مجيد أرسلان… بالمواقف تذكر الرجال

صدى وادي التيم – لبنانيات /
هي صورة تاريخية، الأمير مجيد ارسلان يُقبّل علم لبنان الأول في بشامون، إلى جانبه في الوسط: الرئيس صبري حمادة، أما على اليمين، فالوزير حبيب أبو شهلا… صورة رائعة، لحدث أكثر من رائع… ترى في جميع كتب التاريخ، ويتعلمها جميع طلاب لبنان، ومن المواد المطلوبة ضمن الإمتحان الرسمي، لشهادتي التاسع والثانوية العامة. ولكن الأهم، هي مشهد «توافقي» ثابت في زمن الاشكاليات العملاقة. الثامن عشر من أيلول من العام ثلاثة وثمانين وتسعمائة وألف، لم تعد تقوى أقدام الفارس السبعيني على حمله، فهوى، ولم يسقط، وهو يرى لبنان يتمزق ويتداعى، وتنهشه أفاعي الفتنة ولدغات القتل، وضربات الحرب الأهلية القذرة، الغريبة بمكان عن فكره اللبناني، وهو غير المتعلم، إلا في مدرسة الحياة، وما التخرج من مدرسة الحياة بتفوق بأمر سهل.
مجيد أرسلان، مقدام غير هياب، كان دائماً في الصف الأمامي، «هو القائل «نحن قومٌ لا نهادن المستعمرين ولا نهاب المحتلين نقاتل حتى النصر أو الشهادة»، وقاتل، قاتل مع الجيش اللبناني، جيشه، وهو وزير الدفاع، في معركة المالكية، وليس كما يقاتل وزراء الدفاع عادة، بل لبس المرقط، وذهب إلى الجبهة، جال في الخنادق، وسامر الجنود، ورفع معنوياتهم، وتم النصر… حينما نقول إستقلال لبنان، يتبادر إلى الأذهان صورة شاربه المعقوف، وحكومة «لبنان الحر»، برئيسها حبيب أبو شهلا، وصبري حمادة، المعروفة أيضاً باسم حكومة بشامون، تلك اللحظة المميزة من تاريخ لبنان الوطن المنيع، غداة إعلان وتوقيع «الميثاق الوطني»، الذي ينص على أن لبنان بلد مستقل ذو وجه عربي، وأنه لا يحكم من قبل الغرب ولا من الشرق، ويشدد على «رفض الاستعمار»، و«تمثيل الطوائف في الوزارات وجميع المراكز الحكومية»، ويضع إلى جانب ذلك، الجمارك والسكك الحديدية وشركة الريجي (شركة احتكار التبغ والتنباك) بتبعية للحكومة اللبنانية. ويضع أيضاً، الاشراف على الحدود اللبنانية في عهدة الحكومة اللبنانية. الفرنسي المنتدب لم يقبل بذلك، خصوصاً أنه اعتبر أن ذلك يعتبر تمرداً على السلطات المنتدبة، فقاموا باعتقال الزعماء وقادة الرأي في لبنان، وطليعتهم «فخامة الرئيس بشارة الخوري، ورئيس مجلس الوزراء رياض الصلح، والوزراء كميل شمعون، عادل عسيران ورشيد كرامي، وسجنتهم في قلعة راشيا»، في حين نجا من الاعتقال كل من الوزراء مجيد أرسلان، صبري حمادة وحبيب أبو شهلا لعدم تواجدهم في بيوتهم في تلك الليلة». ثارت الحمية اللبنانية في دماء اللبنانيين جميعاً، وجمع الأمير رجالاً من كل المناطق، وتم تسليحهم لحماية «حكومة بشامون»، وترافق الأمر مع مظاهرات وإضرابات جماهيرية صاخبة، وأعمال شغب، إحتجاجاً على الإجراءات التعسفية بحق الدولة اللبنانية، عندها، قامت الحكومة المؤقتة والنواب بالإجتماع في جلسة سرية «تم فيها رسم وتوقيع العلم اللبناني الجديد الذي رفع في بشامون». ومع استمرار الإضراب، تدخلت الدول الغربية والعربية، وأرسلت الحكومة البريطانية إنذاراً إلى الحكومة الفرنسية صنف «شديد اللهجة»، يعطيها ساعات قليلة للافراج عن المعتقلين، وإلا «ستقوم القوات البريطانية بالمهمة نيابة عنها»، فأذعنت السلطات الفرنسية، وتم الإفراج عن المعتقلين السياسيين. ليعلن لبنان دولة مستقلة. في الداخل الدرزي، شكل أرسلان، مع كمال جنبلاط، وشيخ العقل المرحوم الشيخ محمد أبو شقرا، مثلث الدروز، معاً كانوا «في الملمات» الأمير والبك والشيخ، سياسياً، تبوأ مجيد أرسلان مناصب وزارة الزراعة، والصحة، والدفاع، والإتصالات، والعدل، والاسكان.
إلى جانب رئاسته كتلة نيابية، أخلاق الفروسية، جعلت منه حليفاً جيداً، صادق بشارة الخوري، وبقي إلى جانبه حتى قرر الأول الاعتزال والانكفاء، أما في فترة الحرب الأهلية، فكان جالساً وحده «يبكي على لبنان»..
البيت الأرسلاني الفعال سياسياً يتوزعه شقان، الشق الأول أولاد الأمير من الأميرة خولة جنبلاط أرسلان، ويتولى قيادته رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني، الأمير طلال أرسلان، ومؤخراً يرى المتابع حركة لافتة لنجله الأمير مجيد، في تمثيله لوالده في المناسبات، والزيارات المكوكية إلى منازل رجال الدين، والقيادات السياسية الحليفة، مع إشغاله ببعض المراجعات والشؤون، إلى جانب اكماله التحصيل العلمي في الغرب، ويضم، إلى جانب الأمير طلال، الأخوات زينة، ريما ونجوى. بالمقابل، هناك الشق الآخر، أولاد الأمير مجيد من الأميرة لميس شهاب، الأميرين فيصل وتوفيق أرسلان، رحمهما الله. مجيد أرسلان، رجل من التاريخ، طبع إسمه في تاريخ لبنان، بالأحرف العريضة، بصمة ذهبية، شكل مع أترابه وأقرانه في السياسة آنذاك، حالة قوية، ساهمت في خلق «الكيان اللبناني» وتعزيزه، هو نموذج من الرجال الذين يحتاجهم كل وطن، رجال يحبون لبنان، ويسعون لبقائه، ورفعته، ومنعته، وطناً سيداً حراً عربياً مستقلاً، رجال مستعدون للحياة دفاعاً عن الميثاق الوطني، والسلم الأهلي، والعيش الواحد، دفاعاً عن لبنان التنوع، والتعدد، وقبول الآخر… وإلا، فإن تضحيات رجال من قامة مجيد أرسلان، ستذهب هدراً… لا قدر الله.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى