محمية أرز الشوف نموذج للتنمية المستدامة
وطنية – عامر زين الدين
وطنية – شكلت منطقة الشوف ومحمية ارز الشوف حالة استقطاب سياحي بارز منذ بداية العام الحالي، إذ وبحسب إحصاءات المحمية انها إستقبلت أكبر عدد زوار في لبنان بلغت 105 آلاف زائر، ونسبة 95% منهم من اللبنانيين من كافة المناطق، وجزء منهم طلاب جامعات ومدارس بالإضافة إلى مجموعات الشركات السياحية ومنظمي الرحلات والعائلات والأفراد. ولم يكن ذلك ليتحقق لولا الانموذج العالمي للتنمية المستدامة بأبعادها الثلاثة الإجتماعية والإقتصادية والبيئية المتبع من قبل المحمية.
يقول تريفر ساندويذ مدير البرنامج العالمي للمحميات في الإتحاد الدولي لحماية الطبيعة (IUCN): “دائما يطلبون منا أمثلة حية عن التنمية المستدامة بأبعادها الثلاثة الإجتماعية والإقتصادية والبيئية، محمية أرز الشوف ومحيطها هي خير مثال وأنموذج للتنمية المستدامة التي هي عبارة عن محمية تحافظ على أرز لبنان وتنوعه البيولوجي ونظمه الإيكولوجية بطريقة تفاعلية تشرك المجتمعات المحلية من خلال عدة برامج، السياحة البيئية والزراعة الإيكولوجية والتصنيع الزراعي وإدارة الكتلة الحيوية والتوعية البيئية وغيرها التي تؤمن فرص عمل صغيرة ومتوسطة والمبنية على أساس علمي سليم.
محمية أرز الشوف التي تعد الأكبر في لبنان ومن الأكبر والأنجح في محيط المتوسط، أعلنت محمية طبيعية في العام 1996 بموجب القانون 532 وإعلنتها اليونسكو مع 22 قرية المحاذية كمحمية محيط حيوي في العام 2005 ضمن برنامج الإنسان والمحيط الحيوي.
أما عن رؤية المحمية فيقول مديرها نزار هاني “للوكالة الوطنية للاعلام” هي في “كيفية الموازاة ما بين حماية الطبيعية والتنمية الإقتصادية التي تتماشى مع الإدارة الحديثة للموارد والحفاظ على المقدرات الطبيعية والبيئية والتراثية إلى أهلها ومجتمعاتها المحلية، بشكل عملي هي خلق نشاطات وأعمال صغيرة ومتوسطة ترتكز على المنتج المحلي الصحي والطبيعي الصديق لبيئته ويشبه الإنسان الذي عاش في هذه الأرض منذ آلاف السنين ويرتبط بتراثه وثقافته. هذا هو المنهج الجديد في تنمية الأرياف لأن الأعمال الكبيرة التابعة للشركات الإستثمارية أثبتت عدم إحترامها للبيئة والإنسان في معظم الدول والحالات، تحول وتؤذي الأرض والبيئة وتغير بطبيعة المجتمعات وتخرجها من نسيجها الثقافي والبيئي والأهم الأرباح تذهب بمعظمها إلى تلك الشركات ومالكيها. اما الطريقة المستدامة للتطور والتنمية هي ان تملك المجتمعات الأعمال الصغيرة والمتوسطة، هذا هو إتجاه منطقة الشوف بقيادتها وسلطاتها المحلية وجمعياتها ومجتمعاتها الأهلية”.
وقال: “عندما بدأ إنشاء بيوت الضيافة ودور الإستقبال الصغيرة في العام 2000 في الشوف كانت فكرة غريبة وبنظر الكثيرين لا تستطيع ان تخلق التنمية والتطور الإقتصادي المنشود، مع الوقت أصبح في الشوف هناك عشرات بيوت الضيافة والفنادق الصغيرة (15-20 غرفة) التي ساعدت في ترميم البيوت القديمة والتراثية وحولتها إلى أماكن للإقامة تقدم الأكل التراثي التقليدي الذي يعتبر جزءا لا يتجزأ من تراثنا الثقافي في المنطقة. هذه البيوت اليوم موجودة في قرى الباروك وعين زحلتا ودير القمر والمعاصر والخريبة وبعذران ومرستي ونيحا وغيرها.
أضف إلى ذلك أماكن التخييم البسيطة (Primitive camping ground) التي لا يوجد فيها كهرباء حتى، بالرغم من وجودها في قلب الطبيعة، لا تؤذي البيئة وإدارتها تتم بطريقة مستدامة وهذا الأساس الذي يجذب الزوار اليها، إستثمارات صغيرة ولكن مدخولها جيد يعود بالنفع المباشر إلى اصحابها والعاملين فيها”.
أضاف: “لن ننسى المطاعم المتخصصة التي تقدم الأكل من النباتات البرية بشكل أساسي Vegan الموجودة في بلدة كفرقطرة الشوفية وعين دارة وطاولات الضيافة الموجودة في قرى جباع ومرستي والمعاصر والخريبة وبعذران وغيرها التي تقدم مأكولاتنا وأطباقنا التقليدية الصحية. أضف إلى ذلك طاولة عميق، المبنى الأخضر الأول في لبنان الذي ترشح إلى جائزة آغا خان الدولية والذي حصل على جائزة برنامج الأمم المتخدة الإنمائي للطاقة وIPT والذي يقدم الأكل التقليدي الصحي من صنع سيدات المنازل وإستقبل العام الماضي ما يزيد عن 11 ألف زائر”.
ويعطي هاني أهمية الى “ربط كل هذه الخدمات بـ”دروب إجر” للمشي تزيد اليوم عن 400 كلم، تم تنظيفها وتعليمها وتدريب مرشدين محليين لمرافقة الضيوف”.
وقال: “هذه الدروب هي التي تحكي قصص بلدنا وحقباته التاريخية الغنية والمتنوعة، تمر بالجسور التاريخية في الأودية التي أقدمها جسر بركة العروس الذي يربط قريتي عين قني والمختارة الذي بني في العهد المملوكي سنة 1907، والمطاحن ومعاصر العنب والزيتون القديمة. ولن ننسى المونة البيتية وعسل الأرز والعكوب والكثير من الأعشاب البرية التي تعتبر من أفضل انواع الأكل في العالم، حيث القيمة الغذائية عالية جدا وتساهم في الأمن الغذائي الذي هو الهاجس الأكبر في العالم اليوم، كيف نؤمن غذاء صحيا ذا قيمة غذائية عالية لا يستهلك الكثير من الموارد ويستطيع التكيف مع التغيرات المناخية”.
وشرح أن “لتعزيز هذا الأمر يتم العمل على إستصلاح الأراضي الزراعية المهملة أي المدرجات القديمة التي هي جزء من تراثنا الثقافي الزراعي، يتم زرع المدرجات بالأنواع البرية ذات القيمة الإقتصادية العالية وأهمها الصعتر والعكوب والزعرور والورد البري والأنواع الأصلية التي لا تتأثر بتغيرات المناخ من التين والعنب والعناب وغيرها، من خلال برنامج مع منظمة الغذاء العالمي ووزارة الزراعة”.
وقال: “تم إحصاء حوالي 600 هكتار من الأراضي الزراعية القديمة التي تحتاج إلى تأهيل. ويتم تنظيم دروب للمشي داخل هذه المدرجات بما يعرف بـ “Botanical trails” وحدائق نباتية مفتوحة تربط هذه المدرجات بأحراج الصنوبر والسنديان والأرز في المرتفعات. والسماد الطبيعي لهذه المدرجات يؤمن من الفضلات الزراعية (الشحالة) والأغصان الصغيرة الناتجة من تنظيف غابات الصنوبر والسنديان لحمايتها من حرائق الغابات في الصيف والخريف، التي تخلط مع فضلات المواشي والمواد العضوية الناتجة عن الخضار والطعام، تفرم جميعها وتقلب للحصول على سماد طبيعي عالي الجودة وأكبر وحدة لإنتاج الكومبوست (السماد الطبيعي) موجودة في بلدة معاصر الشوف أنتجت حتى الآن ما يزيد عن 50 طنا ويتم تدريب التعاونيات الزراعية بالتعاون مع البلديات لإنتاج هذا السماد في بلدات بعذران بالتكامل مع معمل فرز النفايات الذي يغطي إتحاد بلديات الشوف الأعلى وبتلون والباروك وجباع ونيحا وعين زحلتا. كما الجزء الأكبر من النشارة يخلط مع معمل السيمي في بشتفين مع جفت الزيتون ليصنع منه الحطب المضغوط الذي يعتير منتجا بديلا صديقا للبيئة عن إستخدام الحطب، أصبح المعمل الذي قدمه النائب وليد جنبلاط ينتج حاليا حوالي مليوني حطبة والمخطط أن ينتج 5 ملايين حطبة في السنتين القادمتين”.
ولفت هاني الى أن “ثمة عوامل اضافية أدخلت الى برامج المحمية”، وقال: “إستحدتث 100 مزرعة دجاج بلدي صغير (24 دجاجة لكل منها) في 6 قرى (بمهريه وبتلون والجديدة والجاهلية وبشتفين وجباع) وللتخفيف من المواد العضوية في النفايات وزيادة انتاج البيض البلدي. وهذا يتكامل مع حملات المناصرة في بلدات بتلون وبعذران لتصنيع وحدات التسبيخ لإدارة المواد العضوية التي تشكل 50 % من نفاياتنا المنزلية وتعميم “زوادة بكرا” في المطاعم وهي عبارة عن علبة بأحجام مختلفة يأخذ فيها رواد المطاعم فضلات أكلهم”.
ورأى بأنها “أمثلة عما يدور في هذه المنطقة التي تتكامل جهود بلدياتها مع تعاونياتها الزراعية ومحميتها وقياداتها السياسية ومجتمعها الأهلي لإدارة مواردها بشكل متكامل ومتواز بين الأعمال والإستخدام المستدام للموارد الطبيعية والثقافية”.
وقال: “أرقام دراسة القيمة الإقتصادية لمحمية أرز الشوف كانت مشجعة جدا. ان القيمة المادية لخدمات النظم الإيكولوجية هي إحتساب حوالي 10% من مجمل هذه الخدمات وكانت توازي 19 مليون دولار سنويا في نهاية العام 2015. توزع هذه العائدات على الدولة والسلطة المحلية ومقدمي الخدمات السياحية والإنتاجية بالإضافة إلى المحمية. بينما الكلفة العامة للمحمية وإستثماراتها لا تتجاوز المليون دولار أي كل دولار يستثمر في هذا المجال يعطي 19 دولارا وهذا يعتبر أفضل الإستثمارات وأكبرها. لتسويق هذا النهج كانت مبادرة الشوف الأصيل Authentic Shouf التي اطلقتها السيدة نورا جنبلاط منذ عامين بالشراكة مع تجار الشوف وجمعية أصحاب الإمتياز اللبنانية وأرز الشوف ومهرجانات بيت الدين”.
وختم: “كل هذه المبادرات تتماشى مع المخططات والإستراتيجيات الوطنية وأهمها “إستراتيجية وخططة عمل التنوع البيولوجي الوطنية” التي أعدتها وزارة البيئة و”الإستراتيجية الوطنية للسياحة الريفية” التي اعدتها وزارة السياحة وكلاهما تبنتهما الحكومة.
هذه هي الطريقة الجديدة عالميا في إدارة الأعمال التي تؤمن الخدمات اللازمة للزوار والمدخول الكافي لمقدمي الخدمات والحفاظ على الموارد الطبيعية والثقافية إلى الأجيال القادمة”.