بكركي من عركة لعركة لا نورها ولا زيتها شح … بقلم ميشال جبور
صدى وادي التيم – رأي حر بأقلامكم
- بكركي من عركة لعركة لا نورها ولا زيتها شح، كلن عم يحكوا تركي إلا بكركي بتحكي صح” البطريرك الكاردينال مار نصر الله بطرس صفير
منذ أيام نضال البطريرك إلياس بطرس الحويك لإستقلال لبنان وكيانه، منذ الإستقلال في عهد البطريرك أنطون بطرس عريضة وفي كل المراحل العصيبة التي عصفت بلبنان خلال عهد البطريرك الكاردينال مار نصر الله بطرس صفير وزيارة البابا يوحنا بولس الثاني للبنان،هذا البابا الذي أحب لبنان وأحب تعايش الطوائف فيه وثمنّها بمقدار محبته الكبيرة فأطلق على لبنان بركته وأسماه بلد الرسالة،حمل الموارنة مجد لبنان في عقلهم وقلبهم، فكانت قوميتهم هي لبنان السيد الحر المستقل والعيش المشترك والإنفتاح على كل الطوائف، الموارنة وصخرة ثباتهم بكركي في صرحها العنيد الذي قاوم كل من أراد تقويض حرية لبنان واستغلاله لمآرب سياسية وإقليمية، صوت بكركي الذي لطالما صدح بأعلى صراخ الحرية مدافعاً عن لبنان ووجوده كبوابة الشرق على الغرب، عاد ليصدح اليوم بأعلى مما سبق بصوت البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، الذي طالب بحياد لبنان لأجل خلاصه من هذه الأزمة الخطيرة والمستفحلة التي ألمّت به بسبب بعض من يريد التقوقع في نزعته الإنعزالية والإبتعاد عن محيط لبنان العربي والدولي الطبيعي.
بكركي التي تمثل العمق المسيحي اللبناني والرئاسة المارونية، فأصل الرئاسة نضال الموارنة من سبر المغارات إلى تأسيس الأديرة والكنائس والمدارس وثباتهم أمام كل إضطهاد على مر التاريخ، ترى اليوم مدى القهر والعوز الذي يداهم اللبنانيين جميعاً، وهي تعي أن المآسي المتفاقمة من تدهور إقتصادي ومالي وإجتماعي إنما هو نتيجة لتراكمات الفساد على مدى السنين ونتيجة أخذ لبنان رهينة بيد من يريد أن يحمي الفساد، وإبعاده عن حضنه العربي وزجه في مماحكات إقليمية واستخدامه كورقة تفاوض في مشاريع مشبوهة لا تشبه وجه لبنان الحضاري الذي لطالما كان مشرقاً ومنفتحاً على كل أخوته العرب وأصدقائه من المجتمع الدولي.
علا صوت بكركي، لتذكر الجميع أن كرسي رئاسة الجمهورية ليس لخدمة الصراعات الإقليمية بل لخدمة لبنان واللبنانيين بكل طوائفهم وأطيافهم، فكانت صرخة الحياد المحقة والنابعة من صميم الخوف على مصير لبنان وشعبه الذي يعاني من بأس الفساد المستشري وبات كل لبناني اليوم في خطر إجتماعي ومالي وصحي والبطالة تتفاقم، وهذا الفساد الذي نخر كل أساسات الدولة وما زال متوارياً لم يستطع أحد كشف حتى خيط له، لأن المنظومة القائمة اليوم تلبس رداء الفساد من رأسها إلى أخمص قدميها، ما زال محمياً ويتاجر اليوم بأرواح اللبنانيين على كل الأصعدة لأن هنالك ربما من ليس فاسداً لكنه يحافظ عليه مخافة الضغط عليه والإشارة إلى سلاحه، فلبنان هو بلد الإنفتاح ورسالة التعايش والمحبة،وما زال هنالك من لا يجرؤ على محاربة الفساد، كأنه متمسكٌ بمعادلة لكم فسادكم ولي سلاحي، وشبح الجوع والفقر بدأ يرخي بظلاله على كل المناطق في لبنان، فلا منطقة آمنة من الجوع والعوز والإنفجار الإجتماعي إن حصل فسيؤدي إلى ما لا تحمد عقباه.
نداء بكركي الصارخ إنطلق من وضوح رؤية عميق لما عاناه لبنان على مر العصور، فقد شهد لبنان المجاعة على يد الأتراك وكانت الأديرة والكنائس المارونية إلى جانب اللبنانيين جميعاً دون تفرقة، واليوم والجاليات المارونية في جميع أصقاع العالم تتلمس الخطر الذي يحدق بلبنان والشر الذي يحوم حوله منتظراً اللحظة المناسبة للإنقضاض عليه وتغيير معالمه ووجهه الحضاري، فأينما كان الموارنة إختلجتهم دائماً مشاعر الإنتماء والحنين للبنان وبكركي لبنان والموارنة واللبنانيون عابرة بصوتها إلى كل زوايا العالم،فقد إنزعج البعض وعمد إلى التطاول على البطريرك ومقام بكركي لأن هكذا دعوة ومضمونها تؤسس ليس فقط لحياد لبنان بل لإنتزاع لبنان من براثن مفترسين يريدون تقطيع لبنان بما يحلو لهم وتقاسمه بحسب أهواء أطماعهم،وفي هكذا معركة لا نتوقع أقل من ذلك، لكن المثير للإستهجان هو بعض الأصوات التي عبّرت عن استيائها قائلة بأن كلام البطريرك لا يتلائم مع ما تداوله مع رئيس الجمهورية، مع أن ما قاله البطريرك في بعبدا كان قد سبق وأورده في حديث له على إذاعة الفاتيكان قبل أيام من توجهه لبعبدا،وقد أصدر مكتب رئاسة الجمهورية بياناً يعرب فيه عن امتعاض مبطن وأن رئاسة الجمهورية قد اتصلت بالفاتيكان وهي لا تستسيغ ما قاله البطريرك، وهذا خطير، فالفاتيكان لم تلعب يوماً دور الوصي على بكركي وإن كان البعض يفهم ذلك بما يحلو له، غير أن عمق أواصر العلاقة بين بكركي والفاتيكان يجلب لكرسي رئاسة الجمهورية أهميته وليس العكس، واليوم وللأسف، هذا الكرسي يحاول التبرأ من نداء بكركي وصرختها المحقة، فلمن يعتقد بأنه إن امسك بكرسي الرئاسة يستطيع الإمساك بزمام الأمور، فاته إن هذا الكرسي والحفاظ عليه طوال سنين كان بسبب امتداد العلاقة بين بكركي والمجتمع الدولي والعربي وقوتها ومفاعيلها، وحياد لبنان اليوم يجب أن يأخذ حيزاً ملموساً لتجنيب اللبنانيين الظلم والقهر والجوع، وبكركي “ما بتحكي إلا صح”.
ميشال جبور