آنجو ريحان… استحي على حالك
تأخذ المسلسلات الرمضانية حيزا كبيرا من إهتمام المشاهد العربي، العمل الجيد والجميل هو الذي يعرض في رمضان، والأعمال الأخرى تبقى مجرد نجاحات خجولة لا تحمل الكثير من الأهمية، ولا حتى المتابعة إلا في بعض الحالات الإستثنائية، وكأننا اختصرنا معاني هذا الشهر بكمية الأعمال الدرامية التي تعرض، والتي تنال حصة كبيرة من البذخ الإنتاجي الذي لا نراه في الأعمال الأخرى خلال السنة..
وباتت متابعة المسلسلات عادة رماضية مرافقة لا تقل أهمية عن السحور والإفطار، وتحول المشاهد إلى ناقد فني يراقب النجوم الذين حضروا على المائدة الرمضانية لهذا الموسم ويتساءل عن اولئك الذين غابوا.. هذا العام كانت للأعمال الدرامية نكهة خاصة، والسباق الرمضاني المصري غاب بريقه أمام الإنتاجات اللبنانية السورية المشتركة.. في خضم هذه الزحمة الإنتاجية، وتدافع النجوم على حصد الألقاب الأولى، ظهر عمل مختلف في الشكل والمضمون، قصة واقعية إلى حد الخيال، وصادقة إلى حد الحقيقة، تخطت من خلالها كارين رزقالله جميع المقارنات، وتنافست مع ذاتها، وأخذت ركن خاص، حيث اختلطت فيه المشاعر والأحلام مع الماضي والآلام..
“أنتي مين”، هو السؤال الذي أخفقنا من طرحه على أنفسنا في السابق، نحن الجيل الذي ولد في الحرب وتربى بين أحضان من حاربوا وقدسوا القضية، قبل أن يستفيقوا من كابوسهم ويعلمون أن ما ضحوا من أجله مجرد سراب، كذبة صدقوا معانيها حتى أضاعوا حياتهم بحثا عنها..
شكل هذا العمل مفارقة حقيقية لجهة الموضوع والطرح وحتى المعالجة، وخرج من حلبة المنافسة وجاء مغردا خارج السرب، لا يشبه إلا ذاته ولا ينتمي إلى فصيلة الأعمال اللبنانية التي عهدناها..أنت مين سؤال يجوز طرحه على كل شخصية في هذا العمل، كل حالة ترسل في ملامحها وملابسها وتصرفاتها إشارات حقيقية تجعلنا نطرح عيها هذا السؤال..
قلبت كارين رزقالله من خلال القصة والنص والحوار، مختلف المقاييس، وقدمت نموذجا جديدا من الأعمال الدرامية، التي تشبه في شكلها ومضمونها، حياة المشاهد البسيط والعادي بعمقها وصدقها وعفويتها.. جاء المسلسل متكاملا في مختلف عناصره، قصة، نص، حوار، موسيقى، إخراج وكذلك اختيار الفنانين، ما أعاد الينا الأمل بأننا صناع فن حقيقي إذا أردنا أو متى أردنا.
لكن وعلى هامش هذا الإستثناء الذي زرع في داخلنا الرضا وأعاد الثقة بأننا قادرين على صناعة فن حقيقي، جاء استثناء من نوع آخر جسدته آنجو ريحان، من خلال شخصية امرأة حقيقية تشبهني وتشبه جارتي وصديقتي وقريبتي،هنا وهناك، وفي أي مكان وزمان، امرأة لبنانية بامتياز، تجمع بين حب الظهور وبراءة الحياة التي لا تحتاج الكثير حتى ترضيها.. آنجو كانت العلامة الفارقة في هذا الموسم، ونجحت في تجسيد ثنائية رائعة مع كارين، كانت النكهة الخاصة التي منحت هذا العمل المزيد من الواقعية، وجعلته يشبهنا في الكثير من تفاصيله.. آنجو ريحان عنجد استحي على حالك بقى، لا يجوز أن تبقي خارج المنافسة في الأعمال الدرامية، ولا يحق لك أن تخصصي موهبتك الرائعة في الأعمال المسرحية فقط، من حقنا عليك أن نتابعك في أعمال كثيرة ومستمرة وليست موسمية.. تجسدين خلال هذا الدور حياة نساء موجودات داخل كل اسرة في المجتمع اللبناني (إن لم نقل العربي)، غنية كانت أم فقيرة. هذه العفوية في التصرف والتحدث والحركة، أمحت الحدود بينك وبين المشاهد، الذي شعر وكأنك تتحدثين عن مشكلة عائلته بالتحديد لا غيرها.. لا يحق لك الإبتعاد عن الشاشة الصغيرة، تكفينا فنانات السليكون ونحتاج إلى خريجات معهد الفنون، ومسرح العبقري يحي جابر، نحتاج إلى مواهب حقيقية عفوية وصادقة، تشبه واقعنا، وتنقل معاناتنا من دون تكلف أو تصنع.. “بدي طلق، بشتري سكريبنات وبرجع بطلقو”… وهل هناك أصدق من هذه الصورة، كل امرأة في لحظة غضبها تقول هذا الكلام لوالدتها، جارتها، صديقتها، تطلب الطلاق ألف مرة، وتتحدث مثلك بهذه الشفافية الرائعة والأداء الراقي..
“أنت مين”، قد يكون خطوة مهمة في حياتك الفنية على غرار “حكي نسوان”، لكن هذا لا يكفيني كمشاهد أبحث عن عفوية في الأداء، بساطة في الحوار وعمق في القصة، أحتاج إلى نجوم تستحق الصدارة لكنها ما زالت تقف في الخلف، إلى متى ستبقى آنجو الإضافة القيّمة والممتعة لأي عمل فني، سينمائي كان أو درامي، ألم يحن الوقت بعد لتحمّل بطولة مسلسل متكامل نتفاعل فيه مع كل حركة وكل كلمة وكل تصرف تقومين به، عمل يشبهنا في يومياتنا ومشاكلنا وحتى مظهرنا واسلوب حديثنا..
صديقتي آن لك أن تكوني نجمة الصف الأول وآن لك أن تكوني البطلة المطلقة فأنت تستحقين.. لم أتابع يوما عمل من كتابة كرين رزقالله بهذا الشغف، التطور والإبداع والسرعة في توالي الأحداث منح العمل جاذبية مشوقة، فضلا عن اعتماد النص البسيط السهل والمحكي، ما أضاف صفة الصدق على هذا المسلسل، وأخيرا وليس آخرا إستعادة وجوه اشتاقت اليها الدراما اللبنانية، وإختيار كادر متميز من النجوم، أخذ كل شخص دوره المناسب الذي يشبه شخصيته من دون قصد، فجاء هذا التناغم الرائع لهذه المقطوعة الدرامية الاستثنائية “انت مين”..
تحية إلى كل من آمن بالفن رسالة للتغيير، وتحية إلى كل من يملك الأمل في إحياء أنقاض هذا البلد المدفون، خاصة الثقافية منها.. الفن رقي وثقافة وإزدهار هنيئا لنا بهذه النماذج التي لم تيأس ومازالت تحلم بلبنان مختلف..
كفا عبد الصمد