القرى الأمامية: معارك انتخابية فوق ركام العدوان
صدى وادي التيم – من صحف اللبنانية /
هدير صاروخين أخمدَ عصر أمس صخب المعارك الانتخابية البلدية والاختيارية في عيترون وجاراتها. في الموعد شبه اليومي مع العدوان الإسرائيلي، قتلت مُسيَّرة إسرائيلية محمد حيدر أثناء تنقّله على دراجة نارية وسط البلدة. ومن المُنتظر أن يتحلّق أهالي عيترون مجدّداً اليوم حول نعش شهيد، يضاف إلى أكثر من 150 شهيداً منذ بداية العدوان. البعض وجد في استهداف أمس فرصة أخيرة لإراحة عيترون من وطيس الانتخابات وتأمين فوز بلديتها بالتزكية.
وبخلاف غالبية البلدات الحدودية المُتضرّرة، استعادت عيترون عافيتها باكراً، إذ عادت مئات العائلات للاستقرار في الحارات المُدمّرة، فرمّمت منازلها المتضررة من التعويضات وأموالها الخاصة، وافتتحت المحالّ وزرعت حقول التبغ، فيما عملت البلدية على إعادة تشغيل محطة المياه، لكنها لم تقنع «مؤسسة كهرباء لبنان» بإعادة التيار.
أعادت عيترون ترتيب شؤونها الداخلية، باستثناء المدارس. وبقي الوضع كذلك حتى موعد الانتخابات التي خضّت البلدة. شكّل حزب الله وحركة أمل لائحة، غالبيتها من الحزبيين، ما استفزّ المكوّنات الأخرى.
ورسَت بورصة الترشيحات حتى مساء أمس على ثمانية مرشحين في وجه لائحة الثنائي، بعضهم مقرّبون من الحزب والحركة، وآخرون مقرّبون من اليسار. خلال مرحلة المفاوضات، رفض المعارضون عرض الثنائي إشراكهم في لائحة توافقية بعدد قليل من الأعضاء في المجلس البلدي (الذي يضمّ 18 عضواً) والمختَرة (سبعة مخاتير).
المشهد نفسه تكرّر في حولا، قرينة عيترون في التنوع الحزبي. جزء من الشيوعيين وافق على عرض الثنائي المشاركة في لائحة توافقية (15 عضواً). أنتجَ التوافق لائحة «العودة والتنمية والوفاء» التي ضمّت خمسة شيوعيين بينهم نائب الرئيس. لكنّ محسوبين على اليسار والتيار الأسعدي رفضوا التوافق. وحتى مساء أمس، استمرَّ ثمانية منهم في ترشّحهم.
مركبا والعديسة وكفركلا
تجمُّعان صغيران في محيط الساحة اختصرا الحركة في مركبا عصر أمس. حول آلة «إكسبرس»، تحلّق عدد من الشبان يستمعون إلى آخر مستجدات الانتخابات. عدد من رفاقهم، غادروا لحضور احتفال إعلان لائحة «تنمية ووفاء» الذي نُظّم في بيروت، حيث التجمع السكاني الأكبر لأهالي البلدة. مُرشّحان اثنان يمنعان فوز لائحة الثنائي بالبلدية بالتزكية، في مقابل ستة مرشحين يتنافسون على المقاعد الاختيارية. في الطرف الآخر من الساحة التي تَحوّلت إلى ملعب بفعل التدمير الإسرائيلي، تحلَّقت نسوة في ظل منزل متضرر، يتبادلن الشكاوى من انقطاع الكهرباء والمياه والمواد الغذائية. عودة عدد قليل من العائلات للاستقرار في مركبا المنكوبة لم تكن كافية لإعادة افتتاح أي محل.
«ابني يؤمّن لي أغراضي، عندما يزورني مرّة في الأسبوع»، تقول عبدة مبارك. جارتها زينب رضا لا تملك القدرة على تركيب ألواح الطاقة الشمسية أو إصلاح النوافذ المتشظّية في منزلها الصغير. تعتمد على دعم جاراتها لتصمد في مركبا. «كل شيء يهون مقابل عودتنا إلى أرضنا»، تؤكد نادية شهلا، التي لم يبق من منزل أهلها سوى غرفة صغيرة، اكتفت بها لكي تُنهي نزوحها القسري إلى بيروت. «يومياً، نمضي نهاراتنا معاً. نأنس ببعضنا في وحشة مركبا وعندما تَمرُّ سيارة، ينشرح قلبي»، تُعلّق مبارك.
كل من عاد بعد تثبيت وقف إطلاق النار، اعتمد على جهده الخاص. تنظر مبارك إلى مبنى البلدية المدمّر، مشيرة إلى عدم قدرتها على توفير مقوّمات العودة. «نكبتنا أكبر من البلديات التي يتصارعون من أجلها. إسرائيل لا تزال تحتل أطراف البلدة وتمنعنا من الاستقرار وإعادة الإعمار». يُعوّل الصامدون على عودة المزيد من النازحين عند انتهاء العام الدراسي. لأن الكثير لا يزال مستقراً حيث نزح بسبب التحاق أولاده بالمدارس هناك، في ظلّ تضرر المدارس الحدودية. وسط البلدة، غطّى ناصر يونس الغرفة الجاهزة التي وضعها فوق الركام، بأعلام عدد من الدول المشاركة في «اليونيفل». يعتاش الرجل من بيع بعض الجنود المواد الغذائية. وحماية لغرفته من استهداف إسرائيلي، أبلغ «اليونيفل» بأن الغرفة مستودع لبضاعته، علّها تحظى بضمانة أممية. لا يكسر هدوء مركبا، سوى رشقات نارية تطلقها قوات الاحتلال من أطرافها الشرقية، من تلة العباد أو الموقع المستحدث في الدواوير أو هدير دبابات «الميركافا» التي تتوغّل باتجاه وادي هونين.
عند مثلّث العديسة – رب ثلاثين، عرض محمد رمال بضاعته في محله الذي رمَّمه قبل أن يبدأ بترميم منزله المتضرر. بمحاذاة المحل، لا تزال محطة الوقود التي يملكها عمه محترقة بالكامل. رمال وابن عمته علي مرعي وجارهما عارف رمال، أعادوا افتتاح محالّهم في العديسة المدمرة. يومياً، يحضر عارف رمال من تول، فيما يأتي محمد من قعقعية الجسر. أما مرعي، فيأتي من كوثرية السياد.
يُقرّون بأن «الشغل مش ماشي، لكن لن نترك أرضنا وأرزاقنا». لم يستبدل الثلاثة محالّهم، بمحالّ أخرى في أماكن النزوح، كما فعل معظم أهل العديسة، ولا سيما في مستقرهم الرئيسي في ضواحي النبطية.
منهم من لم يتحمّل تكلفة الإيجار. لم يعد إلى البلدة أي من عائلاتها، ليس بسبب الدمار شبه الكامل فقط، بل بسبب الاعتداءات اليومية من موقع مسكاف عام المقابل.
لا تتوافر في البلدة أي وسيلة للعيش، باستثناء ترميم البلدية لعين المياه التي تَحوّلت إلى مصدر وحيد في المحيط. وفي مقابل الفراغ القاتل في العديسة، عادت حوالى ثلاثين عائلة إلى ربّ ثلاثين.
حسن الأسمر عاد إلى مسقط رأس والدته، بعد أن فقد كل ما يملكه في مسقط رأسه كفركلا. يستحضر مساره اليومي الخطر من ربّ ثلاثين إلى كفركلا. «طريق لم تكن تستلزم عشر دقائق. الآن، تحتاج إلى وقت أكثر وإلى مغامرة أكبر. المرور في الطريق المستحدثة في تلال العديسة وكفركلا مقابل مسكاف عام، صار مصيدة للعابرين». على وقع التحدّي اليومي الذي يعيشه الصامدون القلائل على خط المواجهة، تستعر المعركة الانتخابية. في العديسة، ثلاثة مرشحين يمنعون فوز لائحة الثنائي بالتزكية، في مقابل 11 مرشحاً على «المخترة». تأسف الأسمر لـ«الصراعات التي نواجهها. تمنّيت لو تأجّلت الانتخابات في المنطقة الحدودية إلى ما بعد الانسحاب الإسرائيلي. لا أريد أن أنتخب في المنفى»، في إشارة إلى أن بلدات المواجهة التي استُحدثت لها مراكز بديلة في النبطية: حولا في زبدين والعديسة وكفركلا في النبطية ومركبا في حبوش وعيترون في بنت جبيل.
في ظل شجرة توت، جلس خمسة رجال على طريق كفركلا – دير ميماس. «هذا آخر تجمّع بقي لنا بعد استهداف إسرائيل للتجمعات الأخرى في الساحة وعند بوابة فاطمة»، قال حسين يحيى. يقع التجمّع بجانب محطة الوقود الوحيدة التي أعيد افتتاحها في البلدة. المنطقة تعرّضت بشكل متكرر، لاعتداءات بالقنابل الصوتية استهدفت الغرف الجاهزة التي استقدمها بعض الأهالي لاستخدامها كمنازل أو محالّ. يتصدى العدو لأي محاولة للعودة في كفركلا، حيث يتعرّض كل من يقترب من الجدار الفاصل لقنبلة.
في تلك البلدة المعدومة، لا يزال سبعة أشخاص يُصرُّون على الترشح في وجه لائحة الثنائي للمجلس البلدي، فيما يترشح 17 لـ«المختَرة». لا تحمل معركة كفركلا أي عنوان سياسي. المعارضون لا يخرجون عن أجواء الثنائي.
يحيى أحد المرشحين المعارضين، يؤكد أنه «ليس ضدهم في السياسة. كُلّنا أبناء خط واحد، لكنّ ترشحي ضد آلية اختيار الأسماء التي اعتُمدت من قبل الحزب والحركة». يحيى ورفاقه تعرّضوا لحملات تحريض وتشويه لأنهم يُصرّون على «اقتياد أهالي كفركلا المُشتَّتين هنا وهناك، إلى معركة في الوقت غير المناسب».
امال خليل /الاخبار