صحيفة إسبانية: بعد عام على الأزمة.. هذا هدف حصار قطر
نشرت صحيفة “الكونفدنسيال” الإسبانية تدوينة للكاتبة والمحللة، إتشاسو دومينغيز، المختصة في مسائل الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تحدثت فيها عن الأزمة التي عاشها الخليج العربي التي شهدت سنة من “السلام البارد”. وفي ظل هذا الوضع، عرفت المنطقة نزعة غرور وطموحات مفرطة.
وقالت الكاتبة، في تقرير ترجمته “عربي21“، إن الأزمة التي جدت في الخليج العربي منذ سنة تقريبا، كانت الأحدّ من نوعها في تاريخ منظمة مجلس التعاون الخليجي. وفي الوقت الذي قاطعت فيه المملكة العربية السعودية وحلفاؤها قطر، تمكنت هذه الإمارة من الصمود وأثبتت قدرتها على التكيف مع الواقع الجديد. وعلى الرغم من استعداد الدوحة لمثل هذه السيناريوهات منذ أزمة سنة 2014، إلا أنها لم تتمكن من تلافي تداعيات الحصار المفروض عليها بشكل كامل.
وبينت أن أزمة الخليج وصلت في الوقت الراهن إلى ما يمكن تسميته بمرحلة “السلام البارد” بين قطر وجيرانها. وفي هذه المرحلة تحديدا، بدأت تداعيات الأزمة في الظهور على مستويات مختلفة. وعلى هذا النحو، سيشهد العالم تشكيل منطقة خليج عربي جديدة، وشرق أوسط جديد بملامح جيوسياسية مختلفة عن تلك التي تشكلت في السابق.
وأوردت المحللة أن الهدف الرئيسي للحصار على قطر يتمثل في الحد من مجال المناورة والطموحات القطرية وفقا لما تمليه أوامر زعماء دول الحصار. كما ترغب المملكة العربية السعودية وحلفاؤها في تحويل قطر إلى دولة خليجية “تقليدية” تتبع سياسة خارجية لا تتجاوز حجمها، وإلى جزيرة بأتم معنى الكلمة: اقتصاديا وجيوسياسيا وحتى ماديا.
وأشارت الكاتبة إلى أن الخوف قد خيم على المنطقة خلال اللحظات الأولى. وبعد تحليل الوضع في المنطقة، تعددت الروايات التي تنذر بعضها باندلاع حرب دامية في الخليج العربي، بينما أكد البعض الآخر أن واشنطن ستغلق قاعدتها في قطر. في ظل هذا الوضع، سعت الرياض إلى إحياء سيناريو الحرب والروايات التي تعزز هذا الاحتمال.
وأضافت أن لهذه الأزمة وتداعياتها ثلاثة أبعاد محلية وإقليمية ودولية؛ مرتبطة ببعضها ارتباطا وثيقا. وعلى المستوى المحلي، يقود كل من الأمير السعودي والأمير الإماراتي قرارات لا تترك مجالا للشك حول قدرتهما على السيطرة على مقاليد الحكم في بلديهما في مستقبل ليس ببعيد. وفي ظل نزعة الطموحات والغرور المفرطة واللامتناهية، يرى الأميران، السعودي والإماراتي، في تصرفات الأمير تميم بن حمد آل ثاني تهديدا لهما ولهيمنتهما في المنطقة.
وعلى المستويين الإقليمي والدولي، تعددت منذ بداية القرن الحادي والعشرين الأسباب التي من شأنها أن توحد دول الخليج العربي. وقد كانت ثورات الربيع العربي حاسمة للتفكير في حقيقة العلاقات بين دول الخليج العربي. وإلى جانب الاتفاق النووي، كانت الصراعات التي استقرت في منطقة الشرق الأوسط منذ سنة 2011 من العوامل التي زادت من نفوذ إيران في المنطقة، الذي يمثل بدوره الكابوس الرئيسي بالنسبة للسعودية.
وفي الوقت الذي تعتبر فيه الإمارات العربية المتحدة أن عودة الإسلام السياسي على خلفية ثورات الربيع العربي يمثل تهديدا مباشرا لها، رأت قطر في هذا التحول فرصة لكي تزيد من نفوذها في المنطقة عن طريق دعم جهات فاعلة واتخاذ توجهات جديدة. ونظرا لمهاراتها الدبلوماسية ووسائلها الإعلامية والمالية المتنامية، رأى السعوديون والإماراتيون في قطر تهديدا لهما؛ مما جعل السعودية والإمارات تتحولان إلى قوات معارضة للثورات.
وأوضحت الكاتبة أن أزمة الخليج أدت إلى تجريد منظمة مجلس التعاون الخليجي من أهميتها، وتعميق أزمة الثقة بين الدول الأعضاء؛ ما يجعل الوضع غير قابل للإصلاح. وفي ظل هذا الوضع، اضطر المجتمع الدولي إلى تعزيز العلاقات الثنائية مع كل دولة من دول الخليج العربي على حدة، بعد أن كان يتعامل معها بشكل مشترك فيما يتعلق بمسائل مثل الدفاع والتجارة.
وقد أدت أزمة الخليج العربي إلى تشكل كتلتين متعارضتين، المملكة العربية السعودية وحلفاؤها من جهة، وقطر من جهة أخرى. في المقابل، فضلت الكويت وعمان النأي بنفسيهما عن هذا الخلاف، ورفضت كل منهما أن يتم التدخل في سياستها الداخلية والخارجية على حد السواء.
وذكرت الكاتبة أنه في هذا السياق الجديد الذي يحكم منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط، تجاوزت الخلافات بين دول الخليج مسألة قطر. وعلى وجه الخصوص، لم تلاق مواقف المملكة العربية السعودية والإمارات العربية في اليمن دعما من قبل دول خليجية أخرى. ونتيجة لحياد عمان تجاه صراعات المنطقة، اختارت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية أن تعاقبها عن طريق عزلها أيضا.
ولم تقتصر هذه الأزمة على التأثير على الدول المجاورة، بل امتدت لتطال دولا على غرار ليبيا وتونس ومصر. في نفس الوقت، راقبت دول الحصار تطور العلاقات بين قطر وروسيا بقلق. كما امتد تأثير أزمة الخليج نحو الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وغيره من التحالفات والمواقف التي كانت مستقرة في السابق في المنطقة.
وفي الختام، قالت الكاتبة إن الولايات المتحدة الأمريكية لم تساهم في بداية أزمة الخليج إلا في تعميق حالة عدم الاستقرار في المنطقة. كما زاد تحيز ترامب من تعمق الأزمة، بالإضافة إلى عدم القدرة على التنبؤ بقراراته، فضلا عن التناقضات بين البيت الأبيض ووزارة الخارجية. وفي مرحلة متقدمة، باءت كل محاولات الوساطة بالفشل، بما في ذلك الأمريكية.