فوضى وتفلّت وحوادث قاتلة.. وخوذة للديكور!

صدى وادي التيم-لبنانيات/

هم في كل مكان، بين السيارات وعلى الأرصفة، في الأزقة والزواريب كما في الشوارع العامة، وتحت الجسور وحتى في التظاهرات والتجمعات الشعبية…هم سائقو الدراجات النارية الصغيرة و» ألوية الموتسيكلات» الحاضرون أبداً للتدخّل تسهيلاً لحياتنا اليومية أوعرقلة لها. متّهمون هم بالتسبب بحوادث سير كثيرة، ولكنهم أيضاً ضحايا هذه الحوادث. متّهمون بعدم احترام أبسط قواعد قانون السير ّولكنهم بدورهم ضحايا عدم التشدد في مراقبة وتطبيق قانون السير. «الحقّ عليهم» أم أنهم ضحايا وضع البلد؟

42000 دراجة نارية دخلت لبنان في العام 2022 حتى شهر تموز منه، فيما كان العدد 21000 في العام 2021 وفق الإحصاءات. وهذا الرقم وحده كفيل برسم صورة واضحة عن مدى اجتياح الدراجات النارية شوارع لبنان ومدنه الأساسية مع تفاقم الأزمة المالية وارتفاع سعر المحروقات. تجار هذه التجارة الرائجة كثر، قليلهم لا يزال يستورد الماركات اليابانية المعروفة وكثيرهم يستورد الدراجات الصينية الصنع المقبولة الأسعار. في طرابلس حركة استيراد كبيرة للدراجات النارية وفق ما يشرح لنا جوزيف أبو ديوان صاحب أحد معارض الدراجات النارية، وتجار كبار يوزعون على السوق وتجار أصغر يستوردون لحسابهم الخاص.

دراجات نارية غير شرعية تجوب الطرقات:

«قبل العام 2014 كان يسمح بدخول الدراجات النارية المستعملة ما ساعد في انتشارها بشكل كبير وصار الكل قادراً على الحصول على دراجة صغيرة بسعر زهيد يبدأ من 400 دولار وما دون أحياناً. وساعد تدني الرسم الجمركي على الدراجات في انتشار استيرادها بشكل كبير. العام 2014 صدر قرار يمنع استيراد الدراجات المستعملة أو التي يتخطى عمرها ثلاث سنوات ما ساهم في رفع أسعارها بشكل كبير. ومع رفع سعر الدولار الجمركي يتوقع أن يزيد سعر الدراجات الصغيرة حوالى 120 دولاراً.

البضاعة الصينية هي سيدة السوق والدراجات الصغيرة سعة 150 سنتم مكعب هي الأكثر طلباً ومبيعاً اليوم وتدخل الى لبنان بشكل شرعي عبر المرافئ. لكن هذا لا يعني أن كل الدراجات النارية المباعة في لبنان شرعية وفق ما علمنا من أحد المصادر. فبيع الدراجات المسروقة مزدهر لا سيما في مناطق ومخيمات معينة ولا حسيب على هذه العمليات ولا رقيب وقد لا يتعدى سعر الدراجة الصغيرة «المخبوطة» أي المسروقة 150 دولاراً. وتزدهر تجارة الدراجات الصغيرة المسروقة في المدن اللبنانية فيما الدراجات الكبيرة تنقل الى سوريا حسبما يروي لنا المصدر. بعض التجار لا يتوانون عن بيع الدراجات المسروقة طمعاً بالربح السريع السهل ولو أدى ذلك بهم لدخول السجن. ومع تحفظنا على هذه المعلومات إلا أننا نوردها كما سمعناها.

من جهة أخرى يقول المصدر نفسه أن ثمة طريقة أخرى للحصول على دراجة بسعر زهيد وإن كانت غير شرعية. فالدراجات التي تحتجزها القوى الأمنية وتتركها في مرائب لمدة سنة، يصار بعد هذه الفترة الى طرحها في المزاد العلني لتباع « كسر» أو قطع غيار. ولكن ما يحدث أن بعض أصحاب «البوَر» يعمدون الى بيعها لأي كان ( لبنانياً كان أو غير لبناني) لتسير على الطرقات وهو أمر لا يسمح به القانون، إذ لا يمكن تسجيل هذه الدراجات قانونياَ. لكن هذه العمليات تحدث وتترك دراجات مجهولة الهوية تسيرعلى الطرقات يستخدم الكثير منها في عمليات النشل والسرقة وفي الاعتداءات المختلفة على المواطنين.

البيع الشرعي وفق ما يقول السيد جوزيف أبو ديوان لا يمكن أن يتم إلا لمن هم فوق الثامنة عشرة من عمرهم ويجب ان يترافق البيع مع تسجيل الدراجة وكانت كلفته مع النمرة تبلغ حوالى 600000 ليرة لبنانية. لكن مع توقف مصلحة تسجيل السيارات عن العمل حالياً فإن عمليات التسجيل شبه متوقفة. تسجيل الدراجة لا يفترض امتلاك صاحبها رخصة قيادة، أما قيادتها فهي بحاجة لرخصة وهي تعطى لمن أكمل الثامنة عشرة من عمره إثر نجاحه في امتحان للقيادة.

مخالفات بالجملة:

هنا نصل الى بيت القصيد. فهل كل سائقي الدراجات النارية الصغيرة يملكون رخصة قيادة أو خضعوا لامتحان أو حتى تعلموا أصول القيادة وأبسط قواعد سير الدراجات على الطرقات؟ بالطبع لا… وإلا كيف يمكن لـ»أطفال» لم يبلغوا الثامنة عشرة بعد أن يشتروا ويقودوا دراجات نارية ويسيروا بها في الشوارع العامة؟ وكيف يمكن لدراجة مخصصة في الأصل لراكبين أن تحمل عائلة بكبارها وصغارها؟ وكيف لعمال الديلفري وغيرهم أن يقودوا دراجاتهم بلا خوذة؟ وكيف يسمح لهم بالتسلل بين السيارات والقفز أمامها من دون إنذار أو التوجه عكس السير وتعريض سلامتهم وسلامة الآخرين للخطر؟

« الحق ليس دوماً على سائق الدراجة»، يقول أبو ديوان «بل على التراخي في تطبيق القانون الذي جعل هؤلاء يفلتون على هواهم ويخالفون القوانين. في بلدان العالم هناك ما يعرف بـ Police Patrol او دوريات الشرطة البلدية المناط بها مراقبة الدراجات وتسطير محاضر ضبط بحق المخالفين. أين نحن في لبنان من هذه المراقبة؟ ومن يفرض غرامات لمنع المخالفات؟ هذا من جهة ومن جهة أخرى الأولية على طرقات لبنان هي لسائق السيارة فيما سائقو الدراجة يعتبرون درجة ثانية ويعانون لشق طريقهم وجعل السائق يتنبه لهم وهذا ما يتسبب لهم بحوادث سير مميتة احياناً».
لا شك أن تصرفات الدراجات النارية على الطرقات غير مقبولة والحوادث الى ازدياد ولكن في ظل هذه الأوضاع هل يمكن فرض غرامات على من يحاولون كسب لقمة عيشهم عبر دراجة صغيرة هي باب رزقهم؟

توجهنا الى اليازا للحصول على بعض الإحصاءات والمعلومات وقد رسم لنا فؤاد الصمدي منسق النشاطات في الجمعية ومدير النشاطات في الجمعية اللبنانية للدراجات النارية صورة قاتمة عن الوضع.

« في ظل الأزمة الاقتصادية الكبرى التي نعيشها صار المواطن يفتش عن وسيلة نقل توفر عليه كلفة البنزين والتنقل لا سيما بالنسبة للقاطنين خارج بيروت وللأشخاص الذين يضطرهم عملهم لاستخدام الدراجة مثل عمال الديلفري ما أدى إلى انتشار الدراجات بشكل كبير. لكن للأسف تزايد الدراجات أدى الى تزايد كبير لعدد الحوادث المميتة. طريق المطار مثلا من الأوزاعي الى الجناح يقول الصمدي تشهد يومياً حوادث كثيرة وإن كنا لا نملك إحصاءات رسمية عنها. أحد السائقين نجا بأعجوبة على طريق الأوزاعي حين سقط في حفرة ريغار فيما شخص آخر مع والده على الدراجة سقط في ريغار وتوفي في حادثة مؤلمة».

طبيعة الحوادث على الدراجات النارية متنوعة ومعظمها يعود الى حالة الطرقات السيئة ولا سيما الريغارات المفتوحة التي تسبب الكثير من الحوادث وغياب الإنارة الليلية. وإليها تضاف السرعة و»التشفيط» والحركات البهلوانية وهو ما دعا محافظ بيروت الى اتخاذ قرار بمنع سير الدراجات بعد الساعة السادسة مساء. ولكن مع انتفاء المراقبة وتطبيق قانون السير فإن الفلتان صار سيد الموقف. وازدادت نسبة الحوادث بشكل كبير مع غياب حواجز القوى الأمنية التي كانت تضبط المخالفين وغياب محاضر الضبط. أما إقفال مصلحة تسجيل السيارات فقد فتح الباب للدراجات غير المسجلة وغير الشرعية لتفلت على هواها على الطرقات دون اي رادع.

مزيج قاتل:

عدم احترام القوانين وإهمال تام لقواعد السلامة مزيج قاتل لسائقي الدراجات النارية. ففي الأيام العادية لم يكن سائقو الدراجات يهتمون بوسائل الحماية من خوذة أو بزات خاصة فكيف بهم اليوم وقد صارت هذه تباع بالدولار وباسعار عالية. يؤكد صمدي أن اليازا تواصلت مع القوى الأمنية ليس فقط للتشديد على فرض الخوذ على كل السائقين بل على منع استيراد خوذ بلاستيكية زهيدة الثمن لا تتمتع بمواصفات الحماية المطلوبة تنكسر بسهولة عند الارتطام، يقتنيها السائقون لا لحماية أنفسهم بل للتهرب من قوى الأمن…

« الدراجة النارية تعبر عن طبع صاحبها وأخلاقه سواء استخدمها للعمل، ام للتشفيط أو حتى للسرقة. وهنا مسؤولية كل دراج أن يظهر صورته الحقيقية على دراجته كما مسؤولية قوى الأمن أن تفرض سيطرتها من جديد على الأرض عبر الحواجز ليس لفرض تسجيل الآليات بل لتكون الرادع للمخالفات وللتأكد من السرعة ووضع الخوذ واحترام عدد الركاب ووجوب وجود تأمين إلزامي للدراجات وحتى تأمين ضد الغير كما توصي اليازا».

ومن مظاهر التفلت اليوم استخدام الدراجة لأكثر من شخص وقد بات الكثيرون يستخدمونها لنقل عائلة بأكملها حتى 6 أو سبع أشخاص. «هو أمر خطر جداً ومستفز يقول الصمدي لأن رب العائلة يقود عائلته بهذا الشكل نحو المجهول او حتى الى الانتحار.غلطة صغيرة من سائقها تؤدي الى انقلاب الدراجة وإصابة كل من عليها. منذ فترة غير بعيدة تعرضت عائلة من أربعة أشخاص على دراجة قرب المدينة الرياضية لحادث توفيت فيه الأم وابنها، فيما أخرى في منطقة الأوزاعي سقط منها طفل وتوفي في حادث مؤلم وحادث مماثل في بلدة عربصاليم توفي فيه رضيع لا يتخطى الأربعة اشهر إثر سقوطه عن دراجة نارية كان فيها مع والديه».

باختصار لا رقابة لا محاسبة ولا دولة على الأرض. 5% فقط يبلغ التزام سائقي الدراجات بقانون السير وشرعية التسجيل ورخصة القيادة والباقي كله يسير بشكل غير شرعي. فهل نتفاجأ بعد بتزايد الحوادث وبما نراه من صور نافرة على الطرقات؟ لكن هذه الصورة القاتمة تقابلها صورة مشرفة لمواكب الدراجات النارية التابعة للنادي اللبناني للدراجات النارية التي تجوب الطرقات والمناطق في نشاطات سياحية وترفيهية راقية تعكس الوجه الجميل للبنان.

درّاجات عائلية:

ظاهرة جديدة تشهدها طرقات لبنان بتواتر كبير ما عرفته سابقاً ظاهرة تحول الدراجات النارية الى شبه حافلات تحمل على متنها عائلات بأكملها. حتى ثمانية أفراد من الكبار والصغار يتراصون معاً خلف سائق الدراجة الذي غالباً ما يكون رب العائلة. «هم بغالبيتهم الساحقة من السوريين الذين يعجزون عن التنقل بأية وسيلة أخرى» يؤكد أحد العارفين. دراجات تحمل اسم Part يبدأ سعرها من 400 دولار تباع عند الوكلاء ولا سيما قرب السفارة الكويتية في بيروت. تنغل بها طرقات العاصمة والضواحي لكنها في مناطق الأطراف حيث تواجد اللاجئين السوريين تكاد تتحول الى اجتياح مع زميلها التوك توك. غالبيتها غير مسجلة، فالقانون يمنع السوريين الذين لا يملكون إقامات في لبنان من تسجيل دراجاتهم لكن التحايل سيد الموقف. يشترونها باسم شخص لبناني يعطيهم وكالة لقيادتها وهكذا يتنقلون بها مع عائلاتهم على الطرقات بوكالة تكاد تكون شرعية. اليازا مستنفرة ترفع الصوت قائلة من حق اي انسان لبنانياً كان ام سورياً او فلسطينياً أن يقتني دراجة على أن يتم تسجيلها ولا يحق له استلامها إلا بعد ان يقدم رخصة قيادة وسجل عدلي وإفادة سكن. لكن من يراقب اليوم ؟ ومن المسؤول عن عائلات تسير نحو الانتحار على دراجة نارية؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!