خريطة الوجود الإسرائيلي في جنوب لبنان وسيناريوهات الانسحاب أضرار كبيرة في قرى الخطين الأول والثاني بعد تعرضها لقوة نارية هائلة
صدى وادي التيم – لبنانيات /
سيمنع الوجود العسكري الإسرائيلي في المناطق الجنوبية المحتلة في أكثر من 20 بلدة وقرية عودة أبنائها لها، خصوصاً بعد دخول وقف إطلاق النار قيد التنفيذ، إذ لم تدع بنود الاتفاق إلى انسحاب إسرائيلي فوري من الأراضي اللبنانية التي تقدم إليها.
سابقت النيران الإسرائيلية وكثافة الغارات التي طاولت معظم المناطق اللبنانية عملية تنفيذ بنود اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل، بل بين “حزب الله” والجيش الإسرائيلي، بعد شهرين ونيف من حرب ضروس ومواجهات أسفرت عن سقوط أكثر من 3500 قتيل على الجهة اللبنانية، يتوزعون بين مدنيين وعناصر في الجيش اللبناني ومن قوى حزبية لبنانية مختلفة، إضافة إلى عدد من مقاتلي “حزب الله”. كما دمرت إسرائيل عشرات القرى الحدودية الجنوبية وألحقت دماراً كبيراً بقرى الداخل جنوب نهر الليطاني وشماله، وفي البقاع وفي الضاحية الجنوبية لبيروت، يقدر تعويضه بمليارات الدولارات.
وثمة بلبلة في بنود الاتفاق وما يلزمه للبنان وما يتيحه لإسرائيل وما يتضمنه خارج بنوده من ضمانات أميركية لإسرائيل فيما لو خرق “حزب الله” أحد بنوده، منها حرية التدخل العسكري الإسرائيلي، لكن ما يحسمه الجدل أن ثمة 60 يوماً من الوقت الضائع أو الحساس قبل بدء الانسحاب الإسرائيلي من القرى والبلدات الحدودية اللبنانية التي احتلها خلال توغله البري العكسري في الشهرين الماضيين بمسافة تتراوح بين ثلاثة وخمسة كيلومترات في عدد من القرى الحدودية، في مقابل انسحاب عناصر الحزب من جنوب نهر الليطاني إلى شماله وإلغاء وجوده العسكري في تلك المنطقة.
سيمنع الوجود العسكري الإسرائيلي في المناطق الجنوبية المحتلة في أكثر من 20 بلدة وقرية عودة أبنائها لها، خصوصاً بعد دخول وقف إطلاق النار قيد التنفيذ، إذ لم تدع بنود الاتفاق إلى انسحاب إسرائيلي فوري من الأراضي اللبنانية التي تقدم إليها. يضاف إلى ذلك عناصر التدمير المنهجي التي لحقت بالقرى الحدودية وسوت أكثر من 20 قرية بالأرض بعدما عمدت القوات الإسرائيلية المتوغلة إلى تفخيخ ونسف ما سلم من القصف المدفعي وغارات الطيران المتواصلة التي ألقت عليها أطناناً من القذائف والصواريخ والمتفجرات فجعلتها أثراً بعد عين، مما يطرح السؤال التالي: إلى أين سيعود أبناء هذه القرى ولا بيوت لهم ولا بنى تحتية ولا سلطة لبنانية تحميهم وترتب أمورهم؟
والأهم كيف يبدو الواقع الميداني جنوب لبنان اليوم؟ في أية مناطق يتواجد الجيش الإسرائيلي؟ وكيف ستكون عملية الانسحاب المتوقعة بحسب الاتفاق؟
المرحلة الأولى من الهجوم
تعليقاً على الواقع الميداني المستجد بعد شهرين من الحرب والمعارك والتدمير، وأماكن السيطرة الإسرائيلية في المناطق الحدودية، وواقعها المستجد بعد دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، تحدث العميد الركن المتقاعد في الجيش اللبناني حسن بشروش (الذي شغل موقع رئيس الفريق اللبناني لترسيم الحدود) عن كيفية التفريق بين المرحلة الأولى والثانية وغيرها من المراحل التي أعلنها الجيش الإسرائيلي في هجومه البري على المناطق الحدودية الجنوبية، فقال إن “الإسرائيلي جزأ حربه على لبنان إلى مراحل عدة، الأولى تولت تدمير قرى الحافة الأمامية، أي القرى الملاصقة والمتاخمة للحدود، من الناقورة غرباً إلى كفركلا شرقاً، وهذا التدمير استمر شهراً كاملاً”، ويعدد العميد بشروش القرى التي دمرها الإسرائيليون في المرحلة الأولى على النحو التالي “الناقورة وعلما الشعب والضهيرة والبستان وعيتا الشعب ورميش ورامية ومارون الراس ويارون وعيترون وبليدا وميس الجبل ومحيبيب وحولا والعديسة ومركبا وكفركلا وسرده والعمرة”.
