ماذا نتوقع في لبنان بعد إعطاء لقاح كورونا

يُعتبر إكتشاف اللقاح عاملاً «إيجابياً» وتقدّماً علمياً كبيراً على طريق الأمل والخلاص، ولكن التخطيط لبرنامج التطعيم قد يكون العملية الأكثر تعقيداً في التاريخ، بعد عام من الإرهاق والمعاناة، وضعف في البنية التحتية الصحية التي تعاني عجزاً في التمويل ونقصاً في عدد العاملين الصحيين.

ما قد يحدث مستقبلاً يعتمد على طريقة تفاعل أجهزتنا المناعية مع اللقاحات، وما إذا كان الفيروس يتطور إستجابةً لذلك. فمن الصعب التنبوء بكلا العاملين، لأنّ جهاز المناعة معقّد جداً، وتطوره (كما يلاحظ علماء الأحياء غالباً) هو أذكى منا.

كثير من علماء الأوبئة (Epidemiologists) والأطباء وعلماء المناعة (Immunologists) وعلماء الإجتماع، متفائلون بحذر، في أن تشهد الدول (الغنية والجاهزة) إنفراجات مع بداية الصيف، مع العلم أنّ ذلك مرتبط بعدد اللقاحات التي ستُعطى خلال الاشهر الستة الأولى من السنة الجديدة، ومن المتوقع ان تزداد أعداد اللقاحات بعد موافقة FDA وwho على لقاحات قيد التجارب (stage3 ).

واقعياً، سيكون نظام الرعاية الصحية المدمّر نتيجة المعاناة الطويلة خلال العام المنصرم، مترنحاً أمام الزيادات الجديدة في نسبة الأشخاص الذين يعانون من أعراض طويلة المدى أو مشاكل الصحة النفسية. فالفجوات الإجتماعية والنفسية والمالية التي اتسعت نتيجة covid -19 ستزداد، والدول التي بدأت بالعودة إلى طبيعتها سيتعيّن عليها معالجة هذه العوارض بجدّية وفعالية، اذا أرادت إعادة بناء المجتمع بالطرق السليمة.

ولن يكون لبنان مختلفاً عن العالم في مجال معالجة Covid -19 وآثاره على المجتمع.

فمع الكلام عن حجز حصّة البلد لحاجاته من اللقاحات (مبدئياً Pfizer) تبرز تحدّيات كبيرة في حاجة الى معالجات سريعة ومنها:

1ـ هل تأمّن التمويل المستدام للقاحات؟

2ـ ما هي الخطة المعتمدة لحفظ اللقاحات؟

3ـ هل تمّ وضع برنامج زمني ونوعي لمن سيأخذ اللقاح اولاً وبالتدرج؟

4 ـ ما هي الخطة الإستراتيجية لتأمين اللقاحات في معظم المحافظات؟ كيف ستُوزع وتُحفظ؟ ومن سيقوم بإعطائها؟

5ـ ما هي الآليات المعتمدة للتأكّد من أنّ المواطن أخذ اللقاح حسب الـ Protocol المعتمد (فمثلاً مع Pfizer يؤخذ على مرحلتين)؟

6ـ ما هي الضوابط والحوافز لحمل المواطنين على أخذ اللقاح، الى ان نصل الى مرحلة مناعة القطيع؟ وهل من حملات توعية مركّزة؟ وهل سيكون اللقاح إلزامياً؟

7ـ كيف سيكون التعاطي مع إحتواء إنتشار الوباء خلال حملة التطعيم؟ على صعيد المناطق والمحافظات؟ وما هو دور السلطات المحلية؟

فمن الواجب هنا التعلّم من تجارب الدول التي سبقت لبنان بإعطاء جرعات اللقاح الى مواطنيها، والآلية التي إعتمدتها لجهة تحديد الأولوية للأشخاص متلقّي اللقاح، أو لجهة إدارة العملية بكل تفاصيلها، ومدى فعاليتها في التخفيف من عدد الإصابات ومحاصرة الوباء. ومن الضروري تكليف أهل العلم والإختصاص إدارة العملية بكل تفاصيلها، في إطار من الوضوح والشفافية بعيداً من السياسة.

رغم أنّ اللقاح شكّل نافذة أمل للبشرية للخروج من هذه الدوامة التي تحاصر المجتمعات منذ أكثر من عام، إلّا أنّ ذلك لا يجب أن يكون سبباً للتهاون بإجراءات الوقاية والحماية الفردية والجماعية، خصوصاً مع عدم وضوح الرؤية في ما خصّ آلية اعطاء اللقاح والعدد الكافي لها، خصوصاً في الدول النامية ومنها لبنان. وهنا نعود الى التساؤل مجدداً عن إلزامية اللقاح بفعل قوانين ممكن إقرارها؟ وأيضاً ملاحقة ومحاسبة المواطنين المخلّين بالإجراءات، ما قد يسبب الضرر لصحتهم وصحة الآخرين؟ الأسئلة كثيرة، ولكن بالتخطيط وحده يمكننا تجاوز كل العقبات والتعقيدات ضمن الإمكانات البشرية المتميزة والمالية المتوفرة. فهل ننجح في هذا الإمتحان الدقيق والمعقّد في زمن إقتصادي وإجتماعي أكثر تعقيداً؟

وهل ستشكّل تجربة كورونا حافزاً لبناء منظومة صحية قوية وصلبة، يمكن ان نستند عليها امام اي جائحة أخرى؟

وهل وضع المعنيون خطة علمية واضحة لعملية إعطاء اللقاح؟.

نأمل ذلك.

المصدر: الجمهورية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!