عن منع كبار السنّ من القيادة في لبنان؟!
ربيكا سليمان
الإشكالية المطروحة هنا، عالمية. أبحاثٌ ونقاشاتٌ وآراء مختلفة جرت وسُجلت ولا تزال في عدد من البلدان، لكن لا خلاصة واحدة وثابتة وصحيحة. “هل يجب منع كبار السنّ من القيادة؟”، هو السؤال. بل الأصح: “متى وجب على الأشخاص عموماً التوّقف عن قيادة المركبات؟“!.
من الثابت والمعروف أنّ القيادة تتطلب مهارة وإلماماً بالقوانين وحرصاً دائماً على تطبيقها وذوقاً وأخلاقاً، كما يقال. لكنها أيضاً تستوجب التمتع بصحة جسدية ونفسية جيّدة، وعليه قد يكون التقدم في العمر عائقاً يحول دون الاستمرار في الجلوس خلف المقود، سيّما في ظلّ التغييرات التي تحصل في جسم الإنسان، أبسطها ربما ضعف العضلات وعدم القدرة على التركيز مقارنة مع الماضي. ليس كبير السنّ طبعاً بشخص “ضعيف” أو غير مؤهل أو من دون قيمة، فوجب التنويه كي لا يُفهم أنّ المقصود هو المسّ بكرامته أو بحقوقه وحرية خياراته، بل إن طرح هذه الإشكالية ومحاولة الوصول إلى استنتاج أو خلاصة أو حلّ ينبعان من واقع ملموس علميّ و”طبيعي“!.
ومع هذا، وكما ذُكر آنفاً، فثمة تباينات كثيرة تطبع الإجابات على السؤال الرئيس. على سبيل المثال، خلصت أبحاث أجريت في جامعة كولومبيا أن القيادة يمكن أن تكون مفيدة لصحة الأشخاص المسنين إذ قد تحميهم من أعراض الخرف والشيخوخة بسبب دفعهم إلى البقاء في حال يقظة وتأهب، إضافة إلى أنها توّفر طريقة سهلة للخروج من المنزل والإبقاء على العلاقات الإجتماعية.
وبحسب The American Automobile Association فإن كبار السنّ يميلون إلى عدم القيادة بعد حلول الظلام أو خلال ساعات الذروة أو الطقس السيء ويتجنبون الطرقات الصعبة مثل الأوتوسترادات والتقاطعات.
وتقول AAA إنه بحلول عام 2030 يتوقع أن يكون لدى 85٪ إلى 90٪ من مجموع 70 مليون أميركي فوق سن الـ65 رخصة قيادة، وهذا ما يشكل ارتفاعاً ملحوظاً في العدد مقارنة مع العام 2009 حيث كان 33 مليون سائق فوق سنّ الـ 65 يملكون رخصة سوق.
وتفيد إحصاءات “الجمعية الأميركية للسيارات” بأنه في عام 2014 ، قتل ما يقارب 5،709 سائقاً متقدماً في العمر (أي ما فوق الـ 65 سنة) وأصيب 221،000 في حوادث المرور.
أما في عام 2009، فكان أكثر من 58 في المئة من الوفيات في حوادث الاصطدام التي تورط فيها السائقون فوق سن 65 عاما هم السائقون الأكبر سنا أنفسهم و 12 في المئة من الركاب. ثمانية وعشرون بالمائة من هذه الوفيات كانت لأشخاص في مركبات أخرى أو من راكبي الدراجات الهوائية والمشاة. وبيّنت إحصاءات العام نفسه أنّ 40% من الوفيات في حوادث المرور التي تورط فيها سائق واحد على الأقل دون سن 21 عاماً كانت بسبب السائق نفسه فيما بلغت النسبة 23% حيث قتلوا ركاباً آخرين، و36% نسبة الوفيات من الركاب في المركبات الأخرى، وراكبي الدراجات الهوائية والمشاة.
ووفق الإحصاءات نفسها، فإنّ معدلات الوفيات لدى الأكبر سناً هي أعلى بـ 17 مرة من الأطفال والأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و 64 سنة، وذلك لكونهم أكثر هشاشة.
الأكيد إذاً أنّ التغيّرات الجسدية والبيولوجية الناتجة من التقدم في العمر هي أهمّ عوامل القلق التي تدفع إلى طرح الإشكالية، بل إلى العمل على سنّ قوانين وقواعد تهدف إلى حماية جميع من هم على الطرقات. ومن هذه التغييرات: النظر، السمع، تناول أدوية تحدّ من القدرة على التركيز أو البقاء في الوعي الكامل، ردّ الفعل…إضافة إلى الحالات الدماغية مثل الخرف!
ماذا عن لبنان؟!
طبعاً، لا إحصاءات واضحة في هذا الموضوع، وبالكاد تُطرح هذه الإشكالية على طاولة البحث. على أرض الواقع، كثيراً ما نصادف سائقين من كبار السنّ يجلسون خلف المقود، وفي أغلب الأحيان، يقودون ببطء وفي منتصف المسلك، وفي بعض الأحيان تترنح سياراتهم يساراً ويميناً. بالطبع، لا يمكن التعميم ولا وضع الجميع في خانة واحدة، علماً أنّه في الواقع، ثمة أشخاص في سنّ الثمانين يقودون أفضل من أفراد في عمر العشرين والثلاثين!
بحسب رئيس الأكاديمية اللبنانية الدولية للسلامة المرورية كامل إبراهيم، فإنّ “مسألة أهلية شخص ما لقيادة مركبة على الطرقات مرتبطة بعدّة أمور منها وضعه الصحيّ”. ولا ينفي في حديث لـ “لبنان24” أنّ “الكبار في السنّ قد يكونون معرضين لمخاطر أكبر نظراً إلى أوضاعهم الصحية وخصائص تلك المرحلة العمرية”، بيد أنه يلفت إلى أنّ “البلدان التي تقوم بتحديث قوانيها أو تضع قواعد جديدة إنما تفعل ذلك بناء على أبحاث ودراسات وإحصاءات وحاجات”، مشيراً إلى أنه “في فرنسا، يُعطى كبار السنّ دفاتر سوق تخوّلهم القيادة في نطاق جغرافي محدد (مثلاً في داخل البلدة وليس على الطرقات السريعة) وذلك لمساعدته على تلبية احتياجاته وتأمين السلامة المرورية في الوقت نفسه”.
في لبنان، لا دراسات معمقة متعلقة بهذا الموضوع، لكن الأكيد، بحسب ابراهيم، أنّ “المشكلة تكمن في عدم تطبيق قانون السير كما يجب“.
يشرح: ” بحسب القانون الجديد يجب تجديد رخص السوق بناء على معايير خاصة منها الفحوصات الطبية، إلا أنّ ما يحصل للأسف هو أنّ نتائج تلك الفحوصات الطبية قد لا تكون دقيقة وواقعية كونها تُعطى في بعض الأحيان من دون كشف طبي حقيقي، وبالتالي كيف لنا أن نعرف ما إذا كان شخص ما، ولا سيّما المتقدم في العمر، قادراً ومؤهلاً حقاً للقيادة”؟!
إنها المعايير إذاً. المعايير التي لا تزال برأي ابراهيم بحاجة إلى التطوير كي ترتقي إلى المستويات العالمية، علماً أنّ ثمة تعديلات ومراجعات يجب أن تطرأ على القانون، كما أنّ هناك مراسيم تطبيقية لم تصدر بعد.
وبحسب قانون السير اللبناني الجديد، فإن “رخصة السوق تصدر عن لجنة مختصة بناء على نتيجة إمتحان السائق والتأكد أن لديه المؤهلات اللازمة ليقود فئة المركبة المرخص له قيادتها ضمن فترة صلاحية محددة شرط التقيد بالقوانين والأنظمة المرعية الإجراء ومراعاة السلامة العامة “.
ويشترط لمنح كل فئة من فئات رخص السوق المذكورة في المادة 199 من القانون توفر لدى طالب الرخصة شروطاً معيّنة بما فيها “شهادة طبية خاصة بالسوق”، و”التدريب اللازم الخاص بكل فئة مثبتا بإفادة من مدرسة تعليم القيادة التي درس فيها”، و”اجتياز امتحان السوق وفقا للقواعد والإجراءات المبينة في شروط امتحان السوق“…
وبحسب المادة 212، فإن الشهادة الطبية الخاصة بالسوق التي يعود تاريخها لأقل من ثلاثة أشهرتحدد أن صاحبها يتمتع بالميزات الجسدية والعقلية، لا سيما حاستي السمع والبصر التي يتطلبها سوق المركبات، وأنه في حالة صحية تسمح له بسوق فئة أو فئات المركبات. وُتحدد شروط إعطاء هذه الشهادة بقرار من المجلس بناء على اقتراح اللجنة على أن يشمل القرار الحالات الصحية والإعاقات البدنية التي لا تتفق وشروط نيل رخصة السوق وتلك التي يمكن إعطاء أصحابها رخصة سوق بشروط معينة.
وفي موضوع التجديد، فإن المادة 205 ( : المعدلة بموجب القانون رقم /278 /تاريخ 15/4/2014 ) تنصّ على ما يلي:
– 1 تسري صلاحية رخص السوق الخصوصية لمدة عشر سنوات قابلة للتجديد من دون الخضوع لامتحان كل عشر سنوات حتى سن الـ /50 /، وخمس سنوات حتى سن 65 /وكل ثلاث سنوات بعد سن الـ /65 /
2 – تسري صلاحيات رخص السوق العمومية لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد من دون الخضوع لامتحان كل خمس سنوات حتى سن 50 /، وثلاث سنوات حتى سن 65 / وكل سنتين بعد سن 65
3 – في جميع الأحوال، يجب أن لا تقل فترة التجديد الممنوحة عن مدة التجديد اللاحقة المذكورة في البندين أعلاه.
في النهاية، ما هي العوامل والحالات الصحية التي قد يشكل توافرها تهديداً للسائق ولغيره في حال جلس خلف المقود؟!
– الخرف، بما في ذلك مرض الزهايمر
– مشاكل في السمع أو الرؤية
– السكتة الدماغية
– مرض الشلل الرعاش
– التهاب المفاصل
– داء السكري
– أي شروط تتطلب أدوية قد تضعف القدرة على القيادة، مثل الأدوية المضادة للقلق والمخدرات والحبوب المنومة.
ومع ذلك وجب التنويه إلى أنّ اتخاذ القرار الأنسب بشأن القيادة لا يقتصر فقط على وجود الأمراض بقدر ما يتعلق بأداء السائق وكيفية قيادته أيضاً!