مخاطر داهمة بعد 15 أيار أولها سعر الصرف
صدى وادي التيم – إقتصاد /
ملفات كثيرة تمّ إرجاء البتّ بها إلى ما بعد الانتخابات، أي الى ما بعد 15 ايار، حيث من المفترض ان تتخذ فيها الحكومة العتيدة والمجلس النيابي الجديد قرارات مصيرية،
منها الشكل النهائي الذي سترسو عليه خطة التعافي المالي، الصيغة النهائية لقانون «الكابيتال كونترول»،
توحيد سعر الصرف، تسعير الليرة ومصير أموال المودعين، على ان ترسم هذه الملفات وما ستتضمنه من خيارات، خريطة الطريق لمستقبل لبنان ووجهه الاقتصادي والاجتماعي الجديد. ما بعد الانتخابات ليس كما قبله، فالدولة والأحزاب السياسية امتنعت عمداً
عن اتخاذ أي خطوة اصلاحية لانقاذ لبنان من الانهيار، خشية ان ترتد عليها سلباً في صناديق الاقتراع، لذا فإنّ الخطوات التي ستتخذها السلطة بعد الانتخابات ستكون نفسها التي تمنّعت عنها سابقاً،
كي لا تُغضب مناصريها، منها خطة التعافي التي لا بدّ منها، إقرار «الكابيتال كونترول»… انما الأخطر إنفلات سعر الصرف، لأنّ المركزي لم يعد قادراً على حرق المزيد
من اموال المودعين من اجل تثبيت سعر الصرف في حدود 22 الفاً، رغم موافقته على تمديد مفاعيل التعميم 161 حتى نهاية ايار، ناهيك عن ارتفاع سعر الصرف في السوق السوداء للاسبوع الثاني على التوالي
الى حدود 27 الفاً. فكيف سيكون المشهد الاقتصادي والمالي بعد الانتخابات؟
وما هي الملفات العالقة التي ستنفجر تداعياتها بعد 15 ايار وتنعكس بشكل أسوأ على البلد؟
في السياق، وصف المستشار والخبير المالي نيكولا شيخاني لـ»الجمهورية» مرحلة ما بعد الانتخابات بالخطيرة والصعبة جداً، أبرزها الخشية من ألاّ يتمكن مصرف لبنان من تأمين التمويل لأي قطاع، فيتراجع احتياطه تحت الـ10 مليارات دولار،
ويصبح كل شيء معرّضاً للخطر بدءاً من الكهرباء الى الادوية والمواد الغذائية… كذلك، كيف ستؤمّن الكهرباء مع انتهاء مفاعيل الاتفاقية مع العراق التي
على أساسها يتمّ تأمين الفيول الذي يؤمّن كحدّ اقصى 4 ساعات تغذية يومياً، وكيف سيتمّ ضخ المياه؟ أضف الى ذلك، انّ لبنان لم يوقّع بعد أي اتفاقية مع صندوق النقد الدولي،
مع العلم انّه بعد التوقيع سنحتاج اقله الى 6 اشهر لإعداد خطة معه، هذا ولم تبدأ بعد خطوة إعادة هيكلة المصارف، وهذه ستحتاج الى مدة تتراوح ما بين 6 اشهر الى عام،
والتي على اساسها سيتمّ فصل المصارف ما بين جيدة ومتعثرة، مشدّداً على انّ العمل الجدّي والفعلي سيبدأ بعد الانتخابات. وأكّد شيخاني أنّه لو تمّت ادارة الأزمة بشكل جيد منذ عامين لما كنا وصلنا الى ما نحن عليه اليوم،
ولما كنا احتجنا الى صندوق النقد. فيومها كان لدى مصرف لبنان 30 مليار دولار، بينما اليوم هو يملك 10 مليارات فقط. لافتاً الى انّ الطبقة السياسية لم تكن تريد العمل،
تارة خوفاً على السلم الاهلي وطوراً خوفاً من ردّة فعل المودعين قبيل الانتخابات. لكن بالنتيجة اصبحت حالتنا الاقتصادية اليوم أصعب بكثير من الشروط التي وضعها الصندوق.
وإهمال المعالجات المالية والاقتصادية وعدم العمل على الحدّ من الانهيار كلّفا البلد 25 مليار دولار خلال سنتين، وذهبنا الى صندوق النقد لنحصل على قروض بـ3 مليارات دولار مقسّطة على 4 سنوات.
والخشية تتعاظم اليوم من اقتراب الانهيار التام، إذ عادة تكبر الأزمة الاقتصادية ببطء،
انما لدى مفصل معيّن تهبط هبوطاً تاماً الى القعر. ونحن اليوم ما زلنا في الأزمة،
لكن اذا لم تتحرك السلطات المعنية خلال الاشهر القليلة المقبلة فالانهيار نحو القعر محتّم. وعن المخاطر الداهمة في المرحلة التي ستلي الانتخابات يقول شيخاني:
«أولها ولعلّ اخطرها سعر الصرف. فمصرف لبنان ما عاد يملك الاموال لتثبيت سعر الليرة مقابل الدولار، لأنّه يصرف بمعدل 600 مليون دولار شهرياً كي يحافظ على سعر ثابت للدولار في السوق السوداء،
والأكيد انّه لن يتمكن من الاستمرار في هذه الخطوة لأنّه يحرق الدولارات في السوق بينما هو قادر على بناء معمل للكهرباء بهذه الاموال شهريا. لذا، المطلوب اولاً اعداد خطة نقدية توحّد سعر الصرف ثم تثبته قدر المستطاع بهدف تحريك عجلة الاقتصاد.
ثانياً: وقف النزيف المتمثل خصوصاً بالكهرباء والاتصالات والتهريب على المرافئ. والمطلوب إعداد خطة لإعادة هيكلة القطاع العام، لأنّ خسارة الدولة ما عادت مقبولة.
وشدّد على ضرورة عدم رفع الضرائب على المواطنين، لأنّها لا تجوز عندما يمر أي بلد بأزمة اقتصادية، انما المطلوب تقوية الجباية وتفعيلها.
وتابع: «عندما نصل الى مرحلة تصبح فيها الميزانية متوازنة يمكن بعدها إعداد خطة اقتصادية تسمح بنمو الناتج المحلي.
ثالثاً: إعادة هيكلة المصارف لاستعادة ثقة المودعين فيها،
ومن المتوقع ان تؤدي هذه الخطوة الى تقلّص عدد المصارف من 55 مصرفاً الى ما دون الـ10، وإعادة تكوين رأسمالها، انما ليس باللولار بل باستثمارات خارجية، او قد يُقدم مصرف لبنان على بيع جزء صغير من الذهب (بما قيمته مليار دولار) وتوزيعه على المصارف المتبقية (نحو 200 مليون دولار على كل مصرف)، فهذه الخطوة كفيلة بعودة الثقة الداخلية وتشجيع المستثمرين الاجانب لضخ المال في القطاع، لا سيما إذا ترافق ذلك مع توقيع لبنان اتفاقية مع صندوق النقد». وشدّد شيخاني على ضرورة الّا يُستعمل احتياطي الذهب لسدّ ديون او إطفاء خسائر انما لخلق النمو.
رابعاً: إعادة هيكلة الديون الداخلية والخارجية.
فالدين الداخلي يشكّل نحو 80% بما يساوي حوالى 65 مليار لولار اي بحدود 4 مليارات دولار نقداً، أما الدين الخارجي فيشكّل ما نسبته 20% ويوازي نحو 30 مليار دولار نقداً منها 15 ملياراً للدائنين الخارجيين يجب تسديدها نقداً، اما تنفيذ هذه الخطوة فصعب جداً.
خامساً: إعادة هيكلة ميزان المدفوعات.
وهذه الخطوة اساسية من اجل اعادة إدخال الاموال الطازجة الى لبنان، وحتى الآن هي سلبية، اي انّ الاموال الخارجة أكثر من تلك الداخلة. لذا ولتحسين الميزان يجب اعادة هيكلة الشركات الخاصة، ضخ اموال جديدة في المؤسسات الخاصة الصغيرة والمتوسطة، مع اعادة تنظيم نموذج العمل، لتصبح السلع جذابة ومطلوبة لدى التصدير، خصوصاً في ظل انخفاض قيمة العملة.
سادساً: تطوير أصول الدولة ووضعها في صندوق سيادي،
إطفاء الدين بين الدولة ومصرف لبنان وتطوير الصندوق بمشاريع استثمارية على ان يتمّ تمويل الدولة من مردود الصندوق، سدّ فجوة مصرف لبنان كي نتمكن من استرداد الودائع خلال السنوات السبع المقبلة».
سابعاً: استقلالية القضاء، ففي غياب اي اقتصاد نزيه لن يجرؤ احد على الاستثمار وضخ الاموال في لبنان.
المصدر: الجمهورية