إحذروا اللحظة… التي نعود بها شياطين هذا الشرق بقلم ميشال جبور

صدى وادي التيم – رأي حر بأقلامكم

 

حكاية المسيحيين في هذا الشرق تطول،

لكنها في صلبها وركيزتها لطالما كانت في العمق اللبناني، هذا البلد الجميل الذي تواجد فيه المسيحيون منذ القرن الأول للميلاد وكانوا سبباً رئيسياً لإبرازه إلى حيز الوجود وتكوينه كدولة ووطن نهائي لأبنائه.

سنوات من الحروب أنهكت الوطن وشعبه إلى أن وصلنا إلى الطائف وكلنا دفعنا الأثمان،ورغم طمأنينة الطائف استمرت الهواجس بخلاص لبنان فدعا البعض إلى الدولة المدنية،

الدولة التي لا تتنازع فيها الطوائف على الكراسي والمناصب،وكنا قد بدأنا، كمسيحيين، بتسليم سلاحنا بعد الطائف،أن نرتضي أيضاً بالدولة المدنية التي لم نتشجع لأجلها يوماً نظراً لتجارب سابقة مع كل الأفرقاء في

الوطن.

غير أن الآونة الأخيرة أعطت إشارات غير مطمئنة إن كان من ناحية التعامل أو من ناحية الخطاب مع الأفرقاء في الوطن،فالتعنت أصبح واضحاً وارتفاع منسوب خطاب الإخضاع للأمر الواقع بات خبزاً يومياً وتدهور الأوضاع

المالية والإقتصادية والإجتماعية داهم تفكير كل مسيحي بعد أن شعرنا أنه يُنظر إلينا كتهديد كلما حاولنا أن نعلي الصوت ونطالب بحقوقنا،

بل وأكثر من ذلك،أصبح التهجم على مقاماتنا الدينية وبشكل خاص على بكركي ومقام البطريرك أمراً روتينياً بشعاً غالباً ما يقوم به أشخاص يغردون خارج سرب الوحدة الوطنية والعيش المشترك،

وآخر الفصول كان الكلام الذي أورده الكاتب الصحافي والرفيق المناضل سيمون أبي فاضل وكانت خلاصته أن أحد أصوات الأفرقاء الشيعة بعث برسالة إلى الحريري مفادها أن المسيحيين إلى زوال من هذا الوطن وعلى

المسلمين ترتيب خلافاتهم وبيتهم الداخلي، وهذا ما وضعناه في مصاف أصوات النشاز التي تدعو إلى الفتنة الطائفية بدل أن تدعو إلى الدولة المدنية،

فهل هذه الأصوات تمثل فعلاً إخوتنا الشيعة في الوطن وهل يرتضي لنا إخوتنا المسلمون أكانوا سنّة أم شيعة ذلك ونحن فعلاً نستهجن هكذا أبواق فتنوية طائفية ونطالب بلجمها قبل أن تتفاقم الأمور إلى ما لا يحمد عقباه،

ونستنكر ما صدر بحق البطريرك الراعي من المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى فنحن لا نرضى لنا ذلك على قدر ما لا نرضاه لكم.

لكن نذكّر إخوتنا في الوطن، الشيعة والسّنة على حد سواء، بأننا الشريك الوطني الذي لطالما كان على مسافة واحدة من الجميع ولعب دور صمام الأمان لكل الوطن،

نحن من رمى سلاحه فداء السلم الأهلي لكي يعود لكنف الدولة فيما بعضكم ما زال يزيد من ترسانته الصاروخية،

نحن الذين جذورنا من جذور الأرز التي تعشق بصلابة هذه الأرض التي وطئتها أقدام المسيح،

نحن أصحاب وطن ال١٠٤٥٢كلم٢ الشعار الذي رفعه الشهيد الرئيس بشير الجميل

ونحن الذين وثقنا بمدرسة الإمام موسى الصدر الذي آمن بحياد لبنان وبرقي القضية الفلسطينية وهو الذي صلّى من الكنائس،

فما بال بعض مسؤوليكم وكتّابكم يخرجون علينا بكلام ورسائل بين الفينة والأخرى أقل ما يقال فيها أنها مستفزة ولا تمت لدعوتكم للعيش المشترك والدولة المدنية بصلة ولماذا لا يبادر الثنائي الشيعي إلى إسكاتها

وأصبحنا نتساءل إن كان يتبناها.

إن صح ذلك، نعيد ونذكركم بأننا قوم الشهداء في سبيل القضية والوطن ومتى لاح الخطر كنا له بالمرصاد فتاريخنا يشهد على نضالاتنا وكل توقنا كان لإيجاد وطن غير مرتهن وغير خاضع للمحاور نعيش فيه معاً فمن

يحاول أن يتسهّل إلغاءنا إنما يلغي نفسه ومن يستسهل رحلينا سيجد نفسه أمام معضلة فتاريخ لبنان يشهد أن لا طائفة استطاعت أن تبتلع أخرى،

وكل كلام عن الخلاص منا هو كلام نفاق ورياء،وسيجد أصحابه أنفسهم تبتلعهم نار الحقد والكراهية بعد أن يفقدوا المسيحي الذي هو القاسم المشترك بين كل الطوائف ونبراس الحضارة والعلم والثقافة.

يا سادة نطمئنكم، لن نتخلى عن أرضٍ قدستها أقدام المسيح وسندافع إلى آخر رمق عن كل صليب ارتفع شامخاً فوق جبل من جبال لبنان،

نطمئنكم بأننا باقون بإرسالياتنا ومدارسنا ومؤسساتنا وعلمنا وثقافتنا وباقون بقوة المسيح وسواعد رجالنا متى دقت أجراس الخطر،

لكم خلافاتكم فلا تعكسوها علينا ودعونا بسلام،فنحن يوماً لم نقاتل إلا للعيش بسلام وكرامة،

واحذروا مما يضمره بعضكم واحذروا إن يوماً لم نعد نريد أن نكون ملائكة وعدنا كي نكون، شياطين هذا الشرق.
ميشال جبور

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!