هل تحيد إسرائيل القرى المسيحية والدرزية من الاستهداف جنوب لبنان؟

صدى وادي التيم – لبنانيات /

تستمر العمليات الحربية على حدود لبنان الجنوبية بين “حزب الله” والإسرائيليين بوتيرة متصاعدة، تزيدها حدة التهديدات المتبادلة بالرد والرد على الرد، وهو ما دفع مزيداً من أبناء المناطق الجنوبية الخلفية، أي خارج الاشتباكات المباشرة، إلى النزوح والابتعاد من هذه المناطق نحو مناطق لبنانية أخرى أكثر أمناً، لا سيما في ظل التقديرات والتوقعات بحرب أكثر عنفاً و”مدمرة” قد تتطور في الأيام المقبلة وتطاول المناطق الجنوبية برمتها أو مناطق كانت بعيدة نوعاً ما من الاستهداف المباشر من مدفعية الجيش الإسرائيلي وطائراته الحربية والمسيرة.

تهديدات تجدد النزوح

في ظل هذا التصعيد المخيف لعامة الناس في جنوب لبنان، غادرت عائلات كثيرة مدناً وبلدات جنوبية خشية تطور الأعمال الحربية، ومنها عائلات كانت نزحت من قرى المواجهة إلى مناطق كانت تعتبر في الصف الثاني من الاستهداف على نحو بلدة شمع (صور) التي سقطت فيها منذ بضعة أيام، أول أغسطس (آب) الجاري، عائلة سورية تتألف من أم وثلاثة أطفال جراء غارة إسرائيلية استهدفت منزلاً مأهولاً، مما دفع من كانوا يقطنون البلدة ولم ينزحوا سابقاً إلى مغادرتها على الفور باتجاه مدينة صور وجوارها.

وكذلك قرية دير سريان (مرجعيون) التي استهدفتها غارة طائرة مسيرة مساء أول من أمس السبت، طاولت صواريخها دكاناً وسط الساحة العامة مما تسبب في إصابة ستة مدنيين بينهم خمسة فتيان بجروح مختلفة، ومقتل الفتى حسن عماد كريم البالغ 16 سنة، ولاحقاً قضى المواطن يوسف يحيى البالغ 60 سنة متأثراً بجروح أصيب بها، إلى غيرها من المناطق الجنوبية، وليس بعيداً من مدينة النبطية وقضائها وكذلك من مدينة صور وجوارها.

قرى مسيحية ودرزية خارج الاستهداف؟

في مقلب آخر يظن كثيرون أن الإسرائيليين وفي خلال قصفهم وغاراتهم على المناطق الجنوبية الحدودية، يحيدون من استهدافهم القرى ذات الأكثرية المسيحية أو الدرزية أو بعض القرى السنية، واقتصار الحرب على القرى والبلدات الشيعية التي ينطلق منها عناصر “حزب الله” في اشتباكاتهم ومواجهاتهم مع الإسرائيليين منذ 10 أشهر. لكن وبحسب تقدير مرجعيات ثقافية ومحلية وروحية في هذه البلدات، فإن الإسرائيليين لا يميزون بين بلدة وأخرى ومراعاة وجهتها الطائفية أو المذهبية، ويشيرون إلى أن عديداً من القرى المسيحية أو الدرزية أو غيرها هي في قلب الاستهداف الذي يطاولها مع المناطق الجنوبية الأخرى منذ بدء الحرب في الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) العام الماضي.

وفي وقت عددوا أسماء قرى وبلدات هي في قلب الاستهداف على نحو كفرشوبا وكفرحمام والهبارية (السنية)، وراشيا الفخار والقوزح وعلما الشعب ورميش (المسيحية)، والفرديس والماري وشويا وأطراف حاصبيا (الدرزية)، ذكروا أن عاصمة القضاء جديدة مرجعيون وبرج الملوك وإبل السقي ودير ميماس وغيرها من القرى المسيحية والدرزية لم تسلم من الاستهداف والقصف المتقطع، بعدما طاول أطرافها وأحراجها، ويعزو بعضهم تحييد عديد من البلدات والقرى غير الشيعية، أو حتى الشيعية، إلى أن “حزب الله” لا ينطلق في عملياته من قرى وأحياء غير محسوبة عليه.

نزوح وعودة

ويحصي الإعلامي روجيه نهرا (من القليعة – مرجعيون) أسماء قرى بعيدة من الاستهداف المباشر “وهي قرى مسيحية على نحو إبل السقي ومرجعيون والقليعة وبرج الملوك التي تعرضت أطرافها للاستهداف، لكن وسطها لم يتعرض للقصف، ودير ميماس وقرى القطاع الغربي ومنها عين إبل ورميش ودبل”. ويقول نهرا “في بداية الحرب، تخوفت الناس في القليعة وغادرها أكثر من نصف سكانها ظناً منهم أن الحرب ستكون شاملة على نسق حرب 2006، ليس في القليعة فحسب بل في مجمل القرى المسيحية، فغادروا إلى بيروت وأقام بعضهم أسبوعاً أو أسبوعين أو ثلاثة أسابيع ومنهم أكثر من شهر ولم تتوقف الحرب، فعادوا بعائلاتهم لهنا، وكانت كل عائلة تكبدت نحو 1500 دولار في الحد الأدنى، ومنها عائلتي التي أرسلتها إلى بيروت ثم أعدتها وبقينا في البلدة”، ويستغرب أنه “حتى الآن لم يسألنا أحد ماذا تحتاجون؟ ماذا جرى لكم؟ ولأن الوضع الأمني بدا طويلاً لا يمكن لنا أن نتحمل أعباء النزوح والإقامة خارج بيوتنا ومناطقنا فعاد معظم من غادروا على رغم الخطر”.

وبرأي نهرا “ليست هناك بلدة أو قرية بعيدة من استهداف الإسرائيليين إذا لم تكن لهم غاية في ذلك، فمرجعيون مثلاً، حيث أغارت طائراتهم على مركز لحركة أمل في الخامس من أبريل (نيسان) الماضي، على منزل أنطوان لحد قائد ما يسمى سابقاً جيش لبنان الجنوبي في فترة الاحتلال الإسرائيلي فيها، مما أدى إلى سقوط ثلاثة عناصر من الحركة. ومن المؤكد أن البيوت القريبة من مكان الغارة تضررت بشكل كبير، ولو أن موقع الاستهداف أكثر اكتظاظاً لكانت الخسائر جسيمة”.

ويؤكد نهرا أن “أعمال الناس في القرى المسيحية والدرزية والشيعية خارج خط المواجهة الأول تعطلت بسبب الحرب وتراجعت أكثر من 50 في المئة نظراً إلى تداخل قرى المنطقة وطرقاتها، ومن الطبيعي أن تنعكس الحرب وتبعاتها على مختلف شؤون الحياة، حتى لو كانت بعض هذه المناطق والبلدات غير مستهدفة بشكل مباشر على نحو جاراتها الخيام وكفركلا والعديسة وكفرشوبا وغيرها”.

إسرائيل لا تحيد أحداً

وتساءل أحد أعضاء مجلس بلدية جديدة مرجعيون رداً على سؤال “من قال أن ثمة قرى وبلدات في مناطق الجنوب في وضع حياد عن الاستهداف الإسرائيلي؟ إسرائيل لا تحيد أحداً، وهي عدو أساس. نحن في جديدة مرجعيون تعرضنا للقصف ثلاث مرات، فكيف يمكن أن نقول إن مرجعيون وجميع المناطق المسيحية محيدة من إسرائيل؟”.

وأعطى مثلاً ما تعرضت له بلدة برج الملوك المعروفة بـ”الخربة”، بتاريخ السابع من يوليو (تموز) الماضي من قصف سبب تحطم زجاج عدد من المتاجر والمنازل وأضراراً في الممتلكات “أضف إليها غارة مسيرة إسرائيلية على أطراف برج الملوك في الـ20 من يوليو الماضي أدت إلى إصابة أربعة أطفال سوريين كانوا يعملون في حقول السهل القريب. ومنذ نحو ثلاثة أسابيع تعرضت محطة كهرباء مرجعيون في وسط البلدة لقصف مدفعي مما أخرجها عن الخدمة، كل هذا يؤكد أن مرجعيون والقرى المسيحية في الجوار البعيد أو القريب ليست في حياد عن الاستهداف الإسرائيلي”. وتمنى عضو مجلس بلدية جديدة مرجعيون أن تمر هذه المرحلة على خير، وأن يرحم الله الضحايا وأن يكون في عون الناس المتضررين، منوهاً باستقبال جديدة مرجعيون عائلات نزحت من الخيام وكفركلا المجاورتين.

أسئلة الخوف والقلق

ويشير الأب أنطونيوس فرح (كاهن في كنيسة مار أنطونيوس الكبير في مرجعيون) إلى أنه “من الطبيعي أن يتأثر أبناء القرى المسيحية في منطقة مرجعيون كثيراً من تداعيات الحرب المستمرة منذ نحو 10 أشهر، وخصوصاً على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، وكذلك في أوضاعهم النفسية والقلق الذي لا مفر منه”، ويؤكد أن “المزارعين لا يمكنهم الوصول إلى حقولهم وبساتينهم، ولم يتمكنوا من زراعة الموسم الجديد، لذا فإن خسائرهم لا تقدر. ومن لديهم متاجر ودكاكين هبطت نسبة مبيعاتها إلى نحو 10 في المئة عما كانت عليه قبل الحرب”، ويقول الأب فرح “إنها تداعيات اقتصادية – اجتماعية كبيرة طاولت الناس، وهم لم يعدوا العدة لها، أضف إلى معاناتهم النفسية التي تتفاقم يوماً بعد يوم، وقلقهم المتزايد من المجهول، فلا أحد منهم يدرك إلى أين ستتجه الأمور، وهل ستتفاقم الأوضاع الأمنية أو العسكرية، ويتساءلون: ماذا سيحصل غداً وبعد غد وفي الأيام المقبلة؟ ناهيك بدوي قذائف القصف والغارات والقنابل الفوسفورية، إلى خرق جدار الصوت الذي ترتج له البيوت، كل ذلك يفاقم من تردي أوضاعهم النفسية”.

راشيا الفخار نزحت كلها

ويقول رداً على سؤال حول نزوح شهدته القرى والبلدات المسيحية “طبعاً هناك قرى مسيحية عدة نزحت عائلات منها بسبب الحرب، على نحو راشيا الفخار (جنوب) التي نزح جميع أهلها وسكانها وهي قرية مسيحية، وهناك قرى شهدت نزوحاً أكثر من غيرها وأخرى أقل، ثمة عديد من الأشخاص نزحوا إلى بيروت ومناطق أخرى ثم عادوا على رغم الخطر نظراً إلى أن إمكاناتهم ضعيفة جداً لا تساعدهم في البقاء في الأماكن التي نزحوا إليها”.

وحول مساعدات يتلقاها سكان القرى المسيحية يشير الأب فرح إلى أن “الكنيسة حاضرة على قدر استطاعتها لكن ليس بشكل كبير، إلا بعض الجمعيات الأهلية والإنسانية والاجتماعية، ومن بينها الصليب الأحمر اللبناني، لكن لا يمكن الحديث عن مساعدة ومساندة كافية تستطيع أن تعزز بقاء الناس في بيوتهم وتحد من نزوحهم”.

الجميع تحت الخطر

وتساءل مختار القليعة (جنوب) جوزيف سلامة رداً على سؤالنا “من قال إن القليعة هي خارج الاستهداف المباشر؟ من المعروف أن إسرائيل تستهدف كل مكان تعتقد أنه مصدر للنيران، وخير دليل على ذلك رميش والقوزح وغيرهما من القرى والبلدات المختلطة طوائفياً، كلها تحت الخطر والجميع يعيش تحت رحمة الله”، مضيفاً “راشيا الفخار تتعرض كثيراً للقصف والغارات، وجديدة مرجعيون كذلك الأمر، والخربة (برج الملوك) جارتنا استهدفت مرات عدة، الحرب تقع على المنطقة برمتها”، وأشار إلى أن “أرزاقنا في مرج الخيام (سهل الخيام) تلفت كلها بسبب الحرب المستمرة منذ 10 أشهر، والموسم الجديد لم نتمكن من فلحه وزرعه، أليست الأرزاق الممنوعة على أصحابها من الاستهدافات المباشرة؟ ومن ينقطع رزقه في أرضه كيف يعيش؟ ومن يعيش من متاجر ودكاكين باتت مقفلة، إذ لا بيع ولا شراء فيها، أليس من ضحايا الحرب؟ إلى المدارس والمستشفيات وغيرها، أعتقد أن أبناء الجنوب جميعهم يتحملون أعباء الحرب وتداعياتها، كل من موقعه ومكان سكنه ومركز عمله، نعم أذية الحرب درجات بين الناس ونحن نالنا نصيب كبير منها”.

وتمنى مختار القليعة أن يبقى القصف المدفعي الثقيل بعيداً من وسط البلدة، ولفت إلى أن عائلات كثيرة من القليعة “نزحت في بداية الحرب في الأشهر الأولى، لكن جماعتنا ليس لديهم من يساعدهم مالياً واجتماعياً كي يبتعدوا عن أماكن الخطر المحدق أو المحتمل، نزح الناس منهم من بقي نازحاً ومن لم يستطع عاد، على قاعدة أن يموت في بيته أشرف من ذل النزوح، الله هو المعين كي ننتهي على خير”.

حاصبيا في قلب الحدث

من جهته أشار المربي شفيق علوان من حاصبيا  إلى “أننا نحن أبناء الجنوب بمختلف طوائفنا ومذاهبنا وانتماءاتنا اعتدنا على الحرب والعدوان، ومن حيث الموقف السياسي أو الطائفي نحن لسنا بحاجة إلى فحص دم ولا إلى تأويل أو التباس، فمنطقة حاصبيا ذات الغالبية الدرزية تعاني مثلها مثل بقية المناطق والبلدات الأخرى”. وأضاف “الماري على سبيل المثال هي بلدة درزية وفيها أقلية مسيحية لا تتجاوز خمسة في المئة وتقصف على الدوام، والفرديس أليست بلدة درزية؟ لقد سقطت القذائف في وسط ساحتها وتتعرض دائماً للقصف هي وجوارها، وشويا على تماس مع الهبارية وشبعا ويتساقط القصف فيها وحولها”.

وروى علوان حادثة قصف شهدها طريق كوكبا – الهبارية قرب حاصبيا ونهر الحاصباني “حصلت بتاريخ الـ18 من يناير (كانون الثاني) مطلع العام الحالي، واستهدفت أحد قادة ’الجماعة الإسلامية‘ في منطقة العرقوب – حاصبيا، بهجوم صاروخي شنته مسيرة إسرائيلية مستهدفة سيارته بأربعة صواريخ أسفرت عن إصابته بجروح وتضرر شبكة الكهرباء”.

الحرب عطلت الحياة

وجزم علوان أن هذه الحرب “أصابت الناس أيضاً في أرزاقها ومعايشها واقتصادها، ومنطقتنا تتميز بتداخلها في ما بينها على مختلف المستويات، ومنها المستوى الاقتصادي والمصالح المشتركة، فأبناء حاصبيا يسوقون بضائعهم ومنتوجاتهم في الخيام وكفركلا وغيرها من المناطق القريبة والبعيدة وهناك تبادل تجاري”، وتابع “لقد تأثرت أحوال الناس كثيراً في حاصبيا ومنطقتها من هذا العدوان المستمر، وحتى أسواق حاصبيا لم تعد كسابق عهدها ومنها سوق الخان التي تقام كل يوم ثلاثاء، فقذائف عدة سقطت قرب ساحة السوق وأكثر من غارة استهدفت محيطها”.

وحول مساعدة الناس في الأوقات الصعبة التي يمرون بها بسبب الحرب المستمرة أشار المربي علوان إلى أن “المساعدات تتركز أكثر في البلدات والقرى التي تعاني القصف المستمر والواقعة تحت الحرب المباشرة، وأهلها هم أشد حاجة إلى أية مساعدات تمكنهم من الصمود، ولا يمكننا أن نقارن في موضوع خطر القصف بين حاصبيا والخيام مثلاً، من المؤكد أن أبناء الخيام هم بحاجة أكثر إلى المساعدة والعون”.

كامل جابر – اندنبندنت عربية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!