‎التّفاعل أحجية التطور… بقلم دلال القاضي

صدى وادي التيم – رأي حر بأقلامكم /

‎تجنح النّفس الإنسانيّة إلى التّفاعل بفطرتها، تنهل من ارتواز العلاقات الإنسانيّة، وتتغذّى من ثمار المجتمع أو يباسه، فلا يمكن بأيّ خالٍ فكَّ التصاق الإنسان بمجتمعه من جهة، والبيئة الّتي تشكّل جزءاً هامّاً من شخصيّته من جهة أخرى.

‎يمتاز كلّ إنسانٍ عن أخره بامتلاكه بصمتان، الأولى بصمة اليد، والثّانية بصمته الفكريّة، إذ تفرض البصمة الثّانية نفسها بمقدار قدرة الإنسان على التّفاعل الأفقيّ مع النّاس في المجتمع أو البيئة الّتي يحيا فيها، واندماجه في التّفاعل العاموديّ مع الأرض، فنجد مثلاً ابن الجرد حدَّ الطباع، وابن الرّيف متمسّكٍ بالعادات والتّقاليد، كما أنّ الفنّانين والمبدعين هم من أبناء المناطق الخضراء ذات الطّبيعة الخلّابة، كلّ هذا ليس بصدفة، بل هي نتيجة طبيعيّة بتفاعل الإنسان مع الأرض ومع النّاس في أيّ بيئة اجتماعيّة.

‎تتّسع حلقات التّفاعل في أيّ مجتمع وتضيق، بفعل عوامل عدّة، لكنّ الحالة السّليمة هي أن يكون المرء قادرٌ على التّفاعل مع النّاس من كلّ البيئات، وفي أيّ بيئة اجتماعيّة ضمن وطنه، فلم تكُ فيروز “السّيّدة” لو لم تستطع الدّخول إلى صباح كلّ بيت في لبنان والعالم العربيّ، ولم يكُ جبران “النّبي” لو لم يتعدَّ أدبه هضاب بشرِّي الفاتنة، والشّواهد كثيرة على ذلك.

‎إنّ الإنسان يجب أن يكون أهمّ مدماك في حلقات البناء الاجتماعيّ، وأن يلتصق بناسه وأهله وأرضه، يتفاعل معهم، يكتسب منهم المزايا الحميدة، ويُساهم في تغيير الأعراف والتّقاليد البالية، فالتّفاعل هو تصوّف اجتماعيّ قد يفوق في قيمته تصوّف الناسكين في الجبال.

‎كلّ ما يُبعد النّاس عن النّاس هو كافر، وكلّ ما يصنع الحواجز بين النّاس في الوطن مشبوه، وكلّ ما يمنع التّفاعل الإيجابيّ القائم على تفعيل دورة الحياة الطّبيعيّة في البلاد هو عدوٌّ للإنسان والحياة، فالحياة نشأت بالتّطوّر، والتّطوّر تبلور بالتّفاعل، والتّفاعل في الميادين كافّة أدّى إلى نهوض أمم بأسرها، وغيابه أدّى إلى اضمحلال أمم كانت يوماً ما أصل الحضارة.

دلال القاضي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى