ الذي تعطيه إيّاه المنظّمة، وهو يكاد لا يكفيه خبزًا، وبعضَ فاكهةٍ يقتصد في أكلها، وأوقيّةً من اللحم كلّ أسبوع.
مسح البنَّ وآخرَ ما تبقّى من حبّات السكّر الذائبة فوق الغاز. ألقى الممسحةَ جانبًا. صبّ قهوتَه على عجل، وخرج وهو ينفث دخانَ سيجارته. استقلّ سيّارتَه المرسيدس الصفراء. منذ أكثر من سنة يَعِد نفسَه بتغيير الفرامل الرّخوة. لا بدّ من أنّ عين أمّ مرعي تجعل المالَ يهرب من يديه وكأنّه ماءٌ يندلق. “لعنة الله عليكِ يا إمّ مرعي، يا عمّي من وين طلعتلي ختيارة النّحس؟” قال بصوته الأجشّ وكأنّه يحدِّث شخصًا أمامه. ثمّ انطلق.
الشارع الرئيس في المخيّم مزدحم، وموعدُه بعد أقلّ من عشر دقائق. كان عليه أن يسلك طريقًا فرعيّةً، لكنّ تلك الزواريب الضيّقة لن تسعَ سيّارته. فكّر لحظةً، ثمّ ركن السيّارة في كاراج الأونروا (وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين). أبو إيّاد رفيقُ الصِّبا، وسيسمح له بأن يتركَها في باحة المركز ساعةً ريثما يعود. لقاءُ اليوم مصيريّ. شكر أبا إيّاد، راسمًا على وجهه علاماتِ الامتنان الممكنة كلّها. قال مازحًا: “بكرا على صحن فول؟” علا صوتُ أبي إيّاد متحمّسًا: “عامر يا أبو شادي. برجعة شادي وعليا، إنْ شاء الله.”
خفتت ابتسامتُه قليلًا، ولكنّه لم يسمحْ لشيء بأن يعكّر مزاجَه. رفع حاشيةَ بنطاله الجينز، كيْلا تتّسخَ من الوحل الذي يغطّي شوارعَ المخيّم صيفًا شتاءً.
***
عرف هنادي حين كان يافعًا جدًّا. كانت المرأةَ الوحيدةَ التي هزّت رجولتَه. التقاها قبل عشرين سنةً تقريبًا في جلسةٍ من الجلسات التي كان التنظيمُ يعقدُها دوريًّا. بدت شرسةً، ناريّةً، سليطةَ اللسان. انتقدتْ بحدّةٍ بعضَ القرارات. قالت إنّ القائد قد “سها عن حقيقة الوضع الميدانيّ،” بعدما صار “يزور القصورَ وينام على وسائدَ مخمليّة.” وحين زجرها قائدُ التنظيم مهدِّدًا، قالت:
– عيب على شرفنا نخسر فلسطين مرّتين. ما بكفّي؟! الناس شبعتْ قرارات، بدّها تعيش متل الخلق. الشباب عم تهاجر، أو بتتسلّم للمخابرات، والكلّ ساكت وعارف مين الّي بسلّمهن! إنتو كلّ الّي عم تعملوه تسكّتوا فلان بشويّة مصاري، وعلْتان برتبة. أيّ رُتَب هاي الّي قاعدين توزّعوها والحرب من عشرين سنة خلصتْ، وإحنا فشْكة ما طخّينا بوجّ إسرائيل؟
سكتتْ ثانيةً وأضافت:
– أيّ قيادة بدكو يّانا نمشي وراها عالموت؟ يلعن أبوها على أبو الي بدّه يردّ عليها، منّي وجرّ…”
لم يوافقْها يومَها أحد. زمجروا وغضبوا، أسكتها الجميعُ بليّ شفاههم، وهمهماتهم، ودفاعهم عن قرارات “القيادة الحكيمة التي تعرف مصلحةَ الشَّعب أكثر منها.” أبو شادي أيضًا خالفها الرّأي، لكنّه لم يتفوّه بأيّ كلمة. اكتفى بالنظر إليها وهي تدافع عن فكرتها بحرارة. واشتهاها!
تأمّل صفحةَ وجهها الطّوليّ وهي تنفث دخانَ سيجارتها بلامبالاة.شعرُها المجعّد منحها قوّةً. حاجباها أشبهُ بسطريْن ممحوّيْن. خدّاها صخرتان ناتئتان. شفتاها ممتلئتان. عنقُها أقربُ إلى الغلظة، تضع فيه قلادةً فضّيّةً صغيرة على شكل قلب. صدرُها هزيل، يَبين من شقّ قميصها الأبيض، الشفّاف نسبيًّا. لم يرَ أيًّا من نساء المخيّم ترتدي مثلَ هذا القميص يومًا.
أنهت سيجارتَها، فمدّ يده إليها بواحدةٍ جديدة. تناولتْها وقالت بنظرة من عينيها الواسعتين: “كمان صرتو تدخّنوا روثمانز؟! الله يرحم.” استفزّته جملتُها الهازئة. قال بحدّة: “قميصك هاض، جاي فيه من الجبهة حضرتك؟” التفتتْ بجسمها كلّه نحوه وقالت كأنّها ذئبة: “إسمعْ، مين ما كنت تكون، مش إذا سكّتوني بكون معكم حقّ. إنتو بعتوا القضيّة، وبدّكوا يانا نلبس لبس جبهات؟! لو بعدْ في جبهات وطخّ، أنا بفجّر الكنيست الإسرائيلي. بس قيادتك بطّلتْ!”
انفضّ اجتماعُ التنظيم. كانت أوّلَ المنسحبين. خلّفتْ وراءها تلك الهمساتِ عن “تأديبٍ” قريبٍ في حقّها. أطفأ أبو شادي سيجارتَه على عجل، ولحقها بسيّارته. ناداها، لكنّها لم تكترث لنداءاته ولا لزماميره الكثيرة.
ليلًا، جاءه عارف، مسؤولُ التنظيم. طلب إليه أن يحضّر فنجانَ قهوة. جلس الرّجلان. شعر أبو شادي أنّ عارفًا يخفي أمرًا. لم يطل انتظارُه؛ فما إنْ أحضر ركوةَ القهوة، حتّى قال عارف وهو يمدّ يدَه إلى الفنجان: “حلوة هنادي، بس مغرورة. مفكّرة حالها مارغريت ثاتشر!” لم يعلّقْ أبو شادي. رشف قهوتَه وأبقى الفنجانَ في يده. نفث عارف دخانَ سيجارته وقال بنبرة قاطعة: “إجا أمر فيها!” استوضحه أبو شادي بنظرة متسائلة. فأضاف الرّجل:
– تتصفّى…
بلع أبو شادي ريقَه. بقي فنجانُ القهوة فوق كرشه الصغير. يدُه ارتجفتْ. شعر أنّ في رأسه مروحةً تدور، وأنّها تصبّ في ظهره عرَقًا باردًا. لم يمهلْه عارف. نهض، ثمّ رمى سيجارتَه على الأرض، وداسها. وحين حاذى الباب قال: “الليلة!”
تأبّط أبو شادي بردَ الليل وخرج. السماء تخلّت عن نجومها. حتّى الواوي، الذي اعتاد أن يُقلق المخيّمَ بعوائه من الجبل المحاذي، سكت ليلتَها. مشى، لا شاردًا تمامًا ولا واعيًا تمامًا. كان بيتُ هنادي في طرف المخيّم لجهة الجبل، وكان عليه أن يمشي نحوه مُخْفيًا وجهه بحطّة. وصل بابها. كانت تجلس على الدرَج. قالت حين التقت عيناهما: “لا أدري لمَ عرفتُ أنهم سيختارونك أنت!”
لم يصدّقْ أبوشادي عينيه. كان عليه أن يصفّيها ثمّ يرحل، وها هي تنتظره، وتحدّق في عينيه، وتقف مادّةً يدَها وتقول: “تعال لجُوّا قبل.” مشى مسحورًا وراءها، يقتفي عطرَها. راح يلمس ظهرَها وهي تفكّ أزرارَ قميصها الأبيض، ويدسّ رأسَه تحت عنقها ويلويها صوبه بقوّة. وها هي تتلوّى، تنتفض، تشهق، تضغط زنادَه، وتقول: “الآن!” وها هو ومضٌ خاطفٌ يلمع، ثمّ دوّى المكانُ كلّه وكأنّ نيزكًا سقط فيه.
مرّت أيّام لم يخرج فيها أبو شادي من بيته. لكنّ أخبارَ مقتل عبد العزيز، قائدِ أحد التّنظيمات المسلّحة، وصلتْه. سمع أمّ مرعي تقول إنّ سيّارته تحوّلتْ إلى هيكلٍ من حديد متفحِّم، وإنّهم لمّوا قطعَ لحمه المشويّ من فوق سطوح البيوت. تساءل إنْ كان ذلك التوقيتُ مجرّدَ صُدفة، أمْ أنّ عارفًا كان على علمٍ باغتيال عبد العزيز، فاستغلّ تلك الليلةَ لتصفية هنادي كي لا يثير ضجّةً حول مقتلها.
حين التقى الرّجلان بعدها بأيّام، تجاهل عارف تلميحَ أبي شادي إلى الخلاف بين التنظيم وعبد العزيز. ناوله مبلغًا صغيرًا قال إنّه مكافأة “للمخلصين أمثاله.” ثمّ رحل بعد أن طلب منه ألّا يغيبَ عن اجتماع التنظيم المقبل كي لا يثير الشّكوكَ حوله.
***
جلس أبو شادي في المطعم وهو يتلفّت حوله. كان قلقًا من ألّا تأتي هنادي. لقد انتظر هذا اللقاءَ أكثرَ من عشرين سنةً. لم يشعرْ بتلك الحماسة يومَ زوّجَ ولديْه، ولا بذلك الفرح حين صار جدًّا، ولا خاف أن يفقدَ أحدًا كما يخاف الآن أن يفقد الأملَ في رؤيتها ولو مرّةً أخيرةً.
الخوف الذي ما عرفه يومًا، ها هو يشرب معه القهوة ــ ــ وهو الذي حمل السِّلاحَ صغيرًا، وسمّوْه “الشّبْل.” كان يحرس المخيّمَ كلَّه، يحمل بارودتَه على كتفه، يمشي بها لابسًا بلوزتَه الكحليّة الوحيدة، متوجّهًا إلى دوريّة حراسته الليليّة. وكان في اليوم التالي يرافق زملاءه إلى المدرسة. هذا الخوف ما عرفه يومًا، حتى وهو يكسر كلَّ قواعد العمل التنظيميّ، فيهرِّب هنادي بدلًا من أن يقتلها تلك الليلة قبل عشرين عامًا!
جلستْ هنادي في الكرسيّ المقابل. لم يتصافحا، لكنّ رائحتَها وجدتْ طريقَها إلى شرايينه الكهلة. بدت وكأنّ الزمنَ لم يمرّ بها؛ فقد احتفظتْ بشعرها الأسود، بل بدت بشرتُها أكثرَ نضارةً. قال ممازحًا: “لاءمك هوا أوروبا!” ابتسمتْ وقالت: “كانت سنوات طويلة. عرفتْ انّك تزوّجت، وعندك ولدان. أنا كمان صرت أمّ لتوأمين.” سكتتْ قليلًا ثمّ أكملتْ:
– هاديك الليلة، وقت هربت، ما توقّعتْ تنكتب لي حياة أبدًا. تخبّيت فترة طويلة، لحدّ ما دبّرتْ جواز سفر، وسافرت بالتهريب لألمانيا. هناك، التقيت زوجي. ساعدني حتّى زبّطت أموري. وزيّ ما بيقولوا: “رُبّ ضارّةٍ نافعة”؛ لأني رجعت للدِّراسة، وأنهيت تعليمي الجامعي، واشتغلت. أنت عارف: ما عندي أهل هون. فما لقيتْ صعوبة بالتّأقلم. بصراحة، ألمانيا وطن بالنّسبة إلي. حمتني وآوتني. وأنت، ايش عملت؟ كيف أقنعتْهم انّك قتلتني؟
***
ركب سيّارتَه الصّفراء التي كان قد ركنها في باحة مركز الأونروا عند مدخل المخيّم. أوقفه الجنديُّ اللبنانيُّ عند الحاجز، وطلب هويّتَه. إجراء روتينيّ يحياه منذ سنوات، هو والآلاف. لكنّه بدا اليومَ خانقًا وبغيضًا. قال أبو شادي: “فتّشتني وأنا خارج، ما بتعرفني؟ صرلي سنين بفوت وبطلع على المخيّم، لشو كلّ هالتّفتيش هاض؟” أجاب الجنديّ: “هويّتك وبلا كترة حكي. وكلّ ما فتت بدّي فتشك.” صرخ أبو شادي: “وين الضابط؟ بدّي أقدّم فيك شكوى. صرلك كم شهر بدّك تشتري سيّارتي وعم تضايقني لتاخدها بالسّعر الّي بدّك ياه!”
على صوتِ الجلبة التي أحْدثها أبو شادي والجنديّ، خرج الضابط. استفهم منهما، فقصّ عليه أبو شادي الحكاية، وسط دهشةِ الجنديّ وإنكارِه. أخذ الضابط الرّجليْن جانبًا. قال أبو شادي إنّه غاضب، وإنّ الجنديّ لم يُردْ يومًا شراءَ السيّارة، ولكنّ هذا ما سوف يقوله في الشّكوى إنْ بقي يفتّشه يوميًّا.
***
بدت طرقُ المخيّم في ذلك الغروب قاتمةً، مشوَّهةً، باهتة. لم يطق الازدحامَ ساعة خروج طلّاب المدارس. وحين دخل البيتَ أحكم إغلاقَ الشّبّاك الذي يفصله عن بيت أمّ مرعي، وتمدّد فوق الأريكة.
لقد كره ذلك اللقاءَ، وشعر بالحاجة إلى الهرب. أراد أن يكلّم شادي وعزّة. استعاد لحظةَ همّت هنادي بالانصراف، وكيف مدّت يدَها مودِّعةً ببرود. بدت مستعجلةً، أو نادمةً على قبولها لقاءً عابرًا وغيرَ ضروريّ.
***
في المخيّم شجرةُ زيتون كان يقصدُها كلّما شعر بالضّيق. وقد كان ضيقُه لِما حصل في النّهار سَعَةَ بحورٍ، فقصدها.
قرفص ونظر نحو السماء. مرّت بضعُ دقائق، ثمّ بان في العتمة شبح. ارتعد أبو شادي، لكنّه حافظ على هدوئه وبقي في مكانه. قال الشَّبح الذي تبدّى أنّه عارف:
– كنت عارف رح ألاقيك هون. ما غيّرت عاداتك من عشرين سنة. وفيّ أنت، مع أنّك خنت ثقتي فيك.
فهم أبو شادي أنّ الرّجل علم بلقائه هنادي في المطعم، فقال: “لا سرّ في هذا المخيّم!” ردّ عارف: “إحنا منعرف كيف نضبط أمن المخيّم، ولازم نتابع كلّ إشي، ونلحق كلّ نسمة هوا كيف بتروح. هي هربتْ بوقت كان في فوضى، وما قدرنا نوصلها لأنّها بعيدة. وبس حملتْ جنسيّة ألمانيّة، صار صعب نتورّط بتصفيتها…”
ثمّ قام متّكئًا براحتيْه على ركبتيْه، وأضاف: “الغريب أنّك توهّمت أنّك بتقدر تخفي السِّرّ علينا. إحنا منعرَف كلّ إشي زيّ ما قلتلك. اعمل شو كان لازم تعمل وقتها، وإلّا دفنتك هون هلّق. هي أهانت قيادتنا وعاشت حرّة. والله أعلم ليش رجعت اليوم ما تخفي عودتها المفاجئة.”
– انت ما عندك دليل على تورّطها بأيّ شيء. ومرّ زمن طويل.
– هذا ديْن عليك. معلوماتي أنّها بتشتغل بمنظّمة مشبوهة. مش مضطرّ أشرح لك أكتر.
– وأنا مش مضطرّ أنفّذ أوامرك! أنا تنحيّت عن العمل الميداني من فترة طويلة.
– ما عندك خيار. يا بتقتلها، يا بقتلك! استهبلتْنا سنين، وحسابك عسير اليوم.
حين حاذى أبو شادي حاجزَ التفتيش على باب المخيّم، لم يلقَ أيَّ مضايقة. ابتسم له الضابط من بعيد. حيّاه وابتعد، هو وقرقعةُ سيّارته المهترئة. كان متعَبًا، وما ينتظره من عمل تلك الليلة جعله يركن السيّارةَ ويغطّ في نومٍ عميقٍ داخلها. انتبه على صوت أذان المغرب. فرك عينيه بشدّة. أحكم إغلاقَ السيّارة والصندوق الخلفيّ. قصد بيته. صبّ فنجان قهوة باردة. حمله ووضع بعض الحمّص البارد في صحنٍ مكسورٍ عند طرفه. رشّ قليلًا من الملح والكمّون فوقه، والتهمه بسرعة.
***
حين أحكم الليلُ غطاءه فوق المخيّم، قصد شجرةَ الزّيتون. حمل المعولَ وراح يحفر قربها. أنزل الكيسَ من صندوق السيّارة. ناء بحمله، لكنّه كوّمه دفعةً واحدة في الحفرة. نظر إلى الجثّة الملفوفة بإحكام في قماشٍ أسود. لم يتمهّل ولا شعر بشيء. أهال التّرابَ، وأعاد المكانَ كما كان.
***
طوال الأعوام التي تلت موتَ أبي شادي، ظلّ النّاس يتناقلون حكاياتِ بطولته، وخصوصًا في تلك الليلة التي تصدّى فيها لإنزالٍ برّيّ وحده، فقتل جنديًّا إسرائيليًّا ودفنه تحت شجرة الزّيتون.