أحلام أطفالنا تجسد واقعاً يعيشونه بصمت.. إنتبهوا لأدق التفاصيل!

صدى وادي التيم – متفرقات:

استيقظت صغيرتي وهي تبكي وتصرخ “زينة زينة”. إنه اسم خالتها. ظننتُ أنها تفتقدها أو أن حلماً سيئاً راودها عنها. اتصلت بها كي تكلمها وتطمئن لكنها استمرت بالبكاء. لم توافق على إخباري ما بها ولم تقبل حتى أن أغمرها كي أواسيها. مر وقت ومزاج صغيرتي سيء جداً. إلى أن اكتشفت أخيراً سبب انزعاجها.

كنتُ أحضر نفسي لاصطحاب ابنتي الكبرى إلى جلسة العلاج اللغوي. فأخبرتُ أميرتي أننا سنصطحبها إلى منزل جدتها ومن ثم نعود ونحضرها معنا إلى المنزل كالعادة. فإذ بها تترك لعبتها وتسألني “لن تتركيني كما تركتماني أنتِ وبابا عند الطبيب؟”. التفتُ نحوها باستغراب مستفسرة عن سبب سؤالها هذا. فقالت لقد تركتماني أمس عند الطبيب ولم تعودا لاصطحابي. وقد كنتُ أبكي وأبحث عنكما، لم أجدكما فناديت خالتي زينة لكنني لم أجدها. وأكملَت قائلة “وولفو وباندو كانا يبكيان أيضاً ويبحثان عن أمهما”.

أمي هل ستتركيني كما فعلتِ في الحلم؟

وولفو وباندو شخصيات كرتونية تتابعهما صغيرتي. استنتجتُ حينها أنها تتحدث عن ذاك الحلم. فاقتربتُ منها وغمرتُها. قررتُ حينها أن أتوقف قليلاً عن الكلام، وأن نقضي يوماً ممتعاً معاً. فأنا أعرف أن ابنتي الصغيرة الذكية ذات الأربع سنوات ستجد طريقة لتغير الحديث إن استمريتُ بالضغط عليها وطرح الأسئلة. ثم طلبتُ من زوجي أن يوصل ابنتي الكبرى وأخبرته أنني سأبقى برفقة أميرتي اليوم.

كانت تلون رسمة فراشة وبدأتُ أخبرها أنني ذات يوم حلمتُ أنني أطير كالفراشة ثم استيقظ واكتشفت أنه حلم وأن الأحلام غير حقيقية. فسألتني “تقصدين أنكما لم تتركاني عند الطبيب بمفردي كما تتركانني في منزل جدتي”. لم أفهم سبب عبارتها هذه فهي مَن تطلب يومياً بإلحاح الذهاب إلى منزل جدتها وتعاند حين نصطحبها للعودة إلى المنزل وتطلب البقاء هناك.
فسألتها “أميرتي ألستِ أنتِ مَن تطلبين البقاء هناك؟ لِمَ لا تخبريني أنكِ تريدين البقاء معي وتصرين على الذهاب؟”. هنا أتت الإجابة الصادمة.. قالت “أمي أنتِ تأخذين أختي كل يوم عند الطبيب ثم تذهبين إلى العمل. لن تتمكني من الاعتناء بنا أنا وأختاي معاً. أنتِ تتعبين كثيراً.”.

مع الأسف الشديد، إنها كلماتي.

صغيرتي سمعت حديثي حين كنتُ أخبر والدها أنني متعبة. لم أكن انتبه أنها تصغي إلينا آنذاك. غالباً ما أحرص على عدم جعلها تشعر بأنني مرهقة أو بأنها تشكل مصدر إزعاج أو تعب بالنسبة لي. وأبذل ما بوسعي لاختيار كلمات غير جارحة حين أغضب. لكنها سمعت كل شيء.
هي تتصرف عكس إرادتها فقط لأنها تحبني. إنها تود البقاء معي لكنها تطلب الذهاب. وتود العودة إلى المنزل لكنها تعاند حين نتأخر باصطحابها لأنها تشعر بأنها تزعجنا وتتعبنا. إلا أنها في الوقت نفسه تشعر بأننا “نتركها”. يا لقسوة وقع هذه الكلمة على قلب طفل. شعرتُ بالذنب يضرب قلبي في الصميم.

لم أكن لأتوقع أن طفلة بهذا السن قادرة على التفكير والتصرف بهذه الطريقة، كيف تمكنت من إخفاء مشاعرها وتمثيل العكس؟ إنها صغيرة جداً. للحظة عاد بي الزمن ثلاثين سنة. إنه نفس شعوري حين كنتُ طفلة. كنتُ أظن أنني مصدر إزعاج وأنني أتعب أمي وأزعجها مهما فعلت. وكنتُ أحاول أن أكون هادئة وان أبتعد عن الجميع قدر الإمكان.
اعتذرتُ منها وقبلتها كثيراً وبكيت. أكدتُ لها أنني من المستحيل أن أتركها يوماً، وأنها أجمل نعم الله عليّ وأنها أحد أهم أسبب سعادتي وامتناني.

دققوا في تفاصيل حاضر أطفالكم.. لن تستطيعوا تغيير ماضيهم حين يكبرون

تحتاج التربية إلى وعي وانتباه إلى أدق التفاصيل. لقد كان مجرد حلم، لكنه بالنسبة لطفلتي كان يجسد الواقع الذي تعيشه بصمت دون أن نعلم. دققوا في التفاصيل، أنظروا ما وراء كلمات أطفالكم، ابحثوا ما خلف سلوكهم وتصرفاتهم، قد يصدمكم ما قد يخفونه داخلهم. أطفالنا يعلموننا الكثير، والأذكى هو مَن يتمكن من فهم الدرس.. قبل فوات الأوان. لا يمكننا يوماً أن نعود لتغيير ماضيهم وذكرياتهم حين يكبرون، لكن بإمكاننا حتماً تغيير حاضرهم وجعله كما يستحقون.

سماح خليفة – التربية الذكية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!