استقالات جماعية تضرب “القومي” وحردان يتأهب للعودة

وليد حسين – المدن 

يتسم تاريخ “الحزب السوري القومي الاجتماعي” (1932- 2018) بوصفه سلسلة متواصلة من الانشقاقات والانقسامات وإعادة التوحيد. اليوم، يعيش هذا الحزب مجدداً أزمة استقالات متوالية لأعضاء في مجلسه الأعلى. فبعد استقالة تسعة أعضاء على دفعتين من هذا المجلس، أبرزهم أنطون خليل وجبران عريجي، يبدو أن هناك دفعة ثانية من الاستقالات في الأيام المقبلة. وإذا كانت الاستقالات التسع أدّت إلى شلّ عمل المجلس المؤلّف من 17 عضواً، فإن إعلان استقالات إضافية قد تُدخل الحزب في أزمة مصيريّة، خصوصاً في ظل تلويح البعض بإعلان حالة طوارئ، يعتقد القوميين أنها غير محقّة دستورياً.

سلاح الاستقالة

بعد الحلول التي توصّل إليها الحزب العام الفائت إثر أزمة استقالة الرئيس السابق علي قانصو، على خلفية اتّهامه بخرق دستور الحزب، لكونه عمل على المزاوجة بين منصب رئاسة الحزب وتوليه منصب وزاري في الحكومة، من دون أخذ موافقة المجلس الأعلى.. عادت وتجدّدت الاعتراضات على الرئيس حنا الناشف، الذي كان من المفترض أن يكون وجهاً توافقيا يُجمع عليه القوميون. لكن التسوية التي قضت باستقالة رئيس المجلس الأعلى محمود عبد الخالق والرئيس قانصو، ليحل مكانهما “الأمينين” أسعد حردان والناشف، لم تدم طويلاً. إذ بدأ المعترضون داخل القيادة بمطالبة الناشف بالاستقالة، للذهاب إلى انتخابات حزبية مبكّرة، وأقدموا على الاستقالة للدفع بهذا الاتجاه، إسوة بما حدث في حملة الضغط على قانصو للتخلي عن منصبه الحزبي.

اللجوء إلى سلاح الاستقالات لتغيير الرئيس اختبره “القومي” مراراً في السنتين الفائتتين. بدأت بمحاولة حردان تجديد ولايته الرئاسية، ورفض المحكمة الحزبية لها. ثم تبعها انتخاب قانصو خلفاً لحردان واستقالته السريعة بعد تصاعد موجة الاعتراض عليه. ووصلت إلى انتخاب الناشف وتصاعد الاصوات المعترضة عليه.

وإذا كان المعارضون يصرّون على الذهاب إلى انتخابات مبكرة، ظنا منهم أن الوضع الحالي مؤاتٍ لهم، يبدو أن القاعدة الحزبية في مكان آخر. فالأخيرة، التي بات عدد وافر منها خارج الأطر التنظيمية بسبب تراكم المشاكل الداخلية التي يعاني منها الحزب. هذه القاعدة ترى، وفق قول عضو ناشط من المعترضين، أن “قيادة الحزب بتلاوينها كافة باتت تتعامل مع مشكلات الحزب على أساس ردات الفعل، ولا تملك تصوراً واضحاً لمعالجة الأزمة”.

أسعد حردان دوماً

يرى المعارضون بأن هدف الناشف من محاولة تعديل دستور الحزب وتقصير ولاية المجلس الأعلى، هو دعم لمساعي حردان الدائمة بالسيطرة على الحزب. فالأخير لا يريد الذهاب إلى انتخابات حالياً، ويفضّل إجرائها بعد سنتين كي يتسنى له العودة إلى رئاسة الحزب.

في المقابل نفى عميد الاعلام معن حمية وجود خلافات داخل القيادة الحزبية معتبراً أن الاستقالات التي قدمها بعض القياديين، والتي لم يبتّ بها بعد، أمر طبيعي ويحدث داخل أي مؤسسة. ففي حديثه إلى “المدن” أكّد حمية أن “وجود آراء مختلفة داخل الحزب أمر طبيعي، ولا تؤثر على مسيرة الحزب الوطنية. فالحزب ما زال فاعلاً في الحياة السياسية ومستمراً في النضال كما في السابق لبناء الدولة العلمانية وتحقيق العدالة الاجتماعية. أما مسألة تعديل الدستور حتى لو حصلت فهي شأن داخلي وتتم وفق الأطر الدستورية، ولا تعكس أزمة داخلية يعيشها الحزب كما تصوّر الوسائل الإعلامية المغرضة”.

التذمر بواسطة “الواتساب”

أمام الأزمة التي يعاني منها الحزب بدأت القاعدة تتساءل عبر رسائل “الواتساب” يتناقلها القوميون عن إذا ما كانت قيادة الحزب “تملك القناعة والإرادة كي يبقى الحزب السوري القومي الاجتماعي قادراً على النهوض بالأمة السورية، واذا ما تزال تمثّل القدوة للقوميين ومحط ثقتهم”. ويستغربون من أنّ “الكثير من أعضاء القيادة يعتقدون انهم قادرون على التلاعب بعقول وعواطف القوميين بأنهم غير مسؤولين عن الخراب الذي طال جسم الحزب”.

لا يشكّك القوميون في التاريخ النضالي لجميع أعضاء القيادة الحالية، لكنهم يعتقدون أنها “باتت في مكان والقاعدة في مكان آخر”. فـ”الخروج عن المبادئ التي وضعها أنطون سعادة وتبني الديموقراطية التمثيلية لإختيار اعضاء القيادة أدت إلى الخراب الحالي الذي لحق بالحزب. فعوضاً عن تبني الديموقراطية التعبيرية، التي تشترط فهم وادراك واقع الجماعة كما أرادها سعادة، في اختيار القيادة، أدّت عملية تجميع المندوبين لانتخاب القيادة في المؤتمر العام إلى نشوب الصراعات الشخصية والجنوح بالرغبة في السيطرة على الحزب. وما يحصل حالياً ليس صراعاً سياسياً على دور الحزب ومستقبله السياسي بل هو “قوم تا أقعد محلّك”. لقد ابتعدت القيادة عن هموم القوميين وباتت تتلهى بالمناكفات السياسية اللبنانية وتبحث عن مقعد نيابي أو وزاري من هنا وهناك. وقد أدت هذه الصراعات الشخصية إلى تفاقم مشاكل الحزب الداخلية وابتعاد القوميين عنه. وهذا ما ظهرته نتائج الانتخابات النيابية، حيث لم يحصل الحزب على أكثر من 24 الف صوت في جميع الدوائر الانتخابية”.

لم تتضح بعد تداعيات الأزمة التي يمرّ بها الحزب، وإذا ما كانت عابرة، وتُحلّ بتقديم الناشف استقالته، إسوة بما حصل مع قانصو العام الفائت، لا سيما أن حردان ما زال يملك رصيداً قومياً لا يستهان به، أم أن الحزب قد يشهد انشقاقاً غير معلن. فرغم اعتراف القوميين بسيرة الناشف الذاتية، إلا انهم يعتقدون أنه غير قادر على التعاطي مع المشاكل التي يمرّ بها الحزب حالياً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى