قراءة في فكر كمال جنبلاط
صدى وادي التيم – لبنانيات /
فكر فيها ! بقلم نقولا أبو فيصل*
مخاطر التراكم الحضاري وتحديات تحليل المعلومات: قراءة في فكر كمال جنبلاط
من المتعارف عليه أن الكم الهائل والغزارة في تدفق المعلومات عبر وسائل التواصل الاجتماعي أصبح عائقاً أساسياً امام التمييز بين الحقيقة والوهم ،وهنا تبرز أهمية التفكير النقدي كأداة ضرورية لفهم الواقع واتخاذ القرارات الصائبة . لقد أدرك المفكر الراحل كمال جنبلاط هذا التحدي منذ عقود، فكتب يقول : “على الإنسان أن يمرن عقله على التفكير خصوصاً أن التراكم الحضاري أصبح من الكثافة بحيث يصعب على الطالب أحياناً أن يميز الشيء الذي يستطيع أن يتبناه عن صواب أو يرفضه عن خطأ .” وهذه رسالة واضحة بأنه لا يكفي أن نمتلك المعرفة بل يجب أن نمتلك القدرة على التمييز بين الصحيح والزائف، بين الحقيقة والدعاية، وبين المعلومة المفيدة والتضليل الممنهج.
ولطالما كان كمال جنبلاط نصيراً للفكر
الحر والوعي المستنير، فقد رأى في التعليم والتفكير النقدي مفتاحاً لتحرير الإنسان من الجهل والتبعية . ولم يكن من دعاة التلقين الأعمى ، بل كان يؤمن بضرورة أن يكوّن الإنسان قناعاته بعد تمحيص وتحليل بعيداً عن التعصب والانجراف العاطفي . والتراكم الحضاري الذي أشار إليه جنبلاط هو سيف ذو حدين . فمن جهة، يمنحنا مخزوناً هائلاً من المعرفة يمكن الاستفادة منه في تطوير المجتمعات، لكنه من جهة أخرى يضعنا أمام تحدي الفرز والاختيار . ومع تطور التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي، بات من السهل نشر الأفكار الخاطئة والحقائق المشوّهة، ما
جعل مهمة التمييز أكثر تعقيدًا. ولتجاوز
هذا التحدي لا بد من إدخال التفكير النقدي كجزء أساسي من المناهج التعليمية . فبدلاً من تلقين الطلاب معلومات جاهزة يجب تدريبهم على تحليلها واستخدام المنطق في تقييم الأفكار .
نعم أصدقائي ، كل مجتمع يفكر بوعي هو مجتمع قادر على مقاومة التضليل، واتخاذ قرارات قائمة على المعرفة وليس على العواطف. وكما دعا جنبلاط منذ عقود إلى تمارين فكرية مستمرة، علينا اليوم أن نؤمن بأن العقل أداة يجب صقلها يومياً، وليس وعاءً يُملأ بما يُلقى إليه دون تمحيص . وهكذا لا تزال أفكار كمال جنبلاط تحمل قيمة كبرى في زمننا الحالي. لقد كان من روّاد التنوير، مؤمناً بأن الإنسان قادر على تحقيق ذاته من خلال الوعي ، التحليل والبحث لا من خلال التسليم والانقياد . ولعلّ التحدي الأكبر الذي نواجهه اليوم هو أن نطبّق هذا الفكر وأن نجعل منه نهجاً في الحياة في زمن أصبحت فيه الحقيقة بمثابة عملة نادرة .
نقولا أبو فيصل :كاتب وباحث وعضو اتحاد الكتاب اللبنانيين