جنبلاط: لن يتمكن أحد من اقتلاع المختارة
تقاطرت إلى قصر المختارة السبت ظهراً وفود من مشايخ الدروز ضمت أعياناً وهيئاتٍ روحية واجتماعية وقضاة من المذهب الدرزي، ورؤساء لجان وأعضاء من المجلس المذهبي الدرزي، ورئيس مؤسسة العرفان التوحيدية الشيخ علي زين الدين وأركان ومشايخ المؤسسة، ومشايخ من منطقة المتن وباقي مناطق الجبل وحاصبيا ووادي التيم.
وكان في استقبال الوفود رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس اللقاء الديمقراطي النائب تيمور جنبلاط، إلى جانب وزير التربية والتعليم العالي أكرم شهيب ووزير الصناعة وائل أبو فاعور، والنائبان فيصل الصايغ وهادي أبو الحسن، وأمين السر العام في الحزب التقدمي الاشتراكي ظافر ناصر، ومستشار النائب جنبلاط حسام حرب.
وخلال اللقاء ألقى الشيخ علي زين الدين كلمة “وفاء لدار المختارة وإعلان الوقوف إلى جانبها في كل المحطات السياسية والوطنية، وقال: “أملنا كبير بحكمة وليد بك في التعاطي مع القضايا التي تهم الطائفة، ويقننا أنه لن يتمكن أحد من إدخال الفتنة إلى مناطق الجبل، ولدينا كل الحرص على أن تكون كلمتنا واحدة ويدنا واحدة بين كل الشرفاء والخيّرين، وأن المشايخ سيكونون دائماً على مسافة واحدة من الجميع، وليكن معلوماً بأننا لن نسير مع أحد قد يأخذنا إلى مشاريع أو اهداف لا نعتادها، أو يبدّل المسار أو التاريخ أو استخدامنا لأغراض خاصة. ليس لنا أي أهداف، كلنا واحد ومصيرنا واحد ونعتمد على القادة الشرفاء. وهذا البيت يجمع رجال الدين من كل الطوائف. فالمرحوم الشيخ أبو حسين محمود فرج الشيخ العلم الذي لم يأت الزمن بمثله كان يقول “لا أمر في المختارة دون زيارة دار المختارة”. واتمنى على الجميع عندما تكون ضرورة زيارة الدار دوماً لجمع الكلمة ووحدة الصف. وإذ نحن ضد التفرقة على الإطلاق فإننا مع السياسة الحكيمة المتبعة هذه الأيام التي أظن أنه لن يتمكن غير وليد جنبلاط من حمل هذه الأمانة الملقاة على عاتقه كما يحملها هو، وهذا البيت هكذا تاريخه. كما أن المرحوم الشيخ أبو محمد جواد ولي الدين أمضى حياته عندما يحتاج الأمر كان يزور الدار للتشاور واتخاذ القرار المناسب. وفي هذا المجال نأمل من بعض الآراء أن تكون مستندة إلى حقيقة لتجاوز المرحلة التي نمر بها بالوحدة والتضامن”.
مكارم
ثم تحدث القاضي غاندي مكارم باسم منطقة المتن، ناقلاً تحيات شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن، وقال: “أنْ نزورَ دارَ المختارة فأمرٌ ليس بغريب، فهي المقصَدُ والملجأُ لأبناء الجبل، في أيام الشدة كما في أيام الرخاء، وأنْ يؤُمَّها المشايخُ الأجلَّاءُ في كلِّ حين، مباركينَ دورَها الوطنيّ، وناهلينَ العزمَ من مواقفِها، فهو الواجبُ وهو الوفاء، وها نحن اليومَ نأتي إليك يا وليد بك، من الشوف والمتن وكلِّ الجبل ووادي التَّيم، ومعَ عائلة الأخ الشيخ مازن لمع، الشابّ المعروفيِّ الموحِّد، الذي ما توانيتَ عن احتضانِه والوقوفِ إلى جانبِ أهلِه، وهو مَن ثارت به النخوةُ المعروفيَّة واحتدمت في قلبه الحميَّةُ وتغلَّبت فيه، في لحظة العنفوان وردَّة الفعل، حرارةُ العقل وانتفاضةُ الكرامة على سكون الحلمِ ورجاحةِ الحكمة، لا لسببٍ شخصيٍّ خاص، بل من أجل الطائفة والدين والكرامة العامَّة، وهو الشيخ الواعدُ الرزينُ الملتزم، وطالبُ العلم المثقَّف، ليدلَّ ذلك بوضوحٍ وأسى، على حجم الإساءةِ المعنويّة بحقِّ المجتمع والوطن، التي سبَّبها ويسبِّبُها بعضُ الإعلام المُسيء والمتفلِّت من قيود الأدب والأخلاق والرسالةِ الوطنية”.
واضاف: “لْيعلَم القاصي والداني أن هؤلاء القوم الذين يُمثِّلُهم مازن لمع وإخوانُه ورفاقُه، هم أشرفُ الناس وأخلصُ الأبناء للوطن، إذ همُ الموحِّدونَ الأتقياءُ الذين تربَّوا في بيوتِهم الجبليةِ المحافظة على الإيمان والتسامحِ والسلام، والذين اعتادوا أن يضحُّوا بالغالي والنفيس من أجل حفظِ الأرض والعرض والكرامة، هؤلاء ليسوا قطَّاعَ طرُقٍ ولا معتدينَ على أحدٍ ولا خارجينَ على القانون، وقد تعلَّموا من مشايخِهم الأجلَّاء ومن مواقفِكم المشرِّفة، يا وليد بك، أن يكونوا بُناةً للوطن، وحماةً للثُّغور، وأن يعيشوا المواطَنةَ الصالحة واحترامَ النظام العام في دولة العدالة والمساواة تحت سقف القانون، الذي يُفترَضُ فيه أن يُطبَّقَ على الجميع، ويُفترضُ في المؤتَمنين عليه أن يردعوا كلَّ مَن تسوِّلُ له نفسُه التطاولَ على كرامة الناس وحقوق المجتمع والمسِّ بالمشاعر الدينية والاجتماعية والإنسانية للمواطنين والطوائف”.
وتابع: “إننا معَ دولةٍ تصونُ حقوقَ الناس وكراماتِهم كي لا يضطرُّوا إلى محاولة صونِها بأيديهم، كما فعل الشيخ مازن لمع هذه المرَّة، وأملُنا بكم يا وليد بك أن تعالجوا الأمرَ بحكمتِكم، وقد قدَّمتُم دعوى بحقِّ التلفزيون المعتدي، ونحن نرى أن الوقتَ للعمل والموقفِ الشجاع كما فعلتُم، وليس للمزايدات والمجاملات مع الجديد ومعَ غيرِه كما يفعلُ بعضُهم اليوم، في ما أنت تكرِّسُ حرصَك العالي على الشرفاء أمثال مازن ورفاقِه، وعلى الدولة والقانون والرسالةِ الإعلامية الصحيحة على حدٍّ سَواء”.
وختم،”لكم الشكرُ، كلُّ الشكر، ومنَّا الوفاءُ، كلُّ الوفاء، باسم عائلة مازن وإخوانِه وأهلِه، على أملِ أن تضعَ الدولةُ حدَّاً لمثل هذا الاستهتار الإعلامي، والاستفزاز والسخافات، ولتبقَ المختارةُ دائماً صمَّامَ الأمانِ والقلبَ النابضَ بالعزَّة والكرامةِ والإباء.. عِشتُم وعاش الحقُّ وعاش لبنان”.
ابي المنى
ثم القى رئيس اللجنة الثقافية في المجلس المذهبي الشيخ سامي أبي المنى كلمة المشايخ، وقال: “عندما تموجُ العمائمُ البيضاءُ في المختارة يكون الحدَثُ تاريخياً، وإن كانت لم تغبْ تلك العمائمُ عنها يوماً من الأيام، فالمختارةُ دوماً في قلب الحدَث وفي قلبِ التاريخ، أن لم تكن هي الحدَثَ والتاريخَ ودائماً عنها الحديث”.
أضاف: “وها نحن اليومَ نزورُ دارَ المختارةِ العامرة لنؤكِّدَ بما لا يقبلُ الشكَّ على رسوخ الانتماء وعمقِ الارتباط ومتانة العلاقة، وذلك “صوناً للوحدة وحرصاً على درء الفتنة وصوناً للكرامة”، كما يقولُ رئيسُ مؤسسة العرفان الشيخ علي زين الدين، ولنقولَ لوليد بك ولتيمور بك من ورائه وإلى جانبه، في هذا المنعطفِ التاريخيِّ الدقيق إنَّ هذا الجبل هو أساسُ الوطن، والمختارةَ هي أساسُ الجبل وركنُ أركان الوطن، بما قدَّمته من تضحياتٍ جِسام، لا يُنكرُها إلَّا الجاحدون، أمَّا الأوفياءُ من أبناء العروبة والوطن فيعرفون أن زعامةَ المختارة كانت وستبقى دائماً بعون الله تعالى وبمؤازرة أرباب التوحيد والتقوى، وبهممِ الرجالِ الشرفاء، وبمواقفِ قيادتِها التاريخيةِ المشرِّفة، وبفكرِها الإنسانيِّ التقدُّمي، ستبقى منارةَ الجبل ومحجَّةَ الوطنِ والأُمَّة؛ زعامةً لم تقُل يوماً أنَّها تمتلكُ الجبل، ولم تدَّعِ حصريةَ الزعامة، وهي تُدركُ قبل غيرِها أن للتاريخ حقَّه وللبيوت العريقة احترامَها، ولكن عليها أن تتحمَّلَ مسؤوليةَ النهوض والقيادة الحكيمة لكي تبقى قويَّةً وتستمرَّ قي صعود”.
تابع: “ما نرجوه دائماً وما يتمناه مشايخُنا الأجلَّاء، هو أن تبقى هذه الدارُ مفتوحةً للجميع، جامعةً أبناءَ الجبل الموحِّدينَ دون تفرقة، وهي التي ما بخلت على أحدٍ من أبناء الوطن بالمساندة إلى أي عائلةٍ انتمَى، وما دافعت يوماً إلَّا عن الكرامة والوجود ووحدة الطائفة بأسرِها، في أحلك الظروف وأدقِّها. وما يأملُه مشايخُنا أيضاً هو أن تستمرَّ المختارةُ على الدوام حاضنةً للعيش المشترَك في رحابِ الجبل والوطن، وواحةً توحيديةً رحبةً للمحبة والتسامح والأخوَّة، بما أرسته من أخوَّةٍ توحيديةٍ إسلاميةٍ مسيحية، امتدَّت من الإقليمِ إلى الجبلِ والساحل والوادي الأزهر وكلِّ الوطن، والتي تجلَّت أخيراً، وليس آخِراً، في إعادة بناء كنيسة الدُرِّ ومسجدِ الأمير شكيب أرسلان في المختارة، ليحرسا معَ خلوة القطالبِ ومزار الشيخ حصن الدين قصراً من كرامةٍ قبلَ أن يكونَ قصراً عتيقاً من حجر.
وقال: “حُيِّيتَ يا وليد بك، لنا الثقةُ بحكمتِك ومواقفِك ونهجِك الوطني، ثقةٌ تتجدَّدُ كلّما حاول المتنكِّرون إيذاءَ الطائفة وتحجيمَ دورِها، وكلّما تألَّبَ الطامحون الطامعون، وكلّما تجنَّى الإعلامُ الفالتُ المتهوِّر، فنحن وإن كنَّا مع حرية الإعلام إلَّا أننا ضدَّه في ما يُثيرُ الفتن ويطال الكرامات والحقوق، وإذا كنَّا لا نرضى بأي عملٍ سلبي بحقِّ وسائل الإعلام وغيرِها، إلَّا أنّنا نرى أن ما حصل كان بمثابة ردّة فعلٍ انفعالية، فيما الفعل المسيءُ والاعتداءُ المعنويُّ جاء من المحطة الإعلامية أوّلاً، وقد حملنا مبدأَ عدمِ جوازِ الاعتداءِ على أحد وعدمِ قبولِ الاعتداء علينا، ونحن بذلك نقتدي بمشايخِنا الثِّقاة، ونقفُ مثلَهم إلى جانبِكم في ما يخدمُ مصلحةَ الطائفة والبلاد، ونُباركُ قيادتَكم المظفَّرة كما باركها شيخُنا الجليل الشيخ أبو حسن عارف وشيخُنا العلم الشيخ أبو محمد جواد وسواهما من المشايخ الأعيان، راجين أن يتغلَّبَ دائماً صوتُ العقل والحكمةِ على ما عداه، وأن تنتصرَ إرادةُ الخيرِ والجَمع على إرادةِ الشرِّ والفُرقة، ويقينُنا راسخٌ أن المختارةَ ستختارُ حتماً الطريقَ الأصوب، وأنَّ أهلَ التوحيدِ والأمانة سيظَلُّون دوماً موحَّدين موحِّدين، وأنَّ شمسَ الحقِّ ستُشرقُ حكماً وستذهبُ الغيومُ العابرةُ أدراجَ الرياحِ، أن شاء الله”.
وختم،”هذا هو رجاؤُنا ورجاؤُكم، فليَكُنِ التوفيقُ حليفَكم لتحقيقِه، ولْيبقَ الحِمى مُصاناً بصونِكم، ووحدةُ الطائفة محفوظةً بأمانتِكم، حفِظَكم اللهُ وحفِظَ بكمُ كرامةَ الجبلِ والوطن. والسلامُ عليكم”.
جنبلاط
وختاماً ألقى رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط كلمة رحب فيها بحشود المشايخ، فقال: “السلام عليكم، السلام على تلك العمائم البيضاء، عمائم الحكمة، عمائم الشجاعة، عمائم التوحيد”، عمائم التسامح وعمائم العيش المشترك، مضيفاً: “سأقول بعض الملاحظات في السياسة. يظنون أنهم بالتركيبة السياسية الحالية والوزارية يستطيعون أن يعيدوا المختارة سبعين عاماً إلى الوراء، كانت المختارة عبر قرون من الزمن وهي باقية وما من أحد سيتمكن من أن يقتلع المختارة. بالرغم مما حصل وبعضهم يقول إنه لم يكن يعلم والبعض الآخر يعلم، سنتعاطى بكل واقعية وإيجابية على قاعدة الحوار والتفاعل بما جرى من أجل مصلحة الجبل والعيش المشترك ولبنان”.
وقال: “في ما يتعلق بهذه الهجمة أو الرياح الشرقية، إذا صح التعبير، التي تريد أن تقسم الصف الواحد بحجج مختلفة، فلن تنجحوا في ذلك، وإذا كان هناك من ملاحظات على أداء المجلس المذهبي، على قضية انتخاب شيخ العقل وغيرها من المواضيع نحن على استعداد بالحوار الهادئ والبناء للوصول إلى نتيجة لصالح وحدة الصف”.
أما في ما يتعلق بوسائل التواصل الاجتماعي، فقال: “أعلم أنه من أصعب الأمور أن نلجم تلك الوسائل وأن نحدّ من أضرارها، لكن، أتمنى مهما قاموا من إرسال كلمات بذيئة أو شتائم ألا نجيب، نحن أعلى وأحكم وأعقل من أن نجيب وندخل في تلك السجالات التي تضر الجميع”.
وعن قضية الشيخ مازن لمع، قال جنبلاط: “أعتقد أنه بجهدي وبجهد بعض المخلصين توصلنا من أن نطالب، ولبّت قناة “الجديد”، وقامت بالاعتذار، لذلك هذا الجهد يجب أن يقابل بطريقة معينة، سيتم درسها مع الرفاق في كيفية أن يأخذ القانون مجراه ضمن الأصول، لأنهم اعتذروا منكم وأقمت دعوى، فليأخذ القضاء مجراه لأنهم حرضوا على الفتنة والحرب الأهلية، لكن في الوقت ذاته أتمنى منكم أن تتفهموا ضرورة أن ننصاع إلى القانون وندرس الطرق المناسبة والإخراج المناسب”.
أما في ما يتعلق بالرياح الشرقية، فأكد على موقفه الواضح من الموضوع السوري، قائلاً: “لا أجبر أحداً على أن يتقيد بأدبياتي تجاه النظام السوري أو الموضوع السوري، أعلم أن الأواصر الاجتماعية والعائلية والتاريخية بين جبل لبنان وجبل العرب موجودة منذ سنوات ومنذ قرون، لكن اسمحوا لي أن أبقى في بيتي على موقفي الثابت”، مؤكداً أن “اليوم مختلف تماماً عن عام 1977، للعام 1977 ظروف قاسية كانت أدخلتنا في تلك الحرب التي دفعنا فيها أنفسنا في مواجهة الإسرائيلي ونجحنا، لكن اليوم اسمحوا لي أن أبقى في المختارة مرتاحاً ولا أريد أن أسلك طريق الشام ولست عقبة أمامكم إذا كان هناك من ضرورة أن تسلكوها”.
أضاف جنبلاط: “في ما يتعلق بسياسة الحزب في التصدي لهذه الموجة الليبرالية التي تريد أن تجتاح مفاصل الدولة سنتعاطى بكثير من الهدوء من أجل الحفاظ على الملك العام ونرفض تلك الخصخصة المتوحشة التي لم يشهدها لبنان منذ زمن، نرى كيف أن الخصخصة تطيح بأنظمة كانت مستقرة، هذه هي فرنسا اليوم ولأكثر من شهرين يكون التظاهر في كل أنحاء فرنسا، لأنهم كالشرائح اللبنانية هناك فقر وحاجة إلى رعاية الدولة”.
تابع: “أتمنى أيضاً على الأحزاب التي لم تقل كلمتها حتى هذه اللحظة في ما يتعلق بالخصخصة، أن الآوان لتقوم بذلك لأن الجمهور الفقير لا يميز بين الشيعي والدرزي والسني والمسيحي”.
وختم جنبلاط متوجهاً إلى الحضور بالقول: “هذه كلماتي اليوم. شكراً لمجيئكم، المختارة ستبقى داركم من أجل التسامح، من أجل العيش المشترك، من أجل الاستمرار في وحدة الصف وبناء المؤسسات والمختارة تتشرف بوجودكم بهذه العمائم البيضاء التي كانت وستبقى تحضن المختارة”.
عامر زين الدين