الياس الرّحباني المهاجر يواصلُ بثّ رحيق ألحانه من نافذة العمر… بقلم سلام اللحام
صدى وادي التيم – راي حر باقلامكم /
ليل الإثنين 23 آذار 2023، تحت شعار «لنتذكر ونكتشف»،أبحر زورق النّغم في غياهب العشق والهيام ، ليُلقي سلامه أشواقه ورياحينه وذكرياته العذبة تحيّة عطرة للمبدع المهاجر الياس الرّحباني ، الّذي يتابع بثّ رحيق ألحانه من نافذة العمر ،حيث قدّم مهرجان «الجامعة الأميركية في بيروت» لـ«برنامج زكي ناصيف الموسيقيّ» أمسية تكريميّة عربون وفاء وتقدير لإرث فني لا يستهان به ، بقيادة المايسترو فادي يعقوب، وحضور السيدة نينا الرحباني ونجله غسان ، ولفيف من المحبيّن والأصدقاء وأهل الفنّ على مدى ثمانين دقيقة في قاعة “أسمبلي ” في حرم الجامعة الأميركيّة بيروت .
لقد عشنا لحظات ساحرة مفعمة بأجواء تعبق بالإرث الموسيقيّ الذي تركه لنا الياس الرّحباني ، وهو الذي حفر كينونته الإبداعيّة منفردًا ومتفرّدًا، متّكئًا على ثقافته الموسيقيّة و النكتة الظريفة والطّلة الودودة ، إنّه الفنّان الموسوعة الذي تميّز بقوة ذاكرته ودقة معلوماته وغزارة أفكاره وكلامه الصّريح الجريء والواضح.
لقد كانت هذه الأمسية بمثابة صلاة يتردّد صداها في حنايا الوجدان ، إنّها فعل تلاوة الإبداع بالصّوت والصّمت، إنّها ملكوتٌ ذاخر ٌبدهشة المُطلق. إنّها انعكاساتُ الرُّوح الّلطيفة الّتي تُظَهّرُ الجمال الرَّبانيّ، فالنّغمات لا تصنعها المفاهيم والأفكار الفلسفيّة فحسب، بل تتقطّرُ من شغف الحُبّ النّاصع ورحيق الوَجد اليانع.
لقد أثمرت هذه الأمسية مروحة متكاملة من شذرات ما أنعم به الياس الرحباني على مسامعنا ، وذاكرتنا الجماعيّة في زمن اللحن الراقي والكلمة المعبرة .
وفي دردشة مع المايسترو فادي يعقوب الذي قام بالإعداد الفنيّ وقيادة الأمسية تحدّث عن ” لا محدودية فكر الياس الرحباني وموسيقاه التّي امتدت من الموسيقى التّصويريّة وموسيقى المسلسلات إلى أغاني الأطفال والموسيقى الغربيّة إلى جانب الخلفيّة التُّراثية الحيّة للثقافة الشّعبية بمسحة أنثروبولوجيّة ، وهو الذي استطاع أن يتصدر المشهد الموسيقي خلال الحقبة الماضية دون منازع “. فالمايسترو فادي يعقوب كان حريصًا كل الحرص على إعطاء عيّنة ونماذج من الألوان الموسيقيّة المتنوعة لفنانين كبار غنّوا الياس الرحباني : وديع الصافي ، فيروز ،الشحرورة صباح ،نصري شمس الدّين ،ماجدة الرّومي ،غسان صليبا ، باسكال صقروكُثر أغنوا المشهد الموسيقيّ في تلك الفترة. ونحن على يقين أنّ المايسترو يعقوب خلال مسيرته المشرّفة عودنا على إبداعه وحسّه المرهف وشغفه في المحافظة على البعد الكلاسيكي الدّراميّ وإعداده الفنيّ المضبوط والمحكم لتوزيعاته الأوركستراليّة للصّياغة الموسيقيّة ،حيث تنعكس خلفيّته الثّقافيّة ومنابعه الأكاديميّة الّتي تتجلّى بإعداد فنيّ متقن يَضمن الدّور والمكانة لكل آلة وكل عازف وكل حنجرة ضمن منظومة فريقه الإبداعيّ المتلاحم المتناغم والمتجانس .
نعم يا سادة لقد غرفنا في هذه الأمسية من منابع النّغم الأصيل ، وارتشفنا ذكريات حفرناها داخل أعماقنا، وصورًا حفظناها في عيوننا، حنينًا عظيمًا حبسناه داخلنا، والأشواق باتت، واضحة بكلماتنا، ودموعنا ، والأغاني الّتي رددناها مع الكورال والفرقة الموسيقيّة المتناغمة بشفافيّة وصدق ورقي قلّ نظيره …..
لقد بذر الياس الرحباني بذارًا صالحة في حقول النّغم الأصيل اللبنانيّ والعالميّ ، وسرعان ما انضمّت هذه السّنابل إلى مؤنة الثّقافة الجماعيّة في وفاض الوطن . فهل يستطيع نجله غسان ان يحافظ على تلك الغلال المغروسة في وجداننا ،أم سيسمح ليد التهجين أن تطال مخازن الإبداع الموروثة والزّاد الحضاريّ المتراكم المتشاقع؟!
سلام اللحام