لماذا الحكومات اللبنانية المتعاقبة أهملت اعتماد نظام BOT رغم العروض الكثيرة التي تلقتها؟

صدى وادي التيم – رأي حر بأقلامكم

بعد تَقلُّص آمال لبنان في الحصول على مساعدات مالية وقروضٍ مُيسَّرة، وفي ظلّ الصعوبات الكبيرة التي تُواجه حكومة تصريف الأعمال لاحتواء الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية القاسية، وعدم قدرتها على تمويل الاستثمارات اللازمة لتطوير المرافق العامة الحيوية واستحداث مرافق جديدة، تقبع البلاد تحت وطأة تركة ثقيلة من الدين العام وتخلّف الخدمات الأساسية، في ظلِّ موجةٍ مخيفة من الغلاء الفاحش والبطالة وفقدان بعض المواد الأساسية وانهيار سعر صرف العملة الوطنية.

وفيما تراجَع حجم الاستثمارات المحلية والأجنبية في قطاعات الإنتاج والخدمات إلى أدنى حدوده، يبرز التساؤل حول إمكانية إيجاد مخارج للأزمة الحالية والسُبُل الآيلة إلى إنقاذ البلاد من تداعيات الانكماش الاقتصادي ومخاطر الركود في مختلف قطاعات الإنتاج، في ظل الموارد الحكومية المحدودة وتقييد حركة أموال القطاع الخاص في المصارف، حيث تبدو الحاجة ملحّة للبحث عن مصادر تمويل تعمل كمُنشّطاتٍ اقتصادية، من دون الحاجة إلى الاقتراض الخارجي الذي بات صعب المنال بعد إعلان تخلّف لبنان عن دفع ديونه السيادية.

إن معالجة الأزمات الاقتصادية لا تتم بالانكماش ووقف مشاريع البنى التحتية، وإنما بالدفع نحو الاستثمار في القطاعات الحيوية والسعي إلى توسيع مجالات الإنتاج وزيادة حجم الناتج المحلي الإجمالي GDP لتحقيق فائض إيجابي في ميزان المدفوعات، ووقف مسلسل العجز في موازنة الدولة.

في هذا المجال يتبين جليا مدى تقصير الدولة:

في تنفيذ الاستثمارات الأساسية اللازمة لدفع عجلة النمو، ومدى عجزها عن استقطاب الدعم المالي الخارجي لأسباب اقتصادية وسياسية. ولكن..

هل من حلول لهذا المأزق؟

وهل علينا التسليم بهذا الواقع المرير؟

إن تجارب الدول التي مرت بظروف مشابهة تثبت أن فرص التعافي تبقى مُتاحة عبر الإستفادة من حيوية القطاع الخاص المحلي والأجنبي، من خلال تحفيزه للدخول على خط تنفيذ المشاريع العامة الضرورية وفقاً لنظام البناء والتشغيل العالمي المعروف بـ (  BUILD, OPERATE, TRANSFER – B.O.T)، وترجمته ”بناء – تشغيل – نقل ملكية” حيث تتبنى الشركات الخاصة وفق هذا النوع من العقود تطوير او إنشاء المرافق العامة المستهدفة وتتعهّد صيانتها وتشغيلها، الى أن يحين موعد تسليمها للدولة عند انتهاء آجال استثمارها، وهو بالمناسبة نظام عالمي مُعتمَد في أغنى دول العالم وأكثرها تطوراً، بمعنى أنه ليس وصفة خاصة بالدول الفقيرة او النامية.

تظهر أهمية هذا النوع من التعاون مع القطاع الخاص في نواحٍ عدة أبرزها:

* تحسين ظروف عمل الاقتصاد وزيادة قدرته الاستيعابية، وتوفير البيئة المُناسبة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية؛

* إدخال استثماراتٍ جديدة بتمويل داخلي وخارجي، والاستغناء عن إنشاء ديون جديدة وتحمل كلفة خدمتها؛

*  الاستفادة من خبرات القطاع الخاص في إنشاء وتشغيل المرافق العامة ونقل التكنولوجيا الحديثة إلى داخل البلاد؛

* إتاحة فرص عمل جديدة وتنشيط السياحة ودورة الإنتاج.

ان اعتماد هذا النظام التطويري يعتبر خشبة الخلاص لتنفيذ المشاريع الأساسية التي طال انتظارها والتي قد يطول انتظارها أكثر إذا ما استمرّ الحال على ما هو عليه، وهنا يحق لنا التساؤل عن أسباب امتناع الحكومات المتعاقبة عن الترخيص لهذا النوع من الأعمال على الرغم من العروض الكثيفة التي تلقتها من جهات عديدة، وعن مدى الضرر الاقتصادي والاجتماعي الذي نتج عن إهمال هذه الفرص التنموية الهامة؟!

إننا بحاجة ماسة الى خطة إنماء وازدهار وليس الى مشاريع إعادة إعمار، فالبلد لم يتعرّض لحرب مدمرة او زلزال لا سمح الله، وما زالت كل مقومات نهوضه موجودة اذا توفرت الإرادة وسلمت النيات.

نحن بحاجة إلى إدارةٍ سليمة وقيادة فذة تملك الخبرة والرؤية وإرادة العمل والنهوض، نحتاج إلى قيادات وطنية… وطنية فقط.

* سليم مهنا

مصرفي وباحث مالي واقتصادي لبناني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى