البوم يأكل 3 ملايين من القوارض في هنغاريا شتاءَ… وفي لبنان يقتلونه!
صدى وادي التيم-متفرقات/
لا يتطور المجتمع بدون تطوير المسلمات والتقاليد والموروثات التي تحكمه، وفي هذا المجال، ليس من المطلوب التغيير الشامل، بل بما يتناسب مع العصر، ومع انفتاح المجتمعات على العالمية عبر الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) ووسائل التواصل الإجتماعي، وهنا نخص بهذا المقال طائر البوم، والذي يتشاءم منه مجتمعنا، بل يتجه البعض لقتله سواء متعمدا أو بالصدفة عبر وسائل الصيد الجائر.
وبالعودة إلى المقدمة والعنوان الرئيسي لهذا المقال، فقد وثقت الجمعية المجرية لعلم الطيور والحفاظ عليها (MME)الجهود التي قامت بها المجتمعات المحلية من مسح وطني لأعداد البوم في فصل الشتاء، وهو مسح يجري سنويا، وبالمقابل ما تقتات عليه هذه الطيور من وجبة أساسية من القوارض لتخلص الجمعية إلى نتيجة مبهرة، فالبوم في هنغاريا يأكل ما مجموعه 3 ملايين من القوارض، وهو ما يصل إلى 73 طنا منها!
فبعد الإنتهاء من ملخص المسح السكاني الوطني لعام 2024 لبوم الغابات الشتوية قصير الأذنين هذا العام، طلبت الجمعية المجرية مرة أخرى مساعدة الجمهور ووسائل الإعلام لإجراء مسح وطني لأسراب بومة الحظائر التي تقضي فصل الشتاء في المجر في نهاية شهر كانون الثاني/يناير، واستنادًا إلى البيانات الذي تم الانتهاء منها الأسبوع الماضي بتاريخ 19 شباط/فبراير، كان التعاون ناجحًا مرة أخرى، وكشفت البيانات الواردة أنه في وقت الإحصاء، كان 11629 بومة الحظيرة تقضي الشتاء في 1035 موقعًا على الأقل في 638 مستوطنة في هنغاريا.
وقد شارك في الاستطلاع 431 مساحًا، بالإضافة إلى السكان، من إدارة حماية الطيور الجارحة بوزارة البلدية والبيئة والمجموعات المحلية التابعة لها وزملائهم والمتطوعين، وخدمة حراسة حماية الطبيعة بمديريات المتنزهات الوطنية، والمنظمات غير الحكومية الأخرى، كما تم إشراك رياض الأطفال، والمدارس كنوع من التوعية البيئية المجتمعية لأجيال المستقبل.
وبفضل هذا، جاءت بيانات المراقبة من جميع مقاطعات المجر والعاصمة. كما يتجلى نجاح التعاون بين وزارة البلدية والبيئة ووسائل الإعلام والسكان بوضوح من خلال حقيقة أن الجمعية تلقت في عام 2024 معلومات من 130 مستوطنة، والتي تتلقى منها معلومات كل عام منذ عام 2018.
وبفضل الحسابات المتكررة، يمكن استخلاص العديد من الاستنتاجات من مجموعات البيانات التي تتوسع كل عام، فيما يتعلق بهذا العام، قد يكون أحد أهم المعلومات المتعلقة بالاقتصاد الزراعي المحلي هو العدد الفلكي للقوارض الصغيرة التي قتلها البوم.
مع الأخذ في الاعتبار متوسط الاحتياجات اليومية لما لا يقل عن 2.5 فأر أو فأر حقل للحيوانات المفترسة لبومة واحدة طويلة الأذن، محسوبة على أساس فترة سبات مدتها 100 يوم تزيد قليلاً عن ثلاثة أشهر شتاء، بناءً على المسح، تم تسجيل 11629 بومة يجب أن تكون موجودة في المجر، وهي تقضي على ما لا يقل عن 2,907,250 (حوالي 3 ملايين) من القوارض التي تسبب أيضًا أضرارًا زراعية في فترة الشتاء 2023/2024.
أما عن حجم هذا الرقم، فالوزن الإجمالي لهذه الحيوانات المفترسة ذات الحجم الكبير (محسوب بمتوسط وزن جسم يبلغ 25 جرامًا لكل فرد) هو حوالي 73 طنا!
لا يتعين على المزارعين حماية أنفسهم من الفئران وفئران الحقل، التي تسبب الكثير من الأضرار الزراعية، بمبيدات حشرية باهظة الثمن وخطيرة على البيئة، لأن البوم يزيلها من الحقول مجانًا تمامًا، بيولوجيًا، دون أي تأثير بيئي إضافي.
وكذلك فإن هذا المسح الوطني يوضح كيفية تحسيس المواطنين بواجباتهم الوطنية المتمثلة بحماية البيئة ومنذ نعومة أظفارهم، أي منذ دخولهم رياض الأطفال والمدارس الإبتدائية، وهو ما يشكل رافدا لشخصية وطنية تحمي ثروات موطنهم من كائنات حية، وهذا الواجب المجتمعي يصبح عادة متأصلة بالمتابعة المستمرة عبر السنوات، حيث يتجه الطلاب سنويا لهذا المسح، ويؤدونه بتلقائية، ويصبحون حماة للأنواع.
وحبذا، لو تغيرت التقاليد في مجتمعنا الشرقي وخصوصا في لبنان، من التشاؤم من هذا الكائن الجدير بالتقدير لما له من منافع للمزارع والإنتاج الزراعي والبيئة، خصوصا مع انتشار المكبات والمطامر، والتي تغذي هذه القوارض وتساهم في تكاثرها تصاعديا، وبالمقابل فالصيد الجائر والمتعمد للكائنات الحية ولا سيما الطيور الجارحة التي تقتات على هذه القوارض، وخصوصا البوم منها، يساهم بانتشار هذه الآفة الخطيرة وما يرافقها من أمراض سارية وخطر على الصحة والسلامة العامة، وعلى أمل أن يتم القيام بحملة مشابهة، أو على الأقل حماية البوم، ننتظر أن تتطور المفاهيم والتقاليد والممارسات إلى الإيجابية وأن نبني مواطنا حقيقيا يحمي ثروات بلاده ولا يهدرها.