لماذا تُرفَض الإصدارات القديمة من فئة الـ 100 دولار؟
صدى وادي التيم- إقتصاد/
كتب البروفسور مارون خاطر ما يلي :
سابقةٍ تُعاكِسُ المَنطق وتَعكِسُ الغياب الكُليّ للرقابة الماليَّة والنقديَّة، تَتَمنَّع شركات تَحويل الأموال، كما غالبيَّة التجَّار والمَحال، عن التعامل بالإصدارات القديمة من فئة الـ100 دولار! كأنَّهُ لا يكفي اللبنانيّ أن يَرَى أنَّ عُملة بَلَدِهِ باتت أقلَّ قيمةٍ من كلفة الورق الذي تُطبَع عليه، فَتَراهُ يَعيشُ هاجسَ خسارة ما تبقَّى له ممَّا لم تَسرقه المصارف وتَهدره الدَّولة.
أصدَرَ بعض المؤسَّسات والشركات تعاميمَ داخليةً مَنَعَت بموجبها موظَّفيها من التعامل بالدولار “القديم” أو حدَّدَت سنوات الإصدار المَسموح بها في مُخالفةٍ فاضحةٍ للقانون الغائب. نعم، ففي غياب الدَّولة، تتمادى المؤسسات والقطاعات في تجاوزاتها التي باتت تُشكِّل أعرافًا تحكُمُها الاستنسابية وتَغيب عنها المحاسبة. إذا كانت القوانين الأميركية لا تُحدِّد فترةَ صلاحية للدولار وَتَعتبر أن كلَّ الإصدارات صالحة للاستعمال أو الاستبدال، فكيف يجوز لنا الاجتهاد نحن “المُدَولَرين” المُتَهاوين؟ لَعلَّ أغرَب ما في الأمر هو أن جُزءاً من الدولارات “المحظورة” بفعل التفلُّت تأتي من المصارف التي لا تَملأ صرَّافاتها الآلية إلَّا مِنها. في هذا الإطار نسأل: من أين للمصارف هذه الدولارات القديمة؟ ما الذي يَمنع أن تكون هذه الدولارات جُزءًا من اموالنا المَسلوبة؟ أيُعقل ألَّا تكون المصارف تشترط شَحنَ الإصدارات الجديدة لدفع التحاويل هي التي تُحمِّل المُودعين مصاريف الشَّحن خلافًا للقانون حتى عند تطبيق التعميم 158؟ أمَّا شركات تَحويل الأموال فتُسدِّد التحاويل بالنسخة القديمة ولا تَستَلِم إلّا الجديدة رافضةً منها أيضًا فئة الـ 50 دولارًا في تصرّفٍ أقرب إلى الأحكام العُرفية منه الى المَنطِق!
لا مَكانَ للمصادفة في بلد العجائب والمَظالِم حيث نَعيش. لا يُمكن أن يكون ما تشهده الأسواق من إرباكٍ إلّا عَمَلاً مدبَّراً. أمَّا الأهداف، وإن كانت لا تزال غير واضِحة المَعالِم، فهي تَنِمُّ عن نوايا خبيثة تَستهدِف ما تبقَّى من مُدَّخرات ومن أمَلِ للبقاء. ليس افتعال أزماتٍ نفسيةٍ كهذه إلّا استكمالاً لحِصارِ اللبنانيين ومُبالغةً في تشديد الخِناق على أعناقهم وجعلِهِم يعيشون قلقاً لا ينتهي ووجعًا لا يَستكين. مِنَ المُحتمَل جِداً أن تكونَ من بين أهداف هذه البَلبَلة المُفتَعَلة والآخذة في الانتشار الضَّغط على حاملي الدولارات القديمة العهد، وهي بمعظمها مُخزَّنة، من أجل استبدالها أو استعمالها. قد يؤدِّي ذلك إلى نشوءِ سوقٍ مُوازية جديدة مُتخصِّصَة في الاستبدال فَيَخسر الدولار قيمتَه مقابل الدولار نفسه ويُعاد تَخزينُهُ مُجدَّدًا او يُصرَف خوفًا. أليس هذا ما كاد أن يحدث على أثَر شائعة روَّجت وجوب استبدال العملة اللبنانية المخزَّنة بعملة جديدة سيصدرها مصرف لبنان قبل أن يَنفي هذا الأخير الخبر؟ أمَّا المُستفيدون المُحتَمَلون، فَشَبَكةٌ متكاملةٌ تبدأ حتماً بالمصارف ولا تنتهي بالصرَّافين وبشركات التحويل. في السياسة، المُستفيدون كُثُرٌ أيضاً؛ فَمِن السياسيين من هم جُزءٌ من شبكة المصارف والصرَّافين وهُم مُستفيدون بالمباشر. أمَّا الجُزء الآخر، فمستفيدٌ من حَرْفِ الاهتمام عن فشله وعن حال التخبُّط التي يعيشُها الَبلَد المتروك لقَدَرِهِ بفعل وجوده وأمثاله
يؤدّي عَدَم تدخُّل السلطات الماليَّة والنقديَّة المُختصَّة والمُولَجَة ضبط السوق إلى تفاقم المشكلة التي باتت في مرحلة الانتشار السريع. إذا سلَّمنا جدلاً أن كميَّة الأموال المُصدَرَة قديماً ناتجة من توقّف التحويلات، فالحلُّ يكون بإصدار تعاميم تُلزِمُ جميع المؤسسات الماليَّة والتجاريَّة بالتعامل بجميع إصدارات الدولار بانتظار إعادة إطلاق عجلة الاقتصاد ودخول أموال جديدة. من ناحية ثانية، من الموجب مراقبة عملية شحن الأموال بما يضمن استبدال الأوراق القديمة والتالفة ويسمح بتجديد الكتلة النقديَّة الدولارية الموجودة في التداول راهناً. إنَّ ما تشهده سوق القطع يبدو وكأنه مُحاولةٌ لتسجيل سابقة تتمثّل بجعل الدولار يفقد ثقة المتعاملين به في الوقت الذي يُشكّلُ هو نفسه معيارًا للثقة!
إن هذه المشكلة المُستَجِدَّة برسمكم يا حكَّام لبنان، لقد أصبح بلدنا بفضلكم موطناً لفقدان الثقة… حتى بالدولار!