طرابلس تهرب من الفقر بقوارب الموت إلى أوروبا

 

صدى وادي التيم – لبنانيات:

تعتبر طرابلس أفقر مدينة من بين كل مدن شاطئ المتوسط . ومن ناحية ثانية تعتبر من المدن التي فيها عدد من أكبر أغنياء العالم.

.. وعلى هذا فإن طرابلس هي مدينتان: مدينة للفقر المدقع تتمثل بغالبية ابنائها، ومدينة ثانية ثانية عبارة عن بؤر لقاطنيها من الاثرياء، وهي لا تشبه حال طرابلس البأىسة، بل تعيش على كتف البؤس برخاء يتضمن طائرات خاصة وقصور فاخرة، وتملك بين يديها الوجاهة السياسية والمالية. 

والواقع ان حالة الفقر المدقع في طرابلس مزمنة وقديمة وتاريخية، وهي سابقة لحالة الفقر التي يشهدها كل لبنان في هذه المرحلة. هذا مع العلم ان مدينة طرابلس لديها كل مقومات الازدهار : لديها مرفأ يمنحها قدرة تجارية عالمية، ولديها معرض تجاري لم يفعل، ولديها ميزات سياحية وتجارية كبيرة نظرا لموقعها، ولما تحتويه من عطاءات طبيعية. ولكن طرابلس تاريخيا ينقصها أمرا واحدا ودائما واساسيا، هو رعاية الدولة لها الغائبة عنها منذ استقلال لبنان ، وينقصها أيضا عدم أهلية المتزعمين الاثرياء عليها، لجهة ان يحملوا قضية مكافحة الفقر فيها،ويساهموا بالقليل من أموالهم من أجل إنشاء معامل وقطاعات انتاج فيها؛ و هؤلاء المتخمون بالمال على حساب ابناء مدينتهم وبفضلهم، يخرجون إلى الناس في طرابلس مرة كل اربع سنوات، ويقدمون فتات أموالهم مقابل شراء ذمم اهلها الانتخابية. 

 امس غرق بعض فقراء طرابلس الذين كانوا على متن قارب صيد كان يقلهم من شواطئ طرابلس إلى قبرص ومن هناك إلى أوروبا. والواقع هؤلاء الذين غرقوا ليسوا الا عينة قليلة من فقراء طرابلس الذين اعتادوا ان يفروا من الجوع إلى أوروبا عبر قوارب تسفيير غير شرعي، يملكها تجار التغريب – حسب تسمبيتهم – او تجار الموت. 

السؤال الذي يستحق الاثارة دائما هو ممن يفر فقراء طرابلس ؟

.. ولماذا يغامرون بتعريض حياتهم للموت على متن قوارب للصيد قاصدين اوروبا ؟؟.. وما الذي يدفعهم ليسلموا مصيرهم لتجار الموت وتجار اغترابهم عن مدينتهم ووطنهم ؟

الأجوبة على هذه الأسئلة موجودة لدى الدولة .. وايضا لدى زعماء طرابلس الاثرياء ؟؟. ونظرا لكون البلد في موسم الانتخابات ، تصبح هذه الأسئلة أكثر إلحاحا كون طرحها يتم في وقت يقدم فيه سياسيو طرابلس الوعود الفارغة لأبناء مدينتهم، ويمننوهم بأنهم اذا انتخبوهم سيقدمون لهم ما يغير أحوالهم. 

من المسؤول عن موت طفل كان يهرب عبر قارب صيد غير أمن؟.

من المسؤول عن وضع عشرات الأشخاص امام احتمال الموت امس في عرض البحر؟؟.

في اي تحقيق في اي جريمة يتم البحث بالعادة عن الدافع ورائها، وعن السبب والمسبب لها. 

وفي حالة امس فان الجوع هو الدافع لهروب الطرابلسيين عبر البحر بشكل غير أمن وغير شرعي. فيما يعتبر المتسببين بإفقار طرابلس هم المسؤولون عن موت الطفل، وعن تعريض حياة عشرات الأشخاص الفقراء الذين كانوا على قارب الصيد للموت. 

.. ولكن في لبنان، حيث لا يوجد دولة بل مزرعة ، وحيث لا يوجد قضاء مستقل حتى يحاسب المجرمين، وحتى يلاحق المسؤول والمسبب عن موت الطفل وتعريض حياة عشرات المواطنين للغرق، يتم ترك القاتل والمتسبب المباشر وغير المباشر لما حصل حرا طليقا . وما سيحصل في الغد، هو انه سيتم احضار الدافع لما حصل، اي الجوع لمعاقبته.. والجوع هنا هم فقراء طرابلس الذين سيلامون على هجرتهم بشكل غير شرعي، وستسطر بحقهم وثائق توقيف لانهم لم يصبروا أكثر على عوزهم، ولأنهم اعتبروا انه لم يعد أمامهم سوى اختبار مغامرة البحر ليفروا عبره من الجوع المميت بدوره ، ولانهم قرروا الفرار من يأسهم من احتضان الدولة لقضية عوزهم، ومن نفاق سياسييهم وتكرار جريمة اهمالهم. 

هذه المرة لم تفد الخطب الانتخابية التي تثير غرائز فقراء المدينة لصالح تأييد زعمائها، بأن تجعل فقراء طرابلس يسكنون جوعهم بخطب الزعماء ، اقله إلى فترة ما بعد الانتخابات ، بل استمروا بالفرار من الجوع ومن وعود الخطب الانتخابية الفارغة ، ومعهم حملوا يأسهم وتركوا المدينة لاغنيائها المرشحين عن مقاعد الجياع والفاسدين حتى الموت بحق مدينتهم.

طرابلس تهاجر عبر البحر ، وتفر من شبح الموت داخلها إلى الموت في عرض البحر.. وتبقى خطب اثريائها المرشحين عن مقاعد تمثيلها في البرلمان، تصدح في ارجائها، مدعية العفة والوطنية ، وتبث كل سموم الرياء والفساد المحلى بمعسول الوعود الكاذبة والكلام الفارغ.

 

المصدر : الهديل

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!