المرحلة الثانية من الهجوم
ويضيف العميد بشروش “بعدها أتت المرحلة الثانية، وهي الهجوم على قرى الخط الثاني، إذ بقي يضرب ويوسع هجومه تنفيذاً لتدمير بمسافة ثلاثة إلى خمسة كيلومترات من الحدود، من قرى الحافة الأمامية مع قرى الخط الثاني، من العامرية قرب الناقورة حيث استهدف موقع الجيش اللبناني، ثم اللبونة وشمع والبياضة والجبين وحامول وطيرحرفا وشيحين والقوزح وبنت جبيل وعيناتا وبرعشيت وشقرا، وصولاً إلى وادي الحجير ومحيبيب، وهي من الخط الثاني وجرى تدميرها في المرحلة الأولى، وهي قريبة جداً من الحدود وتقع على تل يشرف على قرى بليدا وميس الجبل ورب الثلاثين والطيبة والخيام، وهي مدينة ذات مساحة عقارية كبيرة تمتد من سهل مرجعيون والخيام غرباً إلى إبل السقي شمالاً ومجرى نهر الحاصباني عند تخومها الشرقية، ونهر الوزاني، وقريتي سرده والعمرة من الجنوب”.
ويشير بشروش إلى أن “الجيش الإسرائيلي ركز كثيراً على الخيام في المرحلة الثانية ولم يستطع العبور إليها، بل وصل إلى أطرافها، ثم حاول باختراقات من ثلاث نواح، فاستخدم القصف المدفعي والغارات المكثفة والتدمير. كان يدمر كل بيت يصل إليه، ولم يتمكن حتى اليوم من الدخول إلى وسطها وجوبه بمقاومة عنيفة، كذلك ركز على قرى الطيبة ورب الثلاثين وبنت جبيل، ولم ينجح في الدخول إليها”. أما في المرحلة الأخيرة “فعاد ليركز على منطقة الخيام ولم يستطع دخولها من أية جهة، فحاول في القطاع الأوسط أن ينفذ اختراقاً لجهة قريتي القوزح وعيتا الشعب ولم يستطع ثم حاول إجراء التفاف من القطاع الغربي خلف رامية وعلما الشعب، فثمة منطقة تصل إلى الجبين وعلى شيحين وطيرحرفا وشمع. ركز كثيراً على شمع لأنها تودي إلى البياضة وتلتقط الخط الساحلي من الناقورة إلى صور، وحاول من خلال شمع أن ينفذ ما يشبه بكماشة من الجهة الغربية كي يحاصر الناقورة”.
معارك الخيام
ويضيف المتحدث ذاته “من الجهة الشرقية حاول الجيش الإسرائيلي الدخول مجدداً من خلال الخيام كونها تقع على تل يلتقط الطريق المؤدية إلى البقاع، وضع كامل ثقله على القطاع الغربي من شمع والبياضة، والقطاع الشرقي من خلال الخيام. وأنهى المرحلة الثانية وقطع مسافات من خمسة كيلومترات أو أكثر أو أقل في أماكن أخرى، لكنه لم يستطع السيطرة على الخيام، مع كل محاولاته وقصفه الليلي المكثف والتدمير العشوائي. صحيح أنه عبر إلى ثلاث بلدات مسيحية هي دير ميماس وبرج الملوك والقليعة، لكنه دخل إليها بسهولة لأن لا مقاومة فيها ولا مواقع لـ’حزب الله’ الذي تقصد الابتعاد عنها تفهماً لأوضاعها، وبالتالي لا مراكز له فيها ولا تحصينات”.
وتابع قائلاً إن “الإسرائيليين قطعوا مسافة كيلومتر أو أكثر بقليل نحو دير ميماس وأقاموا حاجزاً عند أطرافها الغربية قرب محطة مرقص فوق منطقة الخردلي، إذ عبرت دورية لليونيفيل ومنعوا مرور دورية تابعة للجيش اللبناني، وحاول العدو أن يحصد نصراً إعلامياً بعيداً من احتلال الأرض، كي يقنع الرأي العام الإسرائيلي بأنه نفذ المهمة التي أعلنها، لكنه لم يتسطع إقامة حاجز لمدة طويلة. التقط الجنود الصور بيد أنهم تعرضوا لهجوم من مقاتلي ‘حزب الله’، فعادوا لبساتين الزيتون ثم نحو كفركلا”.
وحول الجبهة الغربية، يضيف العميد بشروش أن “الجيش الإسرائيلي ركز مدة أسبوع على قريتي رامية وشمع كي يصل إلى البياضة، وخسر هناك عدداً من دبابات الميركافا ومن عناصره ولم يتمكن من السيطرة على الطريق الساحلي ليكتنف الناقورة والخيام فيصبح قريباً من نهر الليطاني حتى يحقق نصراً إعلامياً بالحد الأدنى، أو صورياً بعد مرور 60 يوماً على هذه العملية وتكبده خسائر كثيرة لم يعلنها”.
فيما كان لافتاً الفيديو الذي نشره الجيش الإسرائيلي قبل ساعات وقال إنه يوثق وصوله إلى مجرى نهر الليطاني في العمق اللبناني.
يؤكد المتابعون أن خروج الإسرائيليين من المناطق التي دخلوها جنوب لبنان لن يتم بسرعة، أولاً انطلاقاً من الاتفاق الذي نص على خروج تدريجي ضمن 60 يوماً، ثانياً تريد إسرائيل التأكد من خلو الجنوب من عناصر الحزب وسلاحه ودخول الجيش اللبناني للانتشار على الحدود وبسط سيطرته على الأرض وتحتها، في إشارة إلى أنفاق “حزب الله”، وهذه العملية ستحتاج وقتاً ربما يتعدى الفترة المحددة في الاتفاق بخاصة إذا ما حصلت تجاوزات من قبل عناصر من الحزب، كتلك التي حصلت صباح اليوم في بلدة كفركلا الحدودية حيث قال الجيش الإسرائيلي إن بعض عناصر الحزب حاولوا الاقتراب من الحدود فقصف وأجبرهم على التراجع.
استهداف الجيش اللبناني
وعن قصف مواقع الجيش اللبناني، قال بشروش “إن الجيش الإسرائيلي يعتبر حاجز الجيش اللبناني قرب الناقورة عائقاً بطريقه، لو حاول التقدم فقط لالتقاط صورة فقصفه، وقصف أكثر من موقع للجيش اللبناني في العامرية الأحد الـ24 من نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، وقبله في قرية الماري ليل السبت الماضي، إضافة إلى استهداف دورية للجيش قرب قرية رامية كانت تحاول نقل مصابين إلى المستشفى، ناهيك عن عديد من مراكز الجيش في الجنوب. وكان عندما يتحرك أي جندي لبناني يتم التعرض له وقتله من دون أدنى مبالاة، مما أوقع نحو 35 قتيلاً في صفوف الجيش اللبناني منذ بدء الحرب”.
في خضم الاتفاق
وحول مدى جدية الاتفاق الذي تمت الموافقة عليه بين لبنان وإسرائيل برعاية دولية، قال الباحث في شؤون “حزب الله” مهند الحاج علي إنه “اتفاق جدي، إذ إن ثلاثة أهداف إسرائيلية تحققت من خلاله، أولاً مسألة الفصل بين جبهتي غزة ولبنان وتحقق هذا الأمر خلال الحرب، وثانياً إجراء تعديل على طريقة تنفيذ القرار 1701 بحيث تكون هناك لجنة عمادها الولايات المتحدة الأميركية، وهذه اللجنة ستشرف على تنفيذ القرار. أما الهدف الثالث فيرتبط بالثاني، هو عملياً ضمان حرية الحركة ورد الفعل الإسرائيلي في حال عدم تنفيذ الاتفاق بضمانة أميركية وهذا ما حصل”. ويضيف “ثمة ثلاثة أهداف تحققت في الاتفاق وهناك أمد طويل للإشراف الإسرائيلي، بحيث تتوقف إسرائيل حيث هي الآن، لا يوجد أي انسحاب لها قبل 60 يوماً وبإمكانها استئناف عملياتها بأية لحظة. عملياً لا عودة للناس إلى القرى والبلدات المدمرة مدة 60 يوماً ريثما يتمم ‘حزب الله’ انسحابه من المنطقة الحدودية وفي حال وجود أي خلل في الاتفاق لجهة تهريب السلاح من جهة الحدود اللبنانية – السورية تستأنف القوات الإسرائيلية عملياتها في لبنان من حيث توقفت”.
وأشار الحاج علي إلى أنه “بإمكان إسرائيل استئناف الحرب خلال ولاية دونالد ترمب في الرئاسة الأميركية، وربما يكون الوضع مريحاً أكثر لها في حال عدم التزام الحزب وإيران من خلفه تطبيق الاتفاق”.
وهل سيقبل “حزب الله” بهذا الاتفاق؟
رد الحاج علي قائلاً “يمكن للحزب ألا يقبل الاتفاق والشروط الإسرائيلية، لكنه يحاول بذلك كسر الإجماع اللبناني على الاتفاق، والإجماع السياسي الذي عمل عليه حليفه رئيس مجلس النواب نبيه بري المفوض بالتفاوض، مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي والوزير السابق وليد جنبلاط وغيرهما، فإذا حاول كسر ذلك ستكون مشكلة داخلية تؤدي إلى انقسام لبناني – لبناني. وأيضاً بإمكان الجانب الإسرائيلي خلال شهر أو شهرين استكمال احتلال هذه المنطقة وتدميرها بصورة شاملة، إضافة إلى ما يتحقق من تدمير لعموم جنوب لبنان والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت، ورفع كلفة إعادة الإعمار بصورة أكبر”.
وأردف الحاج علي “صحيح أن ‘حزب الله’ استعاد زمام المبادرة في مكان ما، لكن في نهاية المطاف لا يوجد توازن بين طرفي النزاع، ولدى إسرائيل قدرة نارية هائلة. الحزب ليس بوارد المواجهة، صحيح هو ضرب 300 صاروخ منذ يومين أو أكثر، لكن أعتقد أن ليس لديه هذه القدرة على الاستمرار بهذه الكثافة الصاروخية، هذا من جهة، ومن جهة ثانية حتى أن الكثافة الصاروخية غير كافية لإيجاد توازن على الساحة العامة”.
حرية الحركة الإسرائيلية
ورأى الحاج علي أن “ما حققه ‘حزب الله’ منذ يومين من خلال كثافة إطلاق الصواريخ، على المدى البعيد إذا استمرت الحرب ستة أشهر أو سنة، من الممكن أن يحدث تأثيراً في إسرائيل، لكن السؤال: ماذا سيحصل على الجانب اللبناني؟ يمكن أن يصد الحزب الإسرائيليين لشهر أو شهرين لكن لو وضع الإسرائيليون تركيزهم على إنهاء المعركة ينهونها، و’حزب الله’ يقر بذلك، والقصف الصاروخي على شمال إسرائيل مدة ستة أشهر أو سنة لن يبقي بناء قائماً في لبنان ولا يوجد رادعاً يردعها، لقد انتهى زمن الردع، لكن السؤال المطروح: هل تقبل إيران بذلك؟”.
وخلص الحاج علي إلى القول إن “هناك سيطرة إسرائيلية على اللجنة الموكلة المراقبة، مما يعني تنفيذ الاتفاق بضمانة إسرائيلية وبالتالي ينص تنفيذ القرار 1701 ليس فقط على انسحاب ‘حزب الله’ من جنوب الليطاني، بل يمنع أيضاً دخول السلاح إلى الحزب من سوريا، وهذا يعني أي خرق لهذا البند يواجه بضربة إسرائيلية لأية قافلة تمر إلى الداخل اللبناني. وليس بإمكان الحزب استئناف الحرب لأن هذا يعني كثيراً من الآلام، عليه القبول بواقع جديد في لبنان، فما كان قائماً في سوريا منذ نحو سبع سنوات ما زال قائماً حتى اليوم، إذ بإمكان إسرائيل قصف أي هدف إيراني أو لـ’حزب الله’ في الجانب السوري من دون حصول رد على ذلك، هناك حرية حركة إسرائيلية في سوريا ستطبق اليوم على الواقع اللبناني”.
كامل جابر – اندبندنت عربية