طباعة فئات نقدية جديدة… هل ستؤثر على قيمة الليرة؟
صدى وادي التيم – إقتصاد /
للمرة الثالثة يقر مجلس النواب تعديل قانون النقد والتسليف للسماح لمصرف لبنان بطباعة فئات نقدية أعلى ووضعها في التداول. فالتعديل الأخير الذي أقر يوم أمس في مجلس النواب يقضي بتعديل أحكام المواد من 2 إلى 8 من “قانون النقد والتسليف وإنشاء المصرف المركزي” الذي يجيز لمصرف لبنان طباعة أوراق نقدية من فئات جديدة مع الحفاظ على حجم الكتلة النقدية في السوق.
المرة الأولى التي سبق لمجلس النواب أن أقر فيها تعديلات على قانون النقد والتسليف لجهة إصدار العملة كانت في تشرين الثاني عام 1987 حين أقر إصدار أوراق نقدية من فئتي 500 ليرة والـ1000 ليرة بسبب انهيار القدرة الشرائية لليرة اللبنانية في الثمانينات علماً أن أعلى فئة نقدية كان يمكن لمصرف لبنان طباعتها قبل هذا التعديل هي 250 ليرة.
أما التعديل الثاني فكان في شهر كانون الأول عام 1992 حين سجّلت الليرة اللنانية مزيداً من الانهيار, فأجاز مجلس النواب حينها لمصرف لبنان بموجب تعديل قانون النقد والتسليف, طباعة أوراق نقدية تفوق 1000 ليرة وهي الفئات التي لا تزال سائدة حتى اليوم على الرغم من فقدان قيمتها بشكل كبير, وهي 5000 ليرة و10000 ليرة و20000 ليرة و50000 ليرة و100000 ليرة.
مخاوف من انهيار العملة؟
لم يكن مشروع تعديل قانون النقد والتسليف بالأمر المفاجئ, فمشروع طباعة فئات جديدة من العملة سبق أن طُرح من قبل مصرف لبنان عام 2023, كما سبق للنائب زياد حواط أن تقدّم باقتراح قانون عام 2022 لتعديل قانون النقد والتسليف والإجازة لمصرف لبنان طباعة فئات جديدة من العملة لكن أيا من الاقتراحات لم ير النور لأسباب ارتبطت حينها بالتخوّف من انهيار الليرة بشكل متسارع أكثر مما كانت عليه. واستمر الحال إلى أن أقر مجلس النواب بالأمس تعديلاً يتيح طباعة فئات نقدية كبيرة. فما الذي تغيّر؟ وهل من مخاوف على مزيد من انهيار العملة بعد طباعة فئات جديدة؟
اقتصادياً, لا ترتبط مسألة طباعة فئات نقدية كبيرة بالتضخم بشكل مباشر, فأثرها يتشابه مع مسألة حذف الأصفار من العملة المتدهورة, وليس لها أي أثر مباشر على الاقتصاد, غير أن المخاوف التي ارتبطت سابقاً بطباعة فئات جديدة من العملة مبنية على تجارب سلبية سواء في لبنان أو دول أخرى, تمت فيها طباعة فئات نقدية كبيرة فتركت أثراً سلبياً على العملة المحلية نتيجة تلقي المواطن الإجراء بشكل سلبي وتوجّهه فوراً لشراء الدولار بحثاً عن الأمان.
أما الوضع في لبنان اليوم فمختلف عما كان عليه في السنوات السابقة حين كانت مسألة طباعة فئات جديد من العملة تنطوي على مخاطر في ظل تدهور مستمر لليرة وفراغ سياسي وأزمة ثقة لا تزال مستمرة وغير ذلك من العوامل الضاغطة. وإن كانت تلك العوامل الضاغطة مستمرة حتى اليوم إلا أن استقرار سعر صرف العملة منذ قرابة العامين عند مستوى 89500 ليرة للدولار, وإن كان شكلياًَ, فقد أرسى بعضاً من الثقة بين المواطنين, كما أن الاقتصاد بات مدولراً بشكل شبه كامل والتداول بغالبيته يتم بالدولار وليس بالليرة, لذلك من المُستبعد أن نشهد أي ردة فعل سلبية أو إيجابية على مسألة طباعة فئات جديدة من العملة باستثناء أن الأوراق من فئات كبيرة ستسهّل على المواطنين التعامل بالليرة اللبنانية بدلاً من حمل رزمات وكميات كبيرة بين أيديهم.
الفئات الجديدة
تقنياً يرى البعض أنه كان حريّاً بمصرف لبنان حذف أصفار من العملة المتداولة حالياً لاسيما أن أكبر الفئات حالياً وهي 100000 ليرة تتجاوز قيمتها الدولار الواحد بقليل (نحو 1.1 دولار) غير أن السلطات الرسمية اتجّهت إلى تعديل قانون النقد والتسليف لإصدار مصرف لبنان فئات جديدة باعتبارها أقل تكلفة مادياً بالنسبة للطباعة. مع الإشارة إلى أن طباعة أي فئة من الفئات المتداولة حالياً بالسوق دون الـ100 ألف ليرة يتجاوز القيمة الفعلية للعملة.
فطباعة ورقة نقدية من فئة 100 ألف ليرة أو سواها توازي تقريباً تكلفة طباعة 500 ألف ليرة أو مليون ليرة وربما 5 ملايين ليرة. ومن المتوقع فور دخول التعديلات الجديدة على قانون النقد والتسليف حيز التنفيذ أن يباشر مصرف لبنان وضع آلية لتحديد مواصفات الفئات النقدية الجديدة وكيفية وكمية طباعتها بشكل لا تؤثر فيه على الكتلة النقدية الموجودة اليوم بالسوق. وبالتوازي, من المتوقع أن يصدر مصرف لبنان لاحقاً بيانات يوضح فيها حيثيات إصدار فئات جديدة لطمأنة الجمهور لجهة عدم تأثير ذلك على قيمة العملة بل تسهيلاً للتداول بها وتخفيفاً لتكلفة الطباعة من فئات نقدية صغيرة.
وفي مطلق الأحوال فإن طباعة أوراق نقدية جديدة من الفئات الكبيرة لا يمنع أنها قد تفقد قيمتها لاحقاً إذا لم يتم لجم التدهور الحاصل بالاقتصاد بما يعزّز قيمة الليرة ويكبح انهيارها الذي بدأ عام 2019.