ما هي فوائد تشغيل مطار القليعات؟
صدى وادي التيم-لبنانيات/
لم يستفد لبنان يوماً من موقعه الاستراتيجي على الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، وضيَّقت الطبقة السياسية الحاكمة منذ اتفاق الطائف عمل الدولة كمؤسسة عامة وفتحت أبواب السمسرة لمجموعات محسوبة على هذا الزعيم أو ذاك، فتحولت الميليشيات المسلحة بالحرب الى كوادر وظيفية تدير الدولة بذهنيتها التي كوّنتها في حرب الاحياء والشوارع.
منذ ولادة الحكومة الاولى بعد الحرب الأهلية، والحديث عن اعادة تشغيل مطار القليعات يتناوله المعنيون كـ “فشة خلق” لكل لبناني يُعاني من صعوبة الانتقال الى مطار العاصمة للسفر، وزحمة السير الخانقة التي كانت تشهدها مداخل بيروت قبل تطوير شبكة المواصلات ولاحقا ارتفاع أسعار البنزين كانت كفيلة بتأخر الركاب عن طائراتهم والاضطرار الى حجز جديد على الطائرة التالية لأن الاولى تكون قد انطلقت ولم يتمكن المسافر من اللحاق بها.
مطار القليعات الذي يعود الى منتصف القرن الماضي كانت تعود ملكيته في الأصل إلى شركة نفط العراق وكانت تحت الادارة الانكليزية ثم تسلمته الدولة اللبنانية من الشركة وبدأت تطويره وتأهيله مطاراً عسكرياً بموجب معاهدة الدفاع العربي المشترك عام 1967 بُعيد حرب حزيران، كما تمت الاستفادة منه في الحرب الأهلية حيث سُيرت الرحلات الداخلية من قبل طيران الشرق الأوسط قبل أن يتوقف عن استقبال الرحلات في أواخر العام 1991. عوامل كثيرة تضغط اليوم لاعادة تشغيل مطار القليعات وهي ذات أبعاد اقتصادية سياسية وأمنية.
في البعد الاقتصادي يوفر موقع المطار أهمية استراتيجية للبنان، فهو على الخط الساحلي السوري وصولا الى مناطق تركية محاذية لسورية كما يرتبط بشبكة طرق دولية ساحلية وداخلية تساهم بتطوير القطاعات الزراعية والصناعية في الشمال. فسهل عكار القريب من المطار قادر على تصريف انتاجه الزراعي بكلفة مالية أقل من تلك التي يدفعها اليوم، والاهم ان مطار القليعات يُعيد احياء فكرة طرابلس كعاصمة اقتصادية، حيث تسمح جغرافية المنطقة بنقل البضائع من والى طرابلس عبر مطار القليعات وتخزينها في المرافق التي استُحدثت في عاصمة الشمال كمعرض رشيد كرامي وسوق الخضار الكبير الذي شيد حديثا عند المدخل الشمالي للمدينة، والدراسة التي وضعتها مؤسسة “إيدال” قبل سنوات أظهرت أن اعادة تشغيل المطار توفر نمواً في مجالات التجارة والزراعة والصناعة والسياحة في لبنان وللشمال وعكار. وفي زمن البحث عن السائح وجذبه الى لبنان يُوفر المطار تسهيلات كبيرة لناحية التنقل، فالسائح الراغب بزيارة الطبيعة في بشري زغرتا وعكار يُعاني من صعوبة الانتقال من بيروت، في حين أن انتقاله من القليعات الى تلك المناطق يوفر عليه الكثير من الوقت والمال كما أنه يُنشّط الدورة الاقتصادية والسياحية في المنطقة التي تكتنز آثارا وطبيعة ساحرة وتؤمن فرص عمل لآلاف الشبان.
يؤكد مرجع وزاري مواكب لملف النقل بأن أحزابا وقوى سياسية ترفض فكرة تشغيل مطار ثان الى جانب مطار بيروت، وهي تسعى الى توقيف أي مشروع لتطوير هذا المطار وتُرجع الاسباب التي تمنع الاقدام على اي خطوة لتطويره الى ادارات الدولة التي تُفرمل أي مشروع من خلال طلب المستندات واحالتها الى الدوائر المختصة بحجة اشباعها درسا، وهي في الواقع تسعى الى تطيير المشروع لأن تطبيقه على أرض الواقع يُعيق عملها في بيروت ويؤثر سلبا على الشبكات التي تديرها داخل المطار وهي متشعبة، تبدأ بوسائل النقل البري ولا تنتهي باعمال الصيانة والسوق الحرة. تطالب أطراف عدة بضرورة اعادة تشغيل مطار القليعات لأنه والى جانب أهميته الاقتصادية لديه القدرة على تفكيك عمل الشبكات التي تعمل داخل المطار وتحظى بغطاء سياسي من جهات معروفة.
ينقلنا البعد السياسي الى الابعاد الأمنية الخفية التي تدفع الى اعادة تشغيل مطار القليعات. تلك الابعاد تحدثت عنها تقارير دولية وتم التحقق منها عبر اجهزة استخباراتية عالمية، أكدت أن بعض الجهات تسعى الى ابقاء مطار بيروت الدولي المنفذ الوحيد للطيران من والى الداخل، وتحدثت أيضا عن شبكات تراقب حركة الطيران والزوار والسيطرة على المنافذ التي يمكن من خلالها تهريب البضائع أو تمرير تلك المستوردة من دون خضوعها للنظام الضريبي. وقد شكت بعض الدول من مراقبة حركة موفديها الذين يحطون في لبنان عبر مطار بيروت الدولي حيث يتم تسريب بيانات الوصول.
وفي اطار الضغط لتشغيل المطار، وجهت بعض القوى المعارضة كتبا الى الجهات المانحة مطالبة اياها بضرورة تشغيل مطار القليعات ولكن بقيت من دون أي جدوى، لأن القرار هو سياسي بامتياز ولا يتعلق بالتمويل اذ أبدت دول ومنظمات جهوزيتها لهذا الامر الذي يستوجب اعادة صياغة مشروع دولة جديد يأخذ بالحسبان تطوير قطاع النقل العام ويُعيد تشغيل مطار القليعات في الشمال ومطار رياق في البقاع.