دور لبنان في مشروع الشرق الأوسط الجديد

صدى وادي التيم – لبنانيات /
كتب العميد الركن المتقاعد نزار عبد القادر في افتتاحية اللواء:
لن يكون الشرق الأوسط بعد جولة الرئيس الأميركي دونالد ترامب على ثلاث دول عربية كما كان قبلها، خصوصاً في ظل الاستثمارات الكبرى التي حققتها، والتي ستنعش الاقتصاد الاميركي، وتخدم بالفعل شعار «أميركا أولاً»، والذي رفعه ترامب أثناء معركته الرئاسية.
يتفق المراقبون الاقليميون مع الخبراء الغربيين بأن من النتائج المباشرة لهذه الجولة تهميش اسرائيل ورئيس وزرائها نتنياهو، لتبرز نظاماً جديداً تقوده المملكة العربية السعودية يظهر، وبشكل لا لبس فيه، مدى الغضب في واشنطن ازاء توسيع نتنياهو للحرب على قطاع غزة، الامر الذي سيؤدي حتماً إلى إفشال كل المبادرات التي يقودها المبعوث الرئاسي الاميركي ستيف ويتكوف لتحقيق وقف لاطلاق النار في غزة مقابل اطلاق جميع الرهائن الاسرائيليين .
ان ما يفرّق رؤية ترامب للشرق الاوسط في ولايته الثانية، وفق ما أظهرته هذه الجولة، بأنها اقتصادية واستثمارية بامتياز، وبأنها قد تخلت عن الموروثات الايديولوجية التي جعلت من ترامب الحليف الاكبر للحكومة، الاسرائيلية اليمينية التي اعتمدت في الرئاسة الاولى ةالتي أدّت إلى نقل السفارة الاميركية إلى القدس ، وإلى الاعتراف بضم الجولان المحتل إلى اسرائيل، لكن يبدو الآن بأنه لم يعد بإمكان اسرائيل الاعتماد في قراراتها الكبرى على دعم أميركي غير مشروط، ودون أية مراعاة لمصالح أميركا في المنطقة، لقد أظهر قرار إلغاء زيارة نائب الرئيس الاميركي لاسرائيل هذا الاسبوع مدى غضب واشنطن من قرارات الحكومة الاسرائيلية بتوسيع الحرب في غزة.
يتمثل التطور السياسي الابرز في رؤية ترامب لمستقبل المنطقة باجتماعه بالرئيس السوري أحمد الشرع في الرياض وبحضور ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان، حيث انتهى الاجتماع بقرار تاريخي برفع العقوبات الاميركية عن سوريا، وإلى مدح ترامب للشرع «انه يملك الامكانات، انه زعيم حقيقي»، ويمكن النظر جدياً إلى هذا التطور في السياسة الاميركية تجاه سوريا الجديدة بأنه يتعارض كلياً مع الاستراتيجية الاسرائيلية المعتمدة بعد سقوط نظام الاسد.
يبدو بوضوح بأن نوايا ترامب ومواقفه أثناء الجولة الخليجية وبعدها لن تعني ان واشنطن ستتخلى عن سياستها ودعمها لاسرائيل، والحفاظ على فكرة اعتبارها الحليف القوي لها. وبتأييد من الحزبين الجمهوري والديمقراطي.
لكن أرادت إدارة ترامب توجيه رسالة واضحة لاسرائيل خلاصتها بأن للولايات المتحدة مصالح كبرى في المنطقة ولا يمكن اغفالها أو التخلي عنها لصالح المنافسة الصينية، والتي تبذل جهوداً ملحوظة لتكون الشريك الفعلي لأميركا في النفوذ السياسي أو على المستوى الاقتصادي. إن فحوى رسالة ترامب لنتنياهو بأنه لا يمكنه عرقلتها أو الوقوف في طريقها، من خلال التعنت الذي يبديه رئيس الوزراء الاسرائيلي أمام مبادرات وقف النار في غزة أو أمام المباحثات الاميركية – الايرانية لحل ديبلوماسي للمسألة النووية.
يبدو جلياً بأن التوتر في علاقات نتنياهو مع ترامب هو سابق لجولة ترامب الخليجية، وهو يعود أصلاً للخلاف بين الرجلين إبان زيارة نتنياهو للبيت الابيض في نيسان الماضي، حيث رفض ترامب طروحات نتنياهو بتوجيه ضربة عسكرية للبرنامج النووي الايراني، لصالح رؤية ترامب بالبحث عن حل ديبلوماسي.
في رأينا أن ترامب كان يطمح أن يحقق هدفين من زيارته الخليجية: أولاً، الحصول على استثمارات وبيعات أنظمة وخدمات دفاعية تتعدى تريليوني دولار، وثانياً انه يبدو كصانع سلام في المنطقة، من خلال رد الاعتبار للدول السنية، بالاضافة إلى العمل لاستكمال الاتفاقات الابراهيمية، وخصوصاً ضم السعودية منها – ولكن بشروط سعودية بتحقيق نهاية الحرب في غزة، وبمعاودة جهود البحث عن حل للقضية الفلسطينية، وتحديداً العودة لمباحثات حل الدولتين.
كان نتنياهو قد بشّر بقيام شرق اوسط جديد انطلاقاً من نتائج الحروب التي كان يقودها ضد حماس في غزة وحزب الله في لبنان، وأذرعة ايران العسكرية الاخرى، لكن هذا الامر لم ولن يتحقق، وذلك بسبب المتغيرات التي طرأت على السياسة الخارجية الاميركية.
أدرك ترامب بأن المملكة العربية السعودية ومعها كل من قطر والامارات قد استبدلت مفهوم النفوذ السياسي بمفهوم التنمية الاقتصادية المستدامة، في مقاربة عامة لتحديث الاقتصاد، وعدم حصره بمداخيل العائدات النفطية والغازية، مع طموحات واقعية للتطوير من خلال امتلاك تقنيات الطاقة النووية، والدخول بقوة إلى عالم الذكاء الاصطناعي.
كان اللافت جداً نجاح ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في رفع العقوبات الاميركية عن سوريا، بالاضافة إلى تمسكه بضرورة انهاء الحرب في غزة وبالعودة إلى حل الدولتين كشرطين أساسيين لقيام شرق أوسط جديد بقيادة أميركية وسعودية، مع التأكيد على الدور الرائد للرياض على حساب النفوذ الايراني المتراجع.
أسقطت زيارة ترامب للسعودية المشروع الاسرائيلي لقيام شرق اوسط جديد والقائم على مبدأ «فرض السلام من خلال القوة العسكرية» والذي يعني فرض سيطرة اسرائيل على المنطقة، ودون تحقيق السلام مع كل من سوريا ولبنان والفلسطينيين، لقد أفشلت الزيارة مشروع هندسة اسرائيل لوضع اقليمي جديد، وفتحت بذلك الباب لدور سعودي بارز في قيادة مسيرة السلام والانماء الاقتصادي بشراكة أميركية كاملة.
ولا بدّ أن نطرح السؤال حول دور وموقع لبنان في هذه الهندسة الشرق أوسطية الجديدة التي صاغتها اجتماعات الرياض بين ترامب ومحمد بن سلمان.
لم يكن لبنان حاضراً بصورة مباشرة، ولكن طيفه كان هناك مع تصريح للرئيس الاميركي حول استعادة السيادة والسير قدماً نحو الاستقرار والازدهار.
لكن لا يمكن صياغة دور لبنان في النظام الاقليمي الجديد من خلال تكرار الشعارات التي حملها خطاب القسم أو البيان الوزاري للحكومة، فالمطالب الاميركية للدولة اللبنانية تتركز على عدم الاكتفاء بسحب سلاح حزب الله من جنوبي الليطاني بل من كل لبنان، فالإدارة الاميركية ومعها الدول العربية جادة في مطالبها للحكومة والعهد بتسريع عملية التنفيذ والاستفادة من الفرصة المتاحة بعد إضعاف الحزب ونفوذ ايران.
لا يمكن للسلطة اللبنانية التمادي في لعبة التذاكي وكسب الوقت، لأن مسيرة النظام الاقليمي الجديد ستتكمل وفق الاجندة الاميركية، والتي يبدو أنها جادة في حربها على حزب الله من خلال السعي لتخفيف جميع مصادر تمويله، وهذا ما أظهرته قراراتها لقطع التمويل في الارجنتين والبرازيل والباراغوي، ان الضغوط الاميركية على الدولة من أجل اعتماد قرارات حاسمة بشأن السلاح، وذلك من خلال الزيارة المقبلة للموفدة الاميركية مورغان أورتاغوس لبيروت.
من هنا فإن السؤال الابرز يبقى معلقاً على مدى ادراك قيادة حزب الله للتفاعل ايجاباً مع سعي الرئيس عون لحل مسألة السلاح بالتفاوض والحوار بعد أن بدأ الحصار المالي وبالسلاح يشتد عليه من خلال استمرار العمليات الاسرائيلية لضربه ولاغتيال قياداته